تسوية بقاء الأسد بسورية: مزيد من التأزم في إنتاج الحلّ اللبناني
روزانا رمّال
بعد وصول الرئيس السوري بشار الأسد الى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأولى منذ اندلاع احداث الأزمة السورية عام 2011 بدأت الرسائل الروسية تتوالى الى المحافل الديبلوماسية والكواليس الدولية بثوابت انّ التنازل عن الأسد غير وارد، وانّ لقاء القمة الاستراتيجي الذي لن يتكرّر في وقت قريب ربما كان كفيلاً برسم مشهد المنطقة بالكامل والرؤية الروسية لمكافحة الإرهاب ودعم الجيش السوري وما بينهما من خطط اقتصادية للبلدين من غاز ونفط وإعمار وكلّ ما يمكن ان يرد من أولويات تحكم البلدين. اذاً هذه القمة ليست لقاء عادياً في عمر الأزمة السورية لا توقيتاً ولا مضموناً ولا نتائج، إنما هي مفصل العلاقة بين البلدين مستقبلاً وشكل سورية والمنطقة الجديدين.
الحديث عن لقاء خماسي وربما بات رباعياً بطلب روسي، دعت إليه الخارجية الأميركية على لسان جون كيري للتباحث في حلّ الأزمة السورية كان طرحاً ينتظر الردّ الروسي عليه للمشاركة بما يمكن اعتباره نوايا جدية في الحلّ السياسي، خصوصاً أنه أرفق بكلام جديد للسعودية عبر وزير خارجيتها عادل الجبير خلال عقده مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع وزير خارجية المانيا فرانك شناينماير تحدث فيه عن إمكانية القبول بالأسد لفترة معينة يحدّدها السوريون أنفسهم، اي في صناديق الاقتراع، وتصريح مشابه لأردوغان يفيد بقبول بقاء الأسد لفترة زمنية من ستة أشهر، وهنا التحوّل اللافت في المواقف بغضّ النظر عن نجاح الاجتماعات، وعلى هذا التوجه وبعد لقاء القمة بين بوتين والأسد أفادت المعلومات انّ الرئيس الروسي أجرى اتصالات هاتفية بكلّ من الرئيس التركي والملك السعودي والرئيس المصري بما يشير الى استبدال دور الأردن بمصر التي يبدو انّ لها دوراً رئيسياً في الحساب الروسي بعد العلاقات الجيدة جداً التي ظهرت بين الطرفين، وهنا فإنّ سلسة الاتصالات هذه بلا شك تتمحور حول سورية والاجتماعات التي ستعقد من أجل تركيبة الحلّ المرتقب الذي يبدو بعد التدخل الروسي العسكري أقرب من ايّ وقت مضى.
لبنان أحد أبرز مواطن التسوية في المنطقة، لكنه في الواقع أهمّ مسارح النفوذ السعودي اليوم خصوصاً بعد ضعفه في كلّ من العراق «بقوة الحضور الإيراني» واليمن «بقبول المفاوضات» وسورية «بالقبول بالأسد»، وهنا يصبح لبنان أحد أوراق التمسك بهذا النفوذ الذي أصبح مهدداً وليس لعبة تحصيل حاصل للتسويات التي اعتاد عليها، خصوصاً بعد الوصول الى تسوية القبول بالأسد إقليمياً وعربياً ودولياً بدون لبس.
بعد اللقاء الذي جمع رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك بوزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان خرجت تحليلات نشرت في وسائل إعلام وصحف سعودية «الشرق الأوسط» و»الحياة» على شكل تسويق لفكرة مفادها انّ روسيا وإيران تعرضان على السعودية معادلة اليمن مقابل سورية ليتبيّن بعد فترة عكس الذي أشيع، وانّ السعودية قبلت بالمفاوضات في اليمن، واليوم تقبل بالأسد في سورية، وهذا كله اعتبر حينها رسائل من جهة لحلفاء السعودية أنه اذا اضطررنا للاعتراف بالأسد فسنأخذ مقابله، ومن جهة أخرى هي عروض للطرف الآخر لتدرس.
تتكرّر اليوم نفس العروض السعودية بنفس الأسلوب، واليوم تطرح الرياض معادلة سورية مقابل لبنان ايّ «سحب ترشيح ميشال عون إلى الرئاسة». لكن هذا الطرح سيفشل بنفس أسلوب ما طرحته لليمن، والدليل انّ كلام سابق للرئيس السابق سعد الحريري تعليقاً على كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جاء فيه أن «لا تراهنوا على الظروف الإقليمية لأنها لن تضعف عون بل تكلله أكثر» كان «انّ نصرالله يربط الرئاستين السورية واللبنانية ببعضهما البعض، وهذا يعني حسب منطق الحريري حينها «بقاء الاسد يعني بقاء عون».
كلام الحريري هو نفسه كلام عون وحزب الله وربما آخرين وقد قالها عون يوماً «كيف يمكن ان نخسر وحلفاؤنا ينتصرون»، ايّ انّ هزيمة عون استحالة والسبب انّ لبنان هو ساحة الاشتباك مع «إسرائيل» بوجود حزب الله مع ما قدّم من تضحيات في صفوفه في سورية، وبالتالي واهم من يظنّ انّ لبنان هو مكان المساومات بالمنظور الإيراني والروسي والسوري خصوصاً انّ الحلف لا ينفعه لبنان مضطرب بخاصرة سورية.
وأمام هذين المنطقين المتناقضين هناك صعوبة للتنازل السعودي سورياً مقابل لبنان وصعوبة التنازل الروسي – الايراني ايضاً، خصوصاً بما يتوقف عند حزب الله وأولوية ترشيحه لعون، وبالتالي لن يصير لبنان الى اتفاق قريب بل على العكس سيتوجه نحو مزيد من تشبّث اللاعبين بأوراقهم ما سيفرض تدخلاً روسياً وأميركياً ان «أجلوا وجمدوا ملف لبنان».
وعليه سيكون لبنان امام تمديد للأزمة اللبنانية، وليس قرباً للفرج كما سادت المعادلة في السنوات السابقة بأنّ كلّ انفراج إقليمي هو انفراج لبناني، فقد باتت الانفراجات الإقليمية لا تعني انفراجات داخلية لأنّ لبنان سيصبح المكان الوحيد الذي يمكن للأطراف الفوز فيه.
الوصول الى تسوية في سورية بات قريباً، لكن قراءة نتائجه اللبنانية متعاكسة على الضفتين الدولية والإقليمية والمحلية من الأطراف المتقابلة والمتنازعة، وبالتالي إنتاج التسوية حول بقاء الأسد في سورية هو مزيد من التأزم والتجميد في الحلّ اللبناني.