دير مار تقلا في معلولا… البلدة الأيقونة

لورا محمود

معلولا، بلدة لها مكانة خاصة. سكانها ما زالوا يتكلمون اللغة الآرامية لغة السيد المسيح ، تشتهر بمعالم مسيحية مقدّسة وآثار قديمة مهمة، يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وأهمها دير مار تقلا الذي يضمّ رفات القديسة تقلا تلميذة القديس بولس. وكان الآباء القديسون عندما يريدون أن يعظّموا إحدى النساء القديسات، يشبّهونها بتقلا.

تعتبر القديسة تقلا شفيعة عدّة مدن وقرى مثل معلولا في سورية، ومدن في إيطاليا مثل: أوزيمو، إيستي. وفي إسبانيا مثل: طركونة وسيدجيس. فما قصة القديسة تقلا التي هربت من أعداء المسيحية؟

معالم معلولا

معلولا مدينة سورية تقع في شمال غرب دمشق على بعد 50 كيلومتراً من العاصمة، وترتفع عن سطح البحر حوالى 1500 متر. يعني اسمها المكان المرتفع ذو الهواء العليل. في معلولا معالم تاريخية متفردة أهمها كنيسة بيزنطية قديمة وأضرحة بيزنطية منحوتة في الصخر في قلب الجبل. وتتميز بيوت بلدة معلولا بارتفاع بعضها فوق بعض لطبقات، بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد، لتتحول بذلك سطوح المنازل إلى أروقة ومعابر لما فوقها من منازل. أما الأوابد والأحجار الضخمة والكهوف والمغارات المحفورة في الصخر التي سكنها الإنسان القديم، فتحكي قصة تاريخ آلاف السنين منذ العهد الآرامي الذي كانت فيه معلولا تتبع لمملكة حمص، إلى العهد الروماني الذي سمّيت فيه معلولا سليوكوبوليس ، إلى العهد البيزنطي الذي لعبت فيه دوراً دينياً مهماً عندما أصبحت مركزاً لأسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر. وفيها أيضاً دير مار سركيس الذي بني في القرن الرابع الميلادي. وفيها أيضاً دير مار تقلا البطريركي الذي يأتي الزوار إليه من كل صوب وناحية ومن كافة أنحاء العالم للتبرّك والزيارة.

حياة القدّيسة تقلا

ولدت تقلا عام 30 ميلادياً في مدينة قونية أي آسيا الصغرى سابقاً وتركيا حالياً من أبوين وثنيين. وما أن بلغت الثامنة عشرة من عمرها، حتى خطبها ذووها إلى شاب اسمه تاميريس، لكنها لم تتزوّج لأن الرسول بولس مرّ بالمدينة عام 45 ميلادياً مبشّراً بالإنجيل. فاستمعت تقلا إلى مواعظه وخطبه واقتنعت على إثر ذلك بالدعوة المسيحية. وقد اعترفت تقلا لأهلها بأنها لم تعد ترغب في الزواج وأنها قد نذرت نفسها ليسوع، فحاول أهلها ثنيها عن عزمها بجميع الوسائل لكن من دون جدوى. فلجأوا إلى التعذيب وحرمانها من الطعام. أخيراً أخذتها أمها إلى والي المدينة الذي حاول بكل الطرق الممكنة أن يردّها عن قرارها، فواجه فيها إرادة صلبة ثابتة. فهدّدها بأن يلقيها في النار حيّة فلم تأبه، وأمر بإيقاد نار شديدة وألقاها فيها، لكن هطول مطر غزير أطفأ النار وخرجت سالمة من كل أذى. وبعد ذلك هربت تقلا من المدينة وتبعت الرسول بولس، ثم جاءت وإياه إلى مدينة أنطاكية.

في أنطاكية، واجهت تقلا استشهادها الثاني، إذ وُشي بها لدى الوالي أنها مسيحية، فحكم عليها الوالي بالموت، وألقاها للوحوش فلم تمسّها بأذى. ثم حاول ثانية وثالثة فكانت النتيجة نفسها. بعد ذلك، أرسلها الرسول بولس إلى مدينة «سلفكية الشام» أي معلولا، وعند وصولها إلى هذه المدينة، أقامت أيضاً في إحدى المغارات. وكثيرون اهتدوا إلى المسيحية بواسطتها، وعرفت بموهبة شفاء الأمراض، فتدّفق إليها الناس.

البعض اعتقدوا أن سحر تقلا هو في عذريتها، فأرسلوا رجالاً أشراراً لفضّ عذريتها. هؤلاء طاردوها فهربت منهم فحاصروها، فرفعت الصلاة واستغاثت، فانشقت إحدى الصخور ودخلت فيها، فكانت الصخرة مخبأً لها ومدفناً.

تمتاز معلولا بما يسمّى «فجّ مار تقلا»، وهو شقّ صخري في الجبل حيث يعتقد أنه فتح بمعجزة، يُحدث ممراً ضيقاً من طرف الجبل إلى طرفه المقابل وفي هذا الشق ساقية ماء تزيد وتنقص وفق الفصول والمواسم. يتقاطر إليها الناس من كل مكان ليرشفوا من مياه بركاتها، وينالوا نعمة الشفاء من المرض والطهارة والنقاوة.

أعياد معلولا

تزدحم معلولا وأديرتها وكنائسها بآلاف الزائرين على مدار السنة، خصوصاً في عيد الصليب الذي يصادف في 14 أيلول، إذ تشتهر فيه معلولا بشكل خاص، فتوقد النار على قمم جبالها، وهو تقليد يعود لعام 325 ميلادياً من قبل القديسة الإمبراطورة هيلانة، إذ يقال إنها عثرت على أجزاء من الصليب الذي يعتقد أن يسوع قد صلب عليه في مدينة أورشليم، وكان مخفيّاً في التراب، ولكي تقوم بإعلام ابنها الإمبراطور قسطنطين الأول الذي كان متواجداً في مدينة القسطنطينية، قاموا بإشعال النار على قمم الجبال الممتدة بين مملكة القدس والقسطنطينية، وكانت قمة جبل معلولا إحدى تلك القمم. وقد حوفظ على هذا التقليد في معلولا حتى الوقت الحاضر، ويعتبر من الأماكن المقدسة التي كان يقصدها المسيحيون والمسلمون قبل حجهم إلى مدينة القدس.

وأيضاً هناك عيد القديسة تقلا في 24 أيلول وعيد القدّيس سركيس في السابع من تشرين الأول، إذ يتوافد الزوار إليها للمشاركة في الاعياد المقدسة من دول أوروبا والعالم. ومؤخراً احتفل أهالي معلولا بعيد مار تقلا بعد كل ما عاشته البلدة من إرهاب، معيدين للبلدة طقوسها وفرحها بالأعياد.

يذكر أن القديسة تقلا مرت من مدينة اللاذقية حوالى عام 40 للميلاد وأقامت في مغارة. ويقال إنه في تلك المغارة ترشح مياه من سقف المغارة الصخري طوال أوقات السنة من دون أن يُعرَف مصدرها. وعام 1943 بدأت أعمال تنقيب محلية متقطعة للكشف عن المغارة وترميمها. وعام 2009 تم افتتاحها رسمياً كمزار دينيّ محليّ للقدّيسة.

وأيضاً في تركيا، ثمة كنيسة «آية تيكلا» في مقاطعة مرسين التركية عند ساحل البحر الأبيض المتوسط. وتحتوي الكنيسة على مغارة يعتقَد بأن القديسة قد تنسّكت فيها. وكانت المغارة محطّ جذب سرّي للحجاج حتى فترة حكم الإمبراطور البيزنطي زينون الذي أمر ببناء كنيسة تكريماً للقدّيسة تقلا. وتعتبر القديسة تقلا شفيعة مدينة طركونة الإسبانية، إذ تقيم كاتدرائية المدينة قدّاساً مخصّصاً لها في يوم 23 أيلول من كل سنة.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن بعض أبناء معلولا حاولوا الحفاظ على اللغة الآرامية ونجحوا في إقناع المسؤولين في جامعة دمشق بإدخال مساقات خاصة باللغة الآرامية قبل سنوات. كما قاموا بإدارة مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي للحديث والكتابة باللغة الآرامية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى