ماذا يريد المغتربون السوريون؟ حلفاء أوفياء يبادلونهم الوفاء
تامر بلبيسي
شهدت بدايات العام 2012 تصعيداً عسكرياً للجماعات المسلحة اكتسبت بموجبه مناطق عديدة من الجغرافيا السورية، وخرج في منتصفها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يعلن دخول الحرب إلى جانب سورية جيشاً وشعباً وقائداً، متحدّياً المخاطر والتهديدات، معلناً أنه إذا اقتضى الأمر فسيكون هو شخصياً في هذه الحرب، وأنّ سورية ممنوع أن تسقط فهي سند المقاومة وظهرها، والمقاومة لن تسمح بضرب سندها ولا بكسر ظهرها، وجاءت المعارك التي خاضها حزب الله إلى جانب الجيش السوري والتضحيات التي قدّمها والإنجازات التي تحققت، بفضل هذه الشراكة، لترفع المكانة العالية التي اكتسبها السيد نصرالله في عيون السوريين وكلّ العرب مع النصر الذي حققته المقاومة في لبنان العام 2000 وتالياً النصر العظيم في 2006.
يعرف السوريون المقيمون والمغتربون أنّ بلدهم ودولتهم لم يبخلا على المقاومة، وانّ سورية جيشاً وشعباً ورئيساً تعاملت مع المقاومة في زمن التضحيات بلا حساب، وكانت سورية تنتظر مبادلة الوفاء بالوفاء ولذلك عندما أخذت المقاومة هذا الموقف لم تنفع كلّ حملات التحريض بالإساءة لمكانة سيد المقاومة في عيون السوريين ومثلما كانت سورية تقوم بواجبها والمقاومة تقوم بواجبها اليوم، إلا أنّ الوفاء لا ينفصل عن السياسة التي تقوم على المبادئ والأخلاق.
لم تخسر سورية من وقفتها مع المقاومة، كما لن تخسر المقاومة من وقفتها مع سورية، لكن لغة المصالح لم تكن هي التي قرّرت الوقفات، لأنّ القرار في الحالتين كان يحتمل التشارك في الخسارة وليس فقط شراكة في النصر.
ما يحدث اليوم مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين ينطوي على القواعد ذاتها إنما بطريقة أقوى. فالسوريون يعرفون منذ بداية أزمة بلدهم أنّ حصيلة الحرب على سورية وفيها ستنعكس على التوازنات الكبرى في المنطقة والعالم، وأنّ روسيا التي تتطلع للعب دور محوري في النظام العالمي تعرف أنّ هزيمة سورية ستعني خسارة هذه الفرصة لروسيا ودخول العالم مرحلة شديدة الصعوبة على كلّ الذين يحلمون بإقامة نوع من التوازن في هذا العالم لذلك كان السوريون يشعرون باستحالة أن تسمح روسيا منذ العام 2012 بتكرار النموذج الليبي مع سورية والسماح بتعرّضها لغزو عسكري شبيه بتغطية مموّهة من مجلس الأمن.
جاء الفيتو الروسي ليثلج قلوب السوريين. ثم جاءت وقفة روسيا يوم جاءت الأساطيل لضرب سورية، وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع نقاط الإنذار الروسية المبكرة ضدّ الصواريخ بتصرف سورية ومعها السلاح النوعي الذي يمكنها من الدفاع في وجه أي ضربة، ولما تراجعت الأساطيل شعر السوريون أنّ روسيا كانت شريكاً لهم في الصمود وإفشال الغزوة التي استهدفتهم.
الذي يحدث اليوم، خصوصاً بعد القمة التي جمعت رئيسنا الدكتور بشار الأسد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأظهرتهما على حقيقة دورهما قائدين يرسمان خطة خلاص للبشرية من آفة التطرف والإرهاب التي تتهدّد كلّ العالم وقعت على قلوب السوريين موقعاً مختلفاً.
لقد شعر السوريون أنّ بلدهم الذي يمتلك صفات كثيرة من العالمية والعظمة يجد شريكاً عالمياً يدرك هذه الميزات ويعززها ويسعى لشراكتها في صناعة حدث عالمي كبير، بحجم نصر في حرب عالمية هو النصر على الإرهاب.
كلما شعر العالم بأنّ الحرب في سورية تقترب من خط النهاية وأنّ الإنجازات العسكرية التي تتحقق على الجماعات الإرهابية تسير بتسارع يذهل العالم، شعروا بأنهم يؤدّون على مسرح التاريخ دوراً بطولياً يشبه أيام العرب الذهبية في كتابة تاريخ الإنسانية، لكنهم يشعرون أنهم يتشاركون مع دولة عظمى هي روسيا صناعة هذا الدور التاريخي.
تحوّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى رمز سوري يتحدّث السوريون عن حركات يديه وهواياته ولباسه وعائلته، كأنهم يتحدّثون عن نجمهم المحبّب، ورغم كلّ التحريض الذي تناول الدور الروسي المساند لسوريا لم ينل ذلك من درجة الحرارة التي دخل بها الرئيس بوتين قلوب السوريين.
يعرف السوريون أنّ السياسة مصالح، وأنّ روسيا ستكسب كثيراً من مكانتها الجديدة التي ستنالها من وقوفها مع سورية، لكنهم يعرفون أنّ هذا كان ممكناً أن يكون نصيب أشقائهم الأقرب.
لذلك لا يريد السوريون، مقيمين ومغتربين، إلا حلفاء أوفياء يبادلونهم الوفاء، لأنهم بلد خلق له الله مكانة تعزّز مكانة مَن ينصره، وتضعف مكانة مَن يخذله، وقرارات تاريخية بحجم الشراكة مع سورية ليست قرارات تحكمها المصالح فقط بل الأخلاق أيضاً.
هو درس للذين لا يؤمنون أن العواطف والأخلاق عندما تصير جزءاً من السياسة تعبّر عن ذكاء أعلى من السياسة التي تُسمّى بالذكية، لأنها لا تقيم حساباً للعواطف ولا للأخلاق.
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية