المهنّد كلثوم لـ«البناء»: الطفل السوريّ قادر على صنع المعجزات وجدير ببلوغ القمم

دمشق ـ آمنة ملحم

يحمل بقلبه وفنّه رسالة إنسانية إلى العالم أجمع، تشي بما يعانيه الطفل السوري في ظروف الحرب القاسية. وكلّه أمل بغدٍ محمول على عطر الياسمين الدمشقيّ. مخرج سينمائيّ شاب، يؤمن أنّ العمل الجيد يصل إلى العالمية، ويحصد النجاحات، وأنّ القمم جديرة بالبلوغ متى توفّرت الإرادة، سواء كان ذلك عبر بوابة الطفولة، أو الممثلين الكبار. لكنه يرى بعفوية الطفل أكثر إقناعاً.

إنّه المهند كلثوم، السينمائيّ الحالم الذي يعيش حالياً «مغامرة سينمائية»، ويطمح بتوثيق كلّ ما يحدث في سورية. له شروطه للانتقال إلى عالم الدراما، والكلّية الجوّية حلمه الثاني.

حول هذه المواضيع وأمور أخرى، التقت «البناء» المخرج الشاب، وكان معه هذا الحوار:

نبدأ من «مغامرة السينمائيّ الصغير»، بعد مضي شهر ونيّف على إطلاقها، ما الذي أنجِز وما الخطوات المستقبلية؟

– سيُقدّم في نهاية الدورة مشروع تخرّج، وستوزّع الشهادات، إلى جانب عرض فليمين: الأوّل تسجيليّ والثاني روائيّ. ويأتي هذان الفيلمان نتيجة جهد المشاركين خلال المغامرة، وهما من تأليفهم وإخراجهم وتمثيلهم وتصويرهم، إضافة إلى فيلم يعرض فيه انطلاق الدورة ومراحلها.

ما الذي أردت قوله عبر هذا المشروع، وهل حقّقت ما كنت تصبو إليه؟

– ببساطة، الطفل السوري قادر على خوض المستحيل، أضف إلى ذلك ما نعيشه الآن، فإنّ المرحلة تحتاج إلى جيل من المخرجين وكتّاب السيناريو والمصوّرين من أجل توثيق الواقع وإيصاله، لتكون انطلاقة جديدة لجيل جديد وثقافة سينمائية في كل بيت ومدرسة. كما أنّ تفعيل السينما في المدارس أمر ضروريّ، لا سيما أن الجيل الحالي بصريّ، ويفضل المشاهدة لفهم الفكرة والمعلومة.

لذلك، فإن الهدف من هذا المشروع الذي يقدّمه مشروع «مركز مسار»، أحد مشاريع الأمانة السورية للتنمية، تعليم اليافعين ماهية السينما ونقل الفكر السينمائي إلى كلّ طفل مشارك في الدورة. والمشروع يعدّ التجربة السينمائية الأولى من هذا النوع في سورية، وهو موجّه للطفل، إذ يقوم الطفل بكتابة سيناريو ويمثّل ويصوّر بنفسه. وتتضمّن الدورة حصصاً دراسية تشمل الرسم والتمثيل والتعامل مع الكاميرا، والرقص وكيفية كتابة سيناريو، وإخراج فيلم سينمائيّ بكاميرات احترافية مع تقنيات الإضاءة الاحترافية، من أجل تعليم المشاركين صنع فيلم خاصّ بهم عن طريق كاميرا الجوّال، وكيفية توثيقهم اللحظات التي يريدون الاحتفاظ بها، وأن يكونوا قادرين على صنع أي فكرة تخطر على بالهم من المحيط القريب منهم إذا ما توفّرت الكاميرا لديهم.

وتضمّ المغامرة في طاقم عملها، متخصّصين في كل مجال من تلك المجالات، لتقديم خبراتهم إلى المشاركين ومساعدتهم في تنمية موهبتهم. ففي كتابة السيناريو يضمّ طاقم العمل سامر محمد اسماعيل، وفي التصوير والإضاءة صفوان الشاعر، وفي مادة الرقص أيهم مؤمنة، وفي مادة الفوتوغراف بسام البدر، والتمثيل الفنان وائل رمضان والفنانة سلاف فواخرجي.

اخترت أطفالاً ما بين 11 و14 سنة للمغامرة. لماذا هذه الفئة العمرية؟ ألا تظنّ أنّ الأطفال بهذا العمر صغار على هذا المشروع؟ أم أنك لمست العكس بعد التعامل مع الأطفال على أرض الواقع؟

– في هذا العمر، سلوك الطفل يكون غير مستقرّ، لذلك من السهل أن نعمل على توجيهه نحو الأعمال الإيجابية، من خلال الخطط المدروسة والصحيحة وطريق العرض والتقديم له. إضافة إلى تعليمه عبر وسائل سهلة وواضحة. وخلال تجربتي مع الأطفال، أبدوا حبّهم للتعلم والاستفادة. وبعضهم كانوا أكبر من أعمارهم الحقيقيى، من حيث المعلومات وطريقة طرح الأفكار والبحث. كما أن المشروع نواة لبناء جيل سينمائيّ قادر على تطوير موهبته وتحقيقها بالعمل والتجريب، ويعدّ هذا العمر الأنسب للموهبة السينمائية، لبناء خبرة الطفل وثقافته البصرية، حتى يستطيع إكمال دراسته في المرحلة الثانوية والجامعية وتطوير هذه الموهبة وصقلها.

كيف لمست إقبال الناس على هذا النوع من المشاريع؟

– الإقبال على المشروع لا يحتاج إلى تفسير، فالمشروع جديد وواضح وهو المشروع السينمائي الأول للأطفال. الرسالة التي أردت تقديمها مفادها أنّ الأطفال قادرون على صنع المعجزات. فهم المستقبل وهم قادرون على صنع الكثير. كان الأهالي مرحبين بالفكرة، وكثيرون منهم طلبوا منّا إعادة التجربة لمختلف الأعمار. ولكن يتم اختيار ممّن يمتلكون مواهب تمكّنهم من الاستفادة من هذا المشروع الذي بدأ منذ أكثر من شهر، حيث تعلّم منه المشاركون كيفية صنع فيلم سينمائي وكتابة سيناريو والتعامل مع الكاميرا، ووصلنا اليوم الى مراحله الأخيرة.

لننتقل إلى فيلمك «الياسمين». أين هو اليوم؟ هل حُدّد موعد عرضه؟ وهل سيشارك في مهرجانات كغيره من أعمالك؟

– فيلم «الياسمين» من نوع الديكودراما، يحكي عن أحلام الطفل السوري وآثار الحرب على أحلامه وأفكاره وبيته ومدرسته، وكيف تسبّبت هذه الحرب بسلب ضحكات طفولته. الفيلم يعكس صورة نقية لغدٍ محمول على عطر الياسمين الدمشقيّ، وهو رسالة إنسانية إلى العالم مفادها أن سورية تعاني من انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان والطفولة على يد إرهاب مسلّح ودمويّ. أما بالنسبة إلى موعد عرضه، فلقد انتهينا من الفيلم، وسيكون جاهزاً للعرض قريباً. كما أننا الآن نحضّر لعرضه، ولكن ليس هناك حتى الآن تحديد دقيق لمكان العرض وزمانه. أما حول مشاركة الفيلم في مهرجانات، فبالتأكيد نطمح ونعمل من أجل مشاركة الفيلم في مهرجانات في الخارج. فهو رسالة إلى العالم بما يعانيه الطفل السوري ضمن ظروف الحرب القاسية.

حصدت جوائز عدّة، ما هي الجائزة التي تحلم اليوم بالوصول إليها؟

– أركّز حالياً على مشروعي السينمائي الذي أطمح إلى الوصول به إلى العالمية، إضافة إلى مشروعي الجديد، وهو العمل على موضوع الطفل السوري واحتياجاته في ظل الأزمة الراهنة، وإعادة إعمار الإنسان من خلال أفلام وثائقية وروائية قصيرة. إذ أتعاون لهذا الغرض مع «مركز مسار التنموي» في عدّة فعاليات، منها مشروع «مغامرة السينمائي الصغير» لإعطاء هذه المواهب المعلومات والمبادئ الأساسية في فنّ السينما، ليكونوا نواة السينمائيين السوريين مستقبلاً.

كان الطفل محطّ اهتمامك في أكثر من عمل أنجزته. هل برأيك من الممكن الوصول إلى العالمية عبر بوّابة الطفولة؟

– العمل الجيد سيصل إلى العالمية وسيحقق النجاح سواء كان عبر الأطفال أو عبر الممثلين الكبار، ولكن للطفل خصوصية من خلال التقديم. ولو كنت لا أؤمن بنجاح الأطفال في إيصال الرسالة التي أسعى إليها، فما كنت بدأت المشروع. الطفل قادر على إيصال الحقائق بطريقة عفوية ومقنعة أكثر.

كسينمائيّ حالم، ما أهمّ ما يجب الالتفات إليه في سورية لتفعيل عالم السينما وجذب الجمهور إليها؟

– الصورة التي تعبّر عن ثقافة الشعب، وبما أن ثقافة الشعب السوري تلفزيونية، لا سينمائية، فلا بدّ من إيجاد مفاتيح تشدّ المتلقي، ومنها التعليق الصوتي الذي يعبّر عن فلسفة مضمون الفيلم ومحتواه، شرط أن يترك أموراً خفية لخيال المتلقّي. لذلك، فإن اللهجة المحكية هي الأقرب إلى خصوصية الفيلم، وهي تعبّر عن رؤية صانع الفيلم، وثقافته، ومدى اهتمامه، وإلمامه بالموضوع.

تحمل ماجستير في الإخراج التلفزيونيّ والسينمائيّ. لِماذا لم نرك في عالم الدراما التلفزيونية بعد؟

– كمخرج، أحبّ العمل السينمائيّ. كما أن الدراما ليست بعيدة عن عالم السينما، إنما يتوجب أن تتوفر لها مقوّمات النجاح والتميّز لتكون قادرة على صناعة أعمال فنية درامية مهمة تبقى مع الزمن. لذلك، في حال انتقالي إلى عالم الدراما، فإنّ انتقالي هذا مرهون بشروط محدّدة، منها النصّ الجيّد الهادف الذي يلبّي الحاجة لهذه المرحلة مع الإمكانيات الإنتاجية اللازمة.

في ظلّ الأزمة التي تعيشها سورية، هل تعتقد أنك تؤدّي دورك تجاه بلدك، وما هي رسالتك في هذه الظروف؟

– الطريق في أوّله، لكنّ مشروعي أسعى إلى تحقيقه على مراحل، تستهدف كلّ مرحلة فئة أو شريحة معيّنة. كما أنني أعمل على توثيق كلّ ما يحدث في سورية.

مَن مَثَلك الأعلى في عالم الإخراج السينمائيّ؟

– كلّ مبدع قدّم للفنّ السينمائيّ ألقاً وأبداعاً عبر مسيرته السينمائية.

لو لم تكن مخرجاً، ما المهنة التي كنت ستختارها في حياتك، ولماذا؟

– الكلّية الجوّية، كنت أرغب أن أسير على خطى والدي الشهيد العقيد الطيّار محمد كلثوم.

فواخرجي

وفي سياق الحديث عن النجمة السورية سلاف فواخرجي، لفتنا تقرير نشر منذ أيام، جاء فيه: لبتّ النجمة السورية سلاف فواخرجي دعوة المخرج السينمائي المهند كلثوم، لزيارة «مغامرة السينمائيّ الصغير» التي أطلقها مؤخراً، ضمن مشروع «مسار»، أحد مشاريع الأمانة السورية للتنمية.

وأمضت فواخرجي يوماً كاملاً مع الشباب والأطفال السوريين الذين يعيشون «المغامرة السينمائية»، وحضرت معهم عدّة دروس كالرقص، والنقد، والرسم، وأعربت عن إعجابها بمشروع «مسار» عموماً، ومستوى الاهتمام والرعاية لدى الأساتذة، والقائمين على المشروع.

وقالت مخرجة «رسائل الكرز»: أحببت فكرة «المغامرة السينمائية» للصديق المهنّد كلثوم، وسررت برؤية أطفال وشباب سوريين، بدوا على على قدر كبير من الفهم والمنطق، وأعجبت جدّاً بالنقاش معهم.

وأكدّت سلاف فواخرجي على أهمية الفكرة، وضرورة إدراج المادة الفنية في المنهاج السوري، وعودة تفعيل المسرح المدرسي الذي ما زال موجوداً، لكنّه يعاني إهمالاً كبيراً في الفترة الأخيرة. فمن المهم تعليم الأطفال كتابة السيناريو، واطّلاعهم على كيفية التصوير والإخراج، والأمور التقنية الأخرى التي تشكّل آليات العمل الفني الأساسية، هذا العالم الجميل الذي يثير شهية الأطفال والكبار لاكتشافه.

وأشارت فواخرجي إلى درس الزميل رسّام الكاريكاتير نضال ديب، الذي حضرته، حول كيفية رسم الشخصية الكرتونية على الورق، وتحدثت معهم عن تجربتها كممثلة، ومخرجة في هذا المجال، وكيف ترسم المشاهد، والشخصيات، مروراً بمراحل تطوّرها المختلفة، وصولاً إلى نضوجها، وتحوّلها إلى شخصيات من لحمٍ ودم. مؤكدةً أهمية إلمام الفنّان بمختلف ألوان العلوم والآداب ومناحي الحياة الأخرى قدر المستطاع، بما يمكّنه من تكوين ذائقته الجمالية الخاصة، مستخدماً مختلف مهاراته الحسّية والفكرية في العمل الفنّي.

ولفتت النجمة السورية إلى وجود مواهب حقيقية تستحق التوقف عندها، بين الشباب والأطفال المشاركين في «المغامرة السينمائية» وقالت: بدت المواهعب بوضوح في القصص والسيناريوات التي يكتبونها، ومنها ما يمكن تصنيفه بشكلٍ جدّي بين الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والترويجية. وكان ذلك أحد محاور النقاش معهم.

وأبدت سلاف إعجابها بتبلور فكرة التخصّص لدى الأطفال، فبعدما كانوا جميعاً راغبين بالتمثيل، أصبح بينهم من يريد أن يتخصّص في الكتابة أو التصوير أو الإخراج.

وعرضت فواخرجي عليهم تشجيعاً منها لهم، أن تكون ممثلةً في أحد أفلامهم، شرط أن تؤمن بالقصة المعروضة عليها، وأن تصدّقها، ما أعطاعهم دفعاً كبيراً، ومنهم من تحمسّ لسؤالها عن الأجر الذي يمكن أن تتقاضاه لقاء التمثيل في فيلمه، فأجابت بأنها ستفعل ذلك من دون أي مقابل، ولا شرط لديها سوى الإيمان بالفكرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى