سلوى الأمين لـ«البناء»: كبرت والشِّعر يسكنني… ومطالعة الكتب واجبنا اليوميّ
حاورتها: لمى نوّام
من بلدة جويّا ـ قضاء صور، هي ابنة الجبل العامليّ المقاوِم، هذا الجبل الذي عانى من العدو الصهيوني ما لم تعانيه أيّ منطقة في لبنان، كانت طفلة حين أدركَت سرّ الطائرة الصهيونية التي تحلّق باستمرار فوق الرؤوس. هكذا عرفت معنى الخوف والرعب والاختباء من قصف نيران الصهاينة الحارقة، التي قد تقتلهم في لحظة ما. لهذا، ما زالت كلبنانية جنوبية تسجّل عدائها المستمر للصهاينة وكيانهم الطارئ، معلنةً بكل وضوح مقاومتها هذا العدو الشيطانيّ بسلاحها، الذي هو القلم واللّسان، وكلاهما كما السيف في حومة الميدان فارس.
ولدَت في بيت وجيهٍ من وجهاء بلدة جويا، هو أيوب آل خليل. أما والدتها الشيخة مريم، فهي ابنة رئيس محكمة التمييز الجعفرية العليا العلّامة الشيخ يوسف الفقيه الحاريصي العاملي، الذي يعود له الفضل بتثبيت المذهب الجعفري في لبنان كمذهب معترف به، بعد محاربة ضارية واضطهاد في زمن الاستعمار العثماني المستبد.
هي أديبة وقاصّة وشاعرة، ورئيسة «ديوان أهل القلم» و«ندوة الإبداع»، والمديرة التنفيذية للقاء الأديبات العربيات. وهي الحاضرة الدائمة في النشاطات الثقافية كافة. قريباً، سيصدُر لها ديوانان شعريّان، إضافة إلى كتابين جديدين عن أدب المقالة السياسية، الأول يضمّ مقالاتها التي تُنشَر أسبوعياً في «البناء»، والثاني يضمّ مقالاتها التي تصدُر أسبوعياً في جريدة «الثورة» السورية منذ عام 2009. إنّها الدكتورة سلوى خليل الأمين، التي التقتها «البناء»، وكان معها هذا الحوار.
تقول الأمين: والدتي ابنة بيت عريق في فكره ومسراه وتعاطيه الوطني والديني. لهذا، عندما انتقلَت بالزواج من بيروت إلى بلدة جويا الجنوبية، وهي تلميذة راهبات، لم تتأفّف ولم تتذمّر، إنما حرصت على إقامة مجلس أدبيّ تقصده نساء بلدتنا وبنات العائلات المتديّنة، والوافدت من معلّمات المدرسة الرسمية لسماع أحاديث الشيخة مريم وشعرها وحكاياتها التاريخية والأدبية والقرآنية، التي كانت تشكل من خلالها حالة ثقافية عفوية. شدت إليها نساء بلدتنا، وأدخلتنا كبناتها، ونحن خمس أنا الثانية بينهن، في هذا الجوّ الثقافيّ المتميز منذ الصغر. لهذا، أصبح الأدب مجالي الحيوي المتجذر في كياني، واللغة العربية شغفي، خصوصاً أن المدرسة القرآنية كانت مفروضة عليّ وعلى أخواتي إبان العطلة المدرسية.
وتؤكّد الأمين: كبرتُ والشعر يسكنني، ومطالعة الكتب الأدبية واجبنا اليومي، إذ إنّ الإهمال ممنوع عند الشيخة والقصاص حاضر. حفظ الشعر لا بدّ منه، وإتقان الإلقاء والخطابة أمر بديهي، تشرف على ذلك شخصياً، حتى بتّ في مدرستي الرسمية في جويا، ومن بعدها في الكلّية الجعفرية في صور، محط إعجاب من أساتذة اللغة العربية الذين كانوا يرشحونني بشكل دائم لإلقاء القصائد أمام زملائي من طلاب وطالبات. وهذا كان يمنحني بعض الشجاعة والثقة بالنفس، التي عرفت الوالدة غرسهما في شخصيتي، إذ كنت أتمتع بخجل أنثويّ شديد، ما زال يرافقني في بعض المواقع الحياتية حتى اليوم.
بداية الرحلة
وعن رحلتها ومشوراها مع عالم الثقافة كونها رئيسة «ديوان أهل القلم» ترى الأمين: يقولون إنّ الإنسان ابن بيئته. وبما أنني ذكرت باختصار بعضاً من حياتي الطفولية في كنف أمّ متعلمة ومثقفة، عرفت كيف تضع العلم أولوية في طريقنا، في بيئة تعتبر زواج البنت باكراً أمراً مفروغاً منه، رفضت الوالدة كل العادات والتقاليد السائدة، وأصرت على تعليمنا وإكمال الدراسة، لدرجة أنني كنت وأختي الكبرى نجوى البنتين الأوليين في بلدتنا جويا، اللتين تحصلان على شهادة البروفيه الرسمية، وكان هذا حدثاً بحدّ ذاته.
ديوان أهل القلم
وتضيف الأمين: تشجيع الوالدة لي ولأخواتي على المطالعة، أكسبني الكثير في مسيرتي الثقافية القائمة على مداميك صلبة ومتينة. فأنا ما زلت نهمة في قراءة الكتب النثرية والشعرية على حدّ سواء. ولديّ مكتبة متخصّصة تحوي ما يقارب 6500 كتاب. هذا المنحى الثقافي الذي أحاط بي هو الذي دفعني، بعد العودة من بروكسل التي هاجرت إليها مع أولادي الأربعة أثناء الحرب الأهلية، إلى التواصل مع أهل الفكر والقلم من كبار الكتّاب والأدباء وفي طليعتهم الشاعر سعيد عقل والمؤرّخ نقولا زيادة والمفّكر التربوي محمد علي موسى، وميشال جحا ومحمد ماضي، وعميد الفكر والأدب في لبنان الدكتور عمر الطباع، وغيرهم من الذين شكلوا لي مدرسة أعبّ منها وأستفيد. وكانت البدايات تشكيل المنبر الحرّ مع بعض هؤلاء الكبار عبر إقامة الاحتفالات الأدبية في بيروت بشكل دائم ومستمر، بعد تعطيل قسريّ بسبب الحرب الأهلية، إلى أن نصحني الوزير جان عبيد وكان وزيراً للتربية الوطنية، بعدما لاحظ نشاطي ومصداقيتي في العمل وحماستي الوطنية، بتشكيل جمعية ثقافية أنطلق من خلالها بزخم أقوى. وكان أن شكلنا بناء على نصيحته التوجيهية الصادقة «ديوان أهل القلم» مع مجموعة من الأدباء والكتّاب، وفي طليعتهم الراحل الدكتور محمد علي موسى والشاعر الأديب الدكتور منيف موسى والأديب أمين زيدان وزوجي الدكتور عماد الأمين وغيرهم، وتم الاتفاق على إسناد رئاسة الديوان لي، كان ذلك عام 1999. وضعنا المخطط الذي لم يطرقه قبلنا أحد على الساحة اللبنانية، وهو رصد الطاقات اللبنانية المبدعة في عالم الاغتراب وتكريمها في لبنان، بهدف إقامة جسر تواصلي بين لبنان المقيم ولبنان المغترب.
بدأنا وحقّقنا النجاح تلو النجاح، وكانت اللمعة تلو اللمعة تكبر في المحيط الثقافي اللبناني. كان الحدث الأهم، أي وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، خصوصاً على إثر اختراقنا تكريم ثلاثة من علمائها وهم لبنانيون، ومنهم البروفسور شارل العشّي الذي أنزل المركبة الأولى على سطح المريخ، ما حدانا إلى طبع عبارة: «هبوط العقل اللبناني على سطح المريخ» على بطاقة الدعوة. إضافة إلى منحهم، بناءً لطلبنا، أوسمة تقديرية مقدّمة من الرئيس إميل لحود الذي دعم «ديوان أهل القلم» منذ بداية الطريق مشجعاً، بحيث كان حديثه الدائم لنا: «أنتم تسجلون لنا نتائج حسنة أكثر من الوزارات المختصة».
إلى جانب «ديوان أهل القلم»، شكّلت الأمين «ندوة الإبداع» مع الأستاذ أحمد طبارة والدكتور محمد علي موسى، وهي رديف للديوان تُعنى بإقامة الندوات الأدبية والفكرية والأمسيات الشعرية لكبار الكتّاب والأدباء والشعراء والفنانين اللبنانيين والعرب أيضاً، وذلك في مركز توفيق طبارة في العاصمة بيروت. وأعمال الندوة موثقة في كتب، صدرت وتصدر باستمرار كي يطل على هذه الأعمال، أكبر شريحة ممكنة من اللبنانيين والعرب.
نشاطات وفعاليات
وعن نشاطاتها في العمل الثقافي تقول الأمين: أطلقت الأديبة الكبيرة السيدة كوليت خوري المستشارة الرئاسية للثقافة في سورية، إبان فعالية «دمشق عاصمة للثقافة العربية» عام 2008، لقاء الأديبات العربيات الذي ضمّ أكثر من 85 كاتبة وأديبة وشاعرة عربية شكّلن حدثاً رائعاً في احتفاليات دمشق الثقافية، ثمّ أطلقته بِاسم «ديوان اهل القلم» في لبنان عام 2009 حين كانت بيروت عاصمة عالمية للكتاب، وكان وزير الثقافة يومذاك الرئيس تمام سلام، الذي تمنّى عليّ المشاركة في هذا الحدث، وبالفعل كانت المشاركة بِاسم الديوان، وعقد لقاء الأديبات العربيات في بيروت الذي أحدث ضجة كبرى أيضاً، نظراً لأنه استقطب الأديبات والشاعرات من مختلف أقطار العالم العربي أمثال: كوليت خوري من سورية، وزهور ونيسي من الجزائر، ورشيدة بنمسعود من المغرب، وفاطمة العلي من الكويت، وشريفة العبودي من السعودية، وليلى الأطرش وسميحة خريس من الأردن، ونوال السعداوي وإقبال بركة من مصر، وأنيسة عبود من سورية، وفوزية رشيد من البحرين، والدكتورة هدى النعيمي من قطر، وغيرهن. إضافة إلى باسمة بطولي ومي منسّى وهدى النعماني ولطيفة الحاج قديح ونور سلمان وندى أنسي الحاج من لبنان، وكان المهرجان برعاية اللبنانية الأولى وفاء سليمان وبحضور شخصيات ثقافية واجتماعية وسياسية، غصّت بهم قاعة قصر الأونيسكو. ونظراً للتنظيم الجيد الذي أشرفت شخصياً عليه، كوني رئيسة «ديوان أهل القلم»، أجمعت الأديبات العربيات على منحي مهمة المديرة التنفيذية للقاء الأديبات العربيات الذي أردناه مستمراً، والذي عقدناه في ما بعد في قطر عام 2010، وفي البحرين عام 2013، أي في البلد العربي الذي يعلن عاصمة للثقافة العربية. وحالياً نقوم باتصالاتنا لعقده في صفاقص مدينة الثقافة العربية في تونس. هكذا بات الحمل ثقيلاً عليّ، لكنني ما تعودت يوماً الهروب من المسؤوليات الملقاة على عاتقي. ولأنني أؤمن بالتحدي الآيل إلى إثبات الجدارة والكفاءة عبر القدرة على الانتاجية والاستمرار ما زلت مستمرة.
جوائز ومؤتمرات
وعن أبرز الجوائز التي حصلت عليها، رأت الأمين أن الجائزة تبقى حملاً ثقيلاً وحدثاً مفرحاً في آن. لأن التكريم يحمّل المكرّم مسؤولية كبيرة لجهة الاستمرار في النجاح والانتاج الجيد. «وهذا ما أرسمه خطاً مستقيماً خلال مسيرتي الثقافية المستمرة صعداً بشهادة الجميع في لبنان وفي الخارج».
أما أبرز الجوائز التي حازت عليها الأمين وتفخر بها فهي: «وسام الاستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف»، الذي منحها إياه الرئيس إميل لحود. «جائزة الشاعر الراحل سعيد عقل»، وعدد من الجوائز التكريمية التي نالتها من قطر والبحرين والسودان ومصر ودبي وتونس وإيطاليا وجامعة الدول العربية. كما حازت جنسية الشرف من بلدية ديربورن في ولاية ميشغن الأميركية. واختيرت عام 2009 من بين النساء القياديات في العالم العربي، وعام 2011 من بين النساء الرائدات في لبنان.
شاركت الأمين في عدد من المهرجانات منها: «مهرجان البجراوية» في السودان، بدعوة من الاتحاد النسائي، وكان بحثهت حول «الإبداع في الأدب النسوي»، وقد صنّف البحث الأول بين الأبحاث المقدّمة، ونالت عليه ميدالية وتكريماً من عقيلة الرئيس عمر البشير وداد شخصياً، وبحضور وزير الثقافة السوداني. إضافة إلى مؤتمر المبدعات العربيات في سوسة ـ تونس حول «خيارات المرأة العربية وإشكالية الحرية والإبداع»، والمؤتمر القومي في سورية بدعوة من نائب الرئيس الدكتورة نجاح العطار، ومؤتمر الشباب والحوار في دمشق بدعوة من وزارة الثقافة السورية، وقدّمت خلالها بحثاً عنوانه «دور الشباب وثقافة الحوار»، ومؤتمر حوار الحضارتين العربية والغربية في حوض البحر المتوسط في جامعة بيروت العربية.
إبداعات
عام 2003، وبعد مسيرة غنية في المسيرة الثقافية وتفاعلاتها المكثفة على الساحة اللبنانية والعربية والعالمية، أصرّ عليها الأصدقاء بطبع ما لديها من كتابات، فكان أن ظهر كتابها الأول الشعري «ترانيم من بقايا الصمت» الذي نفِذ لشدة الطلب عليه داخلياً وخارجياً، وستعمل لاحقاً على إعادة طبعه. وإصدارها الثاني كان بعنوان: «قطوف من ليل الواحات»، وهو عبارة عن نصوص أدبية نشرت في الصحف، أو قيلت على المنابر مع بعض الخواطر الوجدانية الشعرية. وقد نال الجائزة الأولى في معرض الكتاب العربي في البيال عام 2004. أما كتابها الثالث فهو: «همس المحابر» ومضمونه: مقالات أدبية حول إصدارات عدد من الكتّاب والشعراء الذين تكلّمَت حولهم على المنابر وقد نال المرتبة الثانية في معرض الكتاب في البيال أيضاً.
إضافة إلى كتاب «أحاديث الأربعاء» الذي صدر بجزئين، ومضمونه مقالات سياسية أدبية كتبت على مدى ستّ سنوات في جريدة «البعث» السورية، وقد زيّنه بمقدمة رائعة، مستشار الرئيس بشار الأسد الأديب الدكتور اسكندر لوقا، إضافة إلى الدكتور عمر الطباع الذي كتب مقدّمة الجزء الثاني منه، وصدر للأمين أيضاً كتب توثيقية ثلاثة وهي: «خمس سنوات من العطاء والإبداع» الجزء الأول، عن الأنشطة في «ديوان أهل القلم» ـ عام 2005. «سنوات من العطاء والإبداع» الجزء الثاني ـ عام 2011. «سجلّ عبقريات وأمجاد» عن أنشطة «ندوة الإبداع»، صدر عام 2009.
الحركة الثقافية
وعن رأيها في الحركة الثقافية في لبنان على رغم الظروف التي يشهدها الآن تقول: الثقافة أوّل أبواب العلم والمعرفة والبحث الدقيق. لا بل هي المركب الذي نمخر به عباب اليمّ كي نتشابك مع مراحل الرؤى الكونية وجزئياتها وتفاصيلها، وذلك عبر الغوص في حيثياتها الموصلة إلى مراتب التجلّي والعمل المتقن. فالثقافة تعبير عن الهوية الوطنية، والهوية اللبنانية التي أحملها تشجعني باستمرار على مجابهة المعوقات والصعوبات التي تعترض هذا المركب الثقافي الوعر، الذي أبحرت عليه حاملة القلم سلاحاً لا يعرف التعب والإرهاق والإهمال. لهذا ترينني دائماً حاضرة، والحضور يمنحني الثقة بوطني، هذا الوطن الذي قرأته في مرايا الوجود حالة ثقافية متطورة على الدوام، لكن النكسات والخطوب التي تحصل عادة في تاريخ الشعوب تعرقل مسار الحالة الثقافية بعض الشيء، من هنا يزعجني القول أن التحرك الثقافي في لبنان المزود بتاريخ ثقافي عريق، هو كلام المجد المكتوب في الكتب، علماً أن المجتمع المدني عبر الجمعيات والمنتديات قد أخذ على عاتقه الهم الثقافي في الوطن، والأنشطة محصورة أيضاً بمدى دعم هذا المجتمع المدني مادياً من قبل الدولة عبر وزارة الثقافة، ومن المؤسسات المصرفية والتجارية التي عليها أن تأخذ المبادرات بعدم طمس الصورة الثقافية المشرقة والحقيقية للبنان. لأن الثقافة أيضاً باب من أبواب الاستثمار الاقتصادي إذا عُرِف الترويج والتسويق لها بمفهوم وطني.
المرأة
وعمّا ينقص المرأة كي تكسب مساواتها مع الرجل فعلياً في شتى المجالات العملية، تقول الأمين: أولاً أنا كامرأة، أرفض رفضاً قاطعاً كل ما تقوم به الجمعيات النسائية من صراخ من أجل الحصول على حقوق مهدورة، وطلب المساواة مع الرجل. لأن لي رأياً خاصاً في هذا الموضوع. فالمرأة كائن إنساني كما الرجل، الظروف والعصور الغابرة أحاطتها بأسوار أعاقت انطلاقاتها العلمية والفكرية والاجتماعية بسبب سيطرة الذكر عبر العالم كله على مفاصل الحياة بكل مندرجاتها. بحيث أصبحت المجتمعات شرقاً وغرباً ذكورية بامتياز. الغرب تطوّرت فيه الأمور صعداً، وبدأت المرأة تصل إلى مكانتها المستحقة كعنصر يشكل النصف المنتج والفعّال، بحيث أن تعطيل نصف المجتمع يشكل حالة كارثية مجتمعية. أما في الشرق، فصحيح أننا تأخرنا عن مسيرة الغرب، لكننا لم نقف مكتوفي الأيدي، لأن المرأة أيقنت أنها هي أمّ القادة والزعماء والأبطال، وهي التي تحمل وتربّي وتنشر الخير في مجتمعها، وهي من يرفد الوطن بالأجيال المتميزة خلقاً ومعرفة وسلوكاً، والأهم عدم التفريق في التربية بين الذكر والأنثى في الأسرة الواحدة، والعمل على أن يتفهم كلّ دوره المطلوب منه حاضراً ومستقبلاً.
هكذا استطاعت المرأة في لبنان بقدراتها الذاتية إثبات قدراتها الفاعلة في خدمة مجتمعها وأنا منهن، وذلك من دون الرجوع إلى عباءة رجل تتظلل بها كي تصل إلى ما تصبو إليه. هذا مساري في حياتي وهكذا ربّيت أولادي ذكوراً وإناثاً من دون تمييز بين قوة ذكورية وضعف أنثوي، كما هو المفهوم السائد الذي يمنح القوة للرجل والضعف للمرأة، وهذا هو الخطأ الجسيم. فعبر التاريخ، هناك نساء قياديات أثبتن حضورهن كما الرجل، لهذا لا بدّ من الاعتراف من الجميع في الوطن، أن الكل مسؤول والكل معنيّ بتقديم الأحسن والأفضل إلى وطنه وعائلته من فعل جيد وإدراك متميز، خصوصاً المرأة التي لا يجوز أن ترسم خطوط مسيرتها الحياتية على أساس التبعية للرجل، بل على أساس المنافسة المحقة بين إنسان وإنسان يحسن تقديم الفعل الأفضل لوطنه وأسرته، علماً أن الشرائع السماوية والدساتير المدنية منحت المرأة كل الحقوق التي للرجل، لكن المرأة لم تحسن استغلالها والتمسك بها، وارتضت الاستجداء مساراً ومصيراً، بحيث أعلت ذكورية الرجل وغروره وباتت هي المذنبة لا هو. لهذا، ما ينقص المرأة التخلي عن الحدة في المطالبة بحقوقها التي لن يمنحها لها الرجل، خصوصاً في المواقع المتقدّمة، بل عليها هي إثبات قدراتها وكفاءاتها وجدارتها، والعمل على توحيد الكلمة الأنثوية من دون أي تفاعلات أو اعتبارات أخرى، لا أود التحدث عنها والكل يعرفها، كي تستطيع العبور إلى ما تصبو إليه.
نشاطات مقبلة
وعن مشاريعها المستقبلية تقول: سنفتتح موسمنا الثقافي في 24 تشرين الثاني المقبل في مركز توفيق طبارة، بندوة حول ديوان الشاعر الإعلامي عبد الغني طليس «دعوة إلى عرس قيس وليلى»، وستكون الكلمات لأدباء ومثقفين تميّزوا بعلوّ أقلامهم وفكرهم المتماهي مع ثقافة معمقة لا تقبل الارتهان سوى للكلمة الناطقة بالحقيقة. ومن ضمن البرنامج الشهري، ستكون ضيفتنا الشاعرة باسمة بطولي ووزير الخارجية عدنان منصور حول كتابه الأخير، كما سنسلط الضوء على قضايا مجتمعية وحياتية نعمل لها ونعلن عنها لاحقاً.
أما مهرجانات «ديوان أهل القلم» التي عوّدنا جمهورنا اللبناني على إقامتها مرتين في السنة، فهي متوقفة حالياً. وعلى رغم أننا نتلقى عدداً من المكالمات التي تطالبنا بما رفدنا به سابقاً المسيرة المعرفية الإبداعية في لبنان من حركة فاعلة لاقت استحسان الجميع من المتابعين، وجوابي أن عمل الديوان مرتبط بالوضع الأمني والسياسي، وهو حالياً مضطرب لا يشجع عدداً من الطاقات اللبنانية المبدعة في عالم الاغتراب على المجيء إلى لبنان، ومنهم عالم نوويّ كبير عليه حراسة مشدّدة، اتصلنا به، وافق، ثم اعتذر. وكذلك فعلت إحدى العالمات في الذرّة وإحدى مستشارات الرئيس أوباما، وهما لبنانياتان أيضاً، وقد ارتبطنا معهما لكن لمواعيد لاحقة، حين يعود الوضع السياسي في لبنان إلى حالته الطبيعية. لكن الإبداع اللبناني لا يقتصر على المغتربين فقط، لهذا اتخذنا القرار بتكريم طاقات مبدعة من داخل الوطن، وستكون بداية التكريم مفاجأة رائعة، تعوّد جمهورنا عليها، ونعلمكم لاحقاً بالبرنامج الذي بدأنا تحضيره لآذار المقبل. وهنا لا بدّ من توجيه التحية لجريدة «البناء» التي أعادت للثقافة دورها وحيّزها الإعلامي بإفراد صفحة متخصّصة للأنشطة الثقافية، أتمناها على زيادة، لأن للثقافة دورها القويّ في التنشئة والوعي والبناء.