الإصرار والقرار… ومأزق الآخر

شهناز صبحي فاكوش

عندما أصرّت روسيا في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، على ضرورة مكافحة الإرهاب، قبل تفشيه في جميع الدول، التي قد يعود الإرهابيون القتلة منها إليها. وأنها لن تسمح لهم بالعودة إليها. تأكدت جديتها في مكافحته. لا كما فعل التحالف الأميركي.

كان القرار الروسي واضحاً لمساعدة سورية، للتخلص من الإرهاب الذي ضرب أرضها وقتل شعبها. لكنها لم تخرج عن إطار الشرعية الدولية، ملبّية طلب سورية في مساندتها بسلاح الجو، لدكّ مراكز تجمعات وتدريب الإرهابيين ومستودعاتهم.

الموقف الروسي أحرج أميركا وتحالفها، الذي أمضى ما تجاوز العام من التحليق فوق الأجواء الشمالية السورية دون جدوى، بل كان غطاءً للإرهابيين للتقدّم وقضم أراض جديدة، والتمدّد في مساحات تقارب الحدود التركية، وفتح مسارب لدعمهم.

أما المأزق الذي أربك الآخر الأميركي والتركي، فهو أنّ الكرة في محاربة الإرهاب وقعت في الملعب الأميركي، الذي ما زال يتعنّت في عدم التنسيق مع التحالف الجادّ السوري الروسي العراقي الإيراني الرباعي، الذي أوقع تركيا في المأزق الأكبر.

تركيا الأردوغانية، وليست تركيا الشعب الجار والصديق، هي التي تقع اليوم في مأزق تبدّدت فيه أحلامها، في المنطقة العازلة، ومنطقة الحظر الجوي. تركيا التي دعمت كلّ الجماعات الإرهابية على طول الحدود السورية معها، ترتدّ اليوم إليها.

الطيران الروسي اليوم يضرب الإرهابيين على طول الحدود السورية وهو يلاحقهم داخل الحدود التركية، ما أدّى إلى اختراق الأجواء التركية 13 مرة، ما جعل تركيا تدّعي بأنها أسقطت طائرة روسية في كذبة تحاول فيها حفظ ماء وجهها.

أما الإصرار الإيراني، والقرار في دعم سورية، بخبرات عسكرية متقدّمة رفيعة المستوى، فهو أيضاً بطلب سوري، لمراسها فيه، بما خاضته من حرب مجنونة، ومواجهة حصار تركز في ما تركز على المؤسسة العسكرية كما على الاقتصاد.

دعم روسي إيراني جعل الإرهابيين يفرّون من إدلب إلى تركيا، وقد خصّصت لهم فنادق في اسكندرون. لعلهم يحلمون في إعادة تسللهم إلى الأراضي السورية. لكن الجيش العربي السوري وسلاح الجو بالتعاون مع الطيران الروسي لهم بالمرصاد.

تركيا اليوم تلعب على ورقة التركمان في شمال اللاذقية، ناسية أنهم جزء من النسيج السوري المتين، غير القابل للتنسييل المضادّ للاحتراق والبلل بماء الإثنية الآسن، وهي تلعب أيضاً بورقة اللاجئين السوريين عندها.

تركيا ترحّلهم على مناطيد الموت إلى أوروبا، تخفيفاً لها من المأزق الذي وضعت فيه نفسها مع شعبها، في الوقت الذي تدخل فيه انتخاباتها المبكرة، في عملية تجميع أصوات لحزب أردوغان آخر مرابض «الإخوان المسلمين» حزب العدالة والتنمية.

ميركل تذهب إلى تركيا لأجل مناقشة مشكلة اللاجئين الذين يتدفقون إلى ألمانيا بترويج تركي… لكن ما بين السطور، يمكن أن يكون لأجل تفكيك التعنّت التركي السعودي، في مواصلة دعم المسلحين، بادّعاء أنهم من «المعارضة السورية».

روسيا بإصرارها على محاربة الإرهاب، وقرارها في تلبية الطلب السوري في الوقوف معها ضدّه، لاقت دعماً عربياً مشتركاً بيّن وصريح أحياناً ومبطن في أحيان أخرى، كما مصر والأردن، عدا السعودية، التي ما زالت تتعنّت رغم تهديد «داعش» لها، ولدول الخليج.

المأزق الذي وضعت أميركا نفسها فيه بعدم استقبال الوفد الروسي الرفيع المستوى، وتضارب مواقف إدارتها المعلنة والمخفية، كما في الارتياح الذي أعرب عنه كيري مع لافروف، إزاء التنسيق بشأن سورية، يجعلها تفقد المصداقية أمام حلفائها.

التعنّت الأميركي جعل بعض الدول التي تدور في فلكها تتجه نحو روسيا، كما في إعلان الملك سلمان زيارته إلى موسكو، حيث لا بدّ للسعودية من تحسين موقفها تجاه الأزمة السورية، كي لا تفقد وأميركا الوطن العربي والعالم الإسلامي.

روسيا لم تكن يوماً غازية ولا معتدية، ولم تنظر إلى العالم الإسلامي نظرة طائفية في أي وقت، ولم تفكر في حروب صليبية يوماً، ففيها أكثر من 20 مسلمين، وقد دشن الرئيس بوتين أكبر جامع في موسكو بمناسبة عيد الأضحى، في لفتة تهنئة لمسلمي بلاده.

المبعوث الروسي لبوتين، بوغدانوف، يقوم الآن بجولة مكوكية في المنطقة بالتنسيق مع الحليف الإيراني، وعلاقة روسية مع المعارضة السورية في الداخل والخارج، لم تنقطع، وجميعها تتجه لتسوية سياسية في سورية، إلى جانب العمل العسكري.

أما تركيا المتعنّتة فلن يكون لها موقف واضح، رغم زيارة وزير خارجيتها إلى موسكو، والذي يصرّح دعائياً أنّ التدخل الروسي في سورية خطأ جسيم. إلا بعد نتائج الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني، علماً أنها تسعى إلى التنسيق مع روسيا عسكرياً.

روسيا لا تغيّر مواقفها تجاه سورية، وتؤكد أنّ الرئيس بشار الأسد أو ممثليه شريك بالمفاوضات، ولا شروط مسبقة، ولن تكون هناك أيّ مطالبة باستقالة الرئيس بشار الأسد، وهي تنتظر من أميركا وغيرها الضغط على المعارضات التي تدعمها.

كلّ ما يحصل اليوم من دعم لخطة دي ميستورا ولجان عمله الأربع، والحراك مع جميع الأطراف هو في مسار تهيئة الأرضية للتسوية السياسية، وتأهيل الجميع من خلال الضغوط كلّ من جانبه لإنهاء الأزمة السورية، وإخراجها من محنتها.

ليس من المهم من يخسر ومن تزداد خسارته من العابثين في سورية. المهم أنّ سورية تنتصر بصمودها وقوة شكيمة جيشها، وصبر وتحمّل شعبها لكلّ ما قاسى من أهوال هذه الحرب الظلامية، وأن تنتصر قوى الخير على قوى الشرّ والإرهاب.

لا بدّ أن تبدأ عملية الإعمار في الفكر والإنسان، إلى جانب إعادة إعمار البلاد إنشائياً على أسس خالية من الشوائب، وإعادة إعمار الأخلاق والقيم، في محاربة الفساد، والضمانة هنا، في تماسك الشعب العربي السوري، واحترام مكوناته جميعاً.

ستظلّ سورية منتصرة بصمودها بقيادة الرئيس بشار الأسد، خيار شعبه بإرادته الحرة، شعب يقول لأعدائه إنْ كنتم تملكون الجرأة، دعوا شعوبكم تختاركم بحرية، دون سلطة ديكتاتورية ملكية أو أميرية، فالشعب ليس وراثة أهليكم لكم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى