كتاب مفتوح للدورة الـ25 للمؤتمر القومي العربي
ناصر قنديل
– يعقد المؤتمر القومي العربي الدورة الخامسة والعشرين في بيروت في مرحلة من مراحل التراجع الفكري والثقافي المنتمي إلى الخيار القومي عن ساحة الفعل السياسي في الأحداث العربية الكبرى وتتقدم الساحة عصبيات بدلاً من العقائد، وأفكار ظلامية تكفيرية بدلاً من النهضة التنويرية الساعية إلى تكريس مفهوم الدولة العصرية والحديثة، وتتراجع الهوية القومية الجامعة كمسلّمة متفق عليها لحساب انفلات غرائزي لعصبيات مذهبية تتحوّل إلى هوية بديلة ينقسم الناس ويقتتلون على أساسها.
– ينعقد المؤتمر في دورته الحالية وقد نجحت الرجعية العربية في تقدم الصفوف كصانع للسياسة والثورات الديمقراطية، بينما تقود دولها بمفارقة لا يقبلها عقل خارج كلّ نص أو دستور أو قانون وحيث أنظمتها الحاكمة لا تعرف معنى الانتخابات.
– ينعقد المؤتمر بينما المشروع الاستعماري الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ينهض من ركام فشله بإدارة أدواته وقواته وخططه الهجومية، لينجح في إدارة تناقضات البلاد العربية في ما بينها كدول من جهة وما بين مكوّناتها من جهة أخرى، ويثبت أنّ هذه الإدارة تمنحه تعويضاً مجزياً عن خسائره التي تكبّدها في مراحل المواجهات المباشرة، وتتيح له العودة من الشباك بعدما أخرج من الباب على يد المقاومات الباسلة التي هزمته في أكثر من ساحة مواجهة.
– ينعقد المؤتمر فيما المشروع الصهيوني يعيش أزمته الوجودية الاستراتيجية بالعجز عن التقدّم في مسار التفاوض من جهة والعجز عن اتخاذ قرار الحرب من جهة أخرى، لكنه ينجح بتفادي تداعيات هذا المأزق وهو يتابع ويحفّز ويسهم في مسار التفتيت والتقسيم والحروب الأهلية والفتن، التي تشتعل وتنتقل من بلد عربي إلى آخر بصورة تتيح له التعايش مع هذا المأزق والحؤول دون تحوّله لمسار انحداري، في مستقبله وحضوره ودوره ونسبة قدرته على التماسك والمبادرة.
– ينعقد المؤتمر بينما فلسطين تتراجع من همّ أول لكلّ مشروع وطني أو قومي، وتتراجع قضية الوحدة من المكانة التي احتلتها في وجدان الشعوب وبرامج عمل الحكومات لعقود طويلة، وتصبح في زمن التفتيت والتقسيم والفتن وحدة الكيانات الوطنية طموحاً كافياً.
– يستطيع المؤتمر تسجيل الملاحظات العديدة على مجريات الأحداث في كلّ بلد عربي، كما يستطيع وضع خلاصات فكرية ونقدية هنا وهناك، لكن قيمة المؤتمر كمحرّك فاعل يعبّر عن وجدان قومي صادق وعقل وطني جادّ، تتوقف على قدرته أن يتجاوز العناوين المعلّبة والتقليدية التي تفرضها عليه قصاصات الصحف والمتابعات الإخبارية اليومية، ليضع قراءته المنهجية تأسيساً لمرحلة لها عنوان وأهداف وقوى واقعية لتحقيق هذه الأهداف وخطط عمل لتنفيذها وآلية لمتابعتها تأخذ بالاعتبار أن لا قوة تنفيذية يملكها المؤتمر، وأنّ من بيدهم هذه القدرات ويمكن أن يتوجه نحوهم المؤتمر لهم حساباتهم ورؤاهم وبرامجهم ومصالحهم.
– الجوهري والأساسي في مواجهة التحديات عدم الغرق في توصيف وتقييم الأحداث العاصفة التي شهدتها السنوات الثلاث الماضية تحت مسمّى الربيع العربي، وعدم الاسترسال في وظيفة الباحث الأكاديمي أو مهام منظمات المجتمع المدني برصد الظواهر والانتهاكات، فالسلوك القيادي ينطلق من مكان آخر أهمّه اليوم، أنّ مشروع الدولة الوطنية كإطار للهوية العابرة للطوائف والمذاهب والقبائل في خطر، وأنّ حماية فكرة الدولة الوطنية في وجه الفوضى والفتن والحروب الأهلية، يشكل أولى الأولويات، وأنّ حفظ الجيوش العربية من مخطط تدميرها يشكل المهمة الراهنة، لحفظ توازن معقول في وجه التفوّق الإسرائيلي العسكري، وأنّ إدارة المصالحات والتسويات التي تحقق هذين الهدفين تتقدم على ما سواها، مصالحات وتسويات داخل كلّ بلد وبين الحكومات.
– التطلع نحو حماية الدولة الوطنية الجامعة في كلّ من سورية ومصر والعراق من خطر التقسيم والفوضى من جهة، وتلاقي مؤسسات الدول الوطنية في هذه الدول المحورية في قوة العرب وتاريخهم ومستقبلهم من جهة مقابلة، يشكل تطلعاً مشروعاً وواقعياً وموضوعاً لخطة ومبادرات يتقدم المؤتمر نحو بلورتها ورسم خطوطها.
– لا يجب أن يتردّد المؤتمرون في تسجيل تأييدهم للنجاحات التي حققتها الدولة السورية وقيادتها في حماية مشروع الاستقلال والمقاومة، والتقدم لبلورة كتلة وطنية تاريخية عابرة للطوائف والمناطق عبّرت عن نفسها في الطوفان الشعبي الذي شهدته الانتخابات الرئاسية، وحيث شكل جيشها العصب الجامع للمجتمع المدافع عن فكرة الاستقلال ووجود الدولة ووحدة الأرض والشعب، كما يجب ألا يتردّد المؤتمرون في تأكيد وقوفهم إلى جانب مصر شعباً ودولة وقيادة في ردّ الاعتبار لمشروع الدولة، وتسجيل القلق على مستقبل العراق والسعي للمساهمة الجادة في مساعدة قوى الحكم والمعارضة فيه على استكشاف المخاطر المشتركة وتقديمها على الرهانات والأوهام، التي قد تودي بالعراق ومعه الكثير من التوازنات الجديدة التي ولدت في عصر انتصارات قوى المقاومة.
– بمستطاع المؤتمر التوجه نحو القيادة المصرية الجديدة لقيادة المصالحات العربية ـ العربية والمصالحات داخل أكثر من بلد عربي، فهذا هو الدور المنتظر من مصر وهو الدور الذي ينتظرها وتنتظره، والذي نظنّ أنّ ظروفه مهيّأة وليست عصية على التحقق.
– أربعة مواضيع أضعها في تداول الراغبين بالمشاركة في مقالة بتواقيع متعدّدة التي تطلّ وتتفرد بها «البناء» تحت عنوان «نافذة بمفاتيح متعددة»، وأترك للراغبين بالمساهمة مع شركاء يختارونهم أو الراغبين بالمشاركة معي بمراسلتي على بريدي المنشور في نهاية المقالة، الموضوع الأول هو مكانة المقاومة ودورها في التوازنات الإقليمية في ذكرى حرب تموز، والثاني هو مستقبل العراق بين عناصر الضعف في الأداء الداخلي لحكومة المالكي ومصادر القوة في موقفها الإقليمي، والثالث هو تصوّر افتراضي لنظام إقليمي جديد واستطراداً نظام عالمي جديد تأسيساً على قراءة واقع الأمم المتحدة والجامعة العربية، والموضوع الرابع هو لبنان الفراغ الرئاسي وسقوط النظام الحالي والبدائل بين الإمكانية والواقع.
nasserkandil gmail.com