تآمر أوروبي تركي على إفراغ شمال سورية

د. نسيب أبو ضرغم

ليس مطلوباً من المراقب أن يبذل جهداً في التحليل ليقف عند حقيقة هذا الطوفان البشري النازح إلى القارة الأوروبية. وحقيقة الأمر هي في انتقال ما يقارب نصف مليون سوري إلى الدول الأوروبية لا يمكن أن يتم إلا عبر تنسيق بين هذه الدول والدولة التركية، فالأمر لا يتعلق بأعداد قليلة تتسلل من هنا أم من هناك، كما يحصل في الحالات العادية.

ما ينبغي التوقف عنده، هو أن الأكثرية الساحقة من المواطنين السوريين المنتقلين إلى أوروبا، هي من المناطق التي تسيطر عليها منظمات الإرهاب أو من الشمال السوري بالتحديد. هذا ما يطرح تساؤلاً حول السبب الكامن وراء حصر الهجرة السورية بالشمال السوري.

بالتحليل، يمكن للمراقب أن يقول بأن أردوغان الذي سلك منذ بداية الحرب الكونية على سوريا مسلك العداء للدولة السورية، وبالتالي الإصرار والتأكيد على ضرورة قيام منطقة عازلة في شمال سوريا، هي عينها المنطقة التي كان يحلم بها أتاتورك العام 1939 والتي عجز عن ضمها إلى دولته الطورانية، أسوة بالإسكندرون وكيليكيا. وإزاء ذلك يبقى الحلم التركي كما هو، كائناً من كان الحاكم في أنقرة.

يبدو أن عجز أردوغان عن إقناع الغرب بإقامة العازل الجغرافي بين سوريا وتركيا، دفعه إلى أن يقدم على عملية تهجير مفتعلة، يتم بموجبها خلق دياسبورا سورية باتجاه أوروبا، ويكون بذلك قد حقق الخطوة الأولى من حلمه في الهيمنة على كامل الشمال السوري.

إن حركة أردوغان وأطماعه مفهومتان إلى حد كبير، ولكن ما هو غريب عن أطماعه مفهوم إلى حد كبير، ولكن ما هو غريب عن التفهم المنطقي هو طواعية الدول الأوروبية في قبول مئات الألوف من السوريين، فهل صحيح أن هذا القبول ناتج عن نزعة إنسانية؟

بالتأكيد لا، لأنه لو كان الأمر مرتكزاً إلى نزعة إنسانية، لكان أحرى بالدول الأوروبية أن تظهر إنسانيتها عندما كانت تشجع المنظمات الإرهابية مباشرة وبشكل غير مباشر على استكمال مشروعها التخريبي في سوريا. بالتأكيد ليس الدافع إنسانياً، إنما هو صفقة بين أردوغان والمجموعة الأوروبية برعاية أميركية، الغاية منها الإمعان في تمزيق الشعب السوري، وبالتالي سلخه عن أرضه وحضارته، والأخطر إفراغ شمال سوريا لتكون منطقة عازلة مفرغة من معظم سكانها، وذلك تسهيلاً للنيو – عثمانية من التمدّد جنوباً وبالتالي السيطرة على كامل سوراقيا، تماماً كما فعلت العصابات الصهيونية العام 1948 عندما شرعت عبر مجازرها بإفراغ الأرض الفلسطينية من سكانها تمهيداً لقيام الكيان الغاضب.

إن ما أقدم عليه أردوغان لصّ حلب بالتنسيق مع الأوروبيين وبرعاية أميركا، يعني أن فصولاً جديدة من الحرب على سوريا ستضاف إلى فصولها السابقة، وأن هذه الفصول ستكون أشد هولاً وأكثر اتساعاً. فالذئب التركي مع الذئاب الأوروبية والأميركية جميعهم يصرون على تمزيق الجسم السوري، بخاصة بعد التدخل الروسي المباشر، وذلك استباقاً لأي تحول دراماتيكي في الحرب لمصلحة التحالف الروسي – السوري.

في هذا الإطار، من واجبنا التذكير، بأن تركيا أطلسية، وستبقى، وليس من قرار تتخذه الحكومة التركية خارج البعد الأطلسي.

إن تركيا مستعمَرة للحلف الأطلسي، ويعتبرها الحلف المذكور أهم دولة من دوله، نظراً لجغرافيتها التي تقدّم للمشروع الصهيو – أميركي خدمة استراتيجية لا مثيل لها في دول الحلف كافة. وبناءً عليه، سوف لن يقف الغرب طويلاً في وجه الطرح الأردوغاني بفرض المنطقة العازلة، لأن هذه المنطقة هي الاختراق المطلوب لمنطقة جنوب تركيا وشمال السعودية، المنطقة التي تُمسك بقلب العالم.

وبناءً عليه، فإننا نعتقد بأن فصول الحرب الأكثر شراسة لم تقع بعد، وبأن المعارك الفاصلة والمقرّرة للنصر والهزيمة آتية، وبأن الجغرافية السوراقية هي جغرافيا الحرب الفاصلة، وما على القوى المنضوية في محور المقاومة، وخاصة منها الشعبية، إلا إعداد نفسها لمعارك الحسم، ولحرب المصير، على الجغرافيا المقدسة، حيث سينبت النصر من كل صخرة وحبّة رمل وشجرة وجبل وزهرة ياسمين.

إن الدخول الروسي المباشر وغير المسبوق في منطقتنا، يماثل في شكله ونتائجه دخول الجيش الأحمر إلى شرق أوروبا وألمانيا، ومَن يرى غير ذلك سيستفيق على واقع غير مسبوق أيضاً.

غداً، عندما سيُكتب تاريخ هذه المرحلة، سيُقال إن دخول القوة الروسية إلى سوريا واشتراكها الفعلي في الحرب على الإرهاب، التي هي استطراداً الحربُ على استفراد الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل في العالم، بداية لانقلاب دولي تعدّت مفاعيله الجغرافيا السورية إلى العالم أجمع، تماماً كما فرض التدخل السوفياتي في أوروبا العام 1945 مفاعيله على العالم لما يقارب نصف قرن.

بقي أن نقول، وبإلحاح، متى تصبح غرفة العمليات المشتركة في بغداد غرفة أركان مشتركة!؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى