قبول نواب «المستقبل» بكنعان رئيساً للجنة المال… هل هو رسالة؟

روزانا رمّال

جلسة روتينية يعقدها مجلس النواب مع افتتاح عقده العادي في تشرين الأول من كلّ عام يخصّصها لانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية وهيئة مكتب المجلس، لكنها في الواقع تصبح روتينية، لأنّ الانتخاب يجري مرة واحدة عملياً، مع بدء ولاية المجلس الجديد. ففي كلّ عام يتم التجديد ولا يتمّ التغيير إلا بملء شواغر ناجمة عن وفاة أعضاء أو رؤساء لجان، مع الحفاظ على لون العضو أو الرئيس السابق، أو تلبي المبادلات التي تجريها الكتل في ما بينها، لاسم هنا باسم هناك تغييرات جزئية، ما يعني أنّ المعنى السياسي لانعقاد الهيئة العامة في جلسة اللجان لا أبعاد أو معان سياسية لها.

انعقدت جلسة الأمس وسط مناخ مختلف وتوقعات وتساؤلات مختلفة، وقد سبقها مناخ من التصعيد قاده تيار المستقبل على كل صيغ الشراكة، من الحكومة إلى أشكال الحوار المختلفة، ورفع الصوت عالياً في وجه كلّ من حزب الله والتيار الوطني الحر، وصولاً إلى حدّ القول لا للبقاء في حكومة يعطلها الأصفر والبرتقالي، ما كان يعني من دون مقاطعة لجلسة انتخاب اللجان، اتخاذ موقف بوزن ومفعول أقلّ من مغادرة الحكومة وإطاحتها.

كان طبيعياً أمام حدّة الاشتباك وسخونة المواقف أن يسعى النواب المستقبليون، ومعهم حلفاؤهم، إلى إطاحة النائب إبراهيم كنعان من عضوية ورئاسة لجنة الموازنة والمال النيابية وهي كما يقال أم اللجان، ففيها يختزن كلّ التشريع الذي يترجم في النهاية أرقاماً، وفيها تُطبخ وتنضج الموازنة التي رفع الدستور مستوى أهميتها إلى حدّ منح رئيس الجمهورية سابقاً والحكومة بعد تعديلات الطائف، صلاحية حلّ المجلس ربطاً بمآخذ على أدائه لمهمّاته تجاه إقرار الموازنة.

كانت الجلسة من أقصر الجلسات وأشدّها هدوءاً، فمنذ أن وطئت قدما الرئيس نبيه بري أرض مطار بيروت حتى انهالت عليه رسائل التطمين بأنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام، فحضر النواب كتلامذة الصف «الشاطرين ولا نفس»، رفعوا أيديهم ووقعوا، كما جاؤوا، بصمت وهدوء.

نواب التيار الوطني الحر فعلوا الشيء نفسه، تجاه عضوية ورئاسة النائب محمد قباني للجنة الأشغال العامة، رغم المشادات والاتهامات والقناني التي رافقت جلستها الأخيرة بين الأزرق والبرتقالي، لكنّ حجة البرتقالي قوية كما يرويها أحد نوابه. لماذا نخاطر بخسارة رئاسة لجنة المال مقابل إطاحة قباني من رئاسة الأشغال، ولا مجال للمقارنة بين أهمية اللجنتين، فمعادل لجنة الطاقة والأشغال قد يكون لجنة التربية أو لجنة الصحة أو لجنة الدفاع أو سواها، لكن بالتأكيد ليس لجنة المال والموازنة، فنحن الرابحون من الصمت ولماذا نقامر بأرباحنا، واللجنة هي حجتنا على فسادهم وعلى تسيب تصرفهم بالمال العام وكتابنا الأبيض وكتابهم الأسود؟ من يفعل ذلك أحمق وهو كمن يطلق النار على قدميه في منتصف السباق، ورئاسة قباني للجنة الأشغال لم تمنع قيام نوابنا من مجادلته والتصدي لمحاولاته تشويهنا والإساءة إلينا وفضح دوره في سوء إدارة ملفات اللجنة، وسنواظب على ذلك كما كنا وأكثر.

إذا أراد تيار المستقبل ربط النزاع كان باستطاعته على الأقلّ، تسجيل موقف، بترك انتخابات اللجان تتم كما العادة، ويبقي بالصمت والتغاضي فرصة لمرور ترؤس كنعان لها، وهي اللجنة التي يستطيع تيار المستقبل القول إنها تحولت برئاسة كنعان إلى طرف، بينما المطلوب لتسيير أعمالها نائب حيادي، ويعرض تنحي من يمثله لحساب نائب حيادي أيضاً، عن أي لجنة يعترض عليها الآخرون إذا كانت بمستوى أهمية لجنة المال، كرئاسة النائب روبير غانم للجنة الإدارة والعدل، لكنّه يتمسك برفض التسليم ببقاء كنعان رئيساً للجنة المال.

تجري الأمور، كما يشرح أحد النواب، بأن يقوم النواب الأعضاء الذين انتخبوا أو جُدّدت عضويتهم في أي لجنة بتوقيع محضر يكون قد صاغه أحد أعضائها، وهو على الأغلب العضو المتفق ضمناً على توليه رئاسة اللجنة، ويسمله الرئيس بعدما صار رئيساً بتوقيع المحضر من كلّ أعضاء اللجنة لرئاسة المجلس، فتتكرس رئاسته للجنة، وكان أبسط أشكال ربط النزاع بعد الانتهاء من جلسة الهيئة العامة أن يرفض نواب «المستقبل» وحلفاؤهم توقيع محضر تسمية كنعان لرئاستها فماذا سيحدث؟

يقول أحد النواب، سيستدعي رئيس المجلس أعضاء اللجنة، ويستفسر منهم عن السبب ويدعوهم إلى التوافق ويشرح الأسباب. ويمكن أن يوزع عليهم أوراقاً ويطلب منهم إجراء انتخابات لرئيس لجنتهم، ومن البديهي هنا أن يقوم نواب المستقبل بشرح أسبابهم وتقديم عروض المقايضة اللازمة إثباتاً لحسن النوايا، فإن نجحوا حققوا ضربة في مرمى الخصوم وأكدوا عزمهم على ربط النزاع، وإن جوبهوا بالصدّ من الرئيس نبيه بري تمهلوا وطلبوا التأجيل لأيام محدودة للتشاور فكسبوا الخبر الأول في نشرات الأخبار وربط النزاع معاً، وإن جوبهوا بالمزيد من الصدّ الرئاسي تنازلوا وقدموا لرئيس المجلس تنازلاً، عربون جدية بتسهيل مهمّته التوافقية، لكن بعد أن صنعوا خبراً سيحتل نشرات الأخبار، وقدموا إشارة إلى أن لا شيء سيمضي كما كان من قبل بعد بطولات ربط النزاع وعنترياتها، لكنّ العنتريات تبخرت ولم يبق منها شيء، عندما ارتجفت أيدي نواب «المستقبل» الأعضاء في اللجنة التي وقعوا لكنعان العوني على رئاستها «متل الشاطرين».

تعليمات مشدّدة وصلت ومضمونها «ولا نفس».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى