البريطانيّة ترسي إيمن تحترف الصدمة في أعمالها الجريئة

لا يجد بعض الفنانين حرجاً في أن يتخذ من حياته الشخصية مادة لعمله الفني، مهما كان هذا العمل صريحاً وصادماً وخادشاً للذوق العام، تماماً مثلما تفعل الفنانة البريطانية ترسي إيمن التي تهزّ بين حين وآخر المشهد التشكيلي البريطاني بحدث فني صاعق يُجبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة على أن تغطي هذا الحدث وتغوص في تفاصيله الدقيقة.


الفنانة ترسي إيمن غير مولعة بالشهرة، ولا تستعمل أسلوبها هذا للترويج لأعمالها الفنية الصادمة. فأعمالها الفنية أبعد ما تكون عن الدعاية، لكنها أقرب إلى الفضيحة التي تهيمن على المشهد الثقافي برمته، بحيث تترسّخ هذه الحادثة الإبداعية في أذهان الناس حتى تصبح جزءاً من ذاكرتهم الجمعية، ويكفي أن نشير هنا إلى بضعة أعمال فنية مثل «الخيمة»، و»سريري»، و»العذراء الأرجوانية» وما إلى ذلك.

كان والد ترسي ميسور الحال ويملك فندقاً كبيراً في مارغيت، لكنه سرعان ما انتكس فانقلبت حياته الميسورة إلى فقر مدقع ترك أثره الواضح في ابنته ترسي التي تعرضت للاغتصاب في سن الثالثة عشرة.

يبدو أن تشظيات هذه الحادثة ظلت تظهر هنا وهناك في أعمالها الفنية على شكل أصداء جنسية غامضة لا يستطيع أن يفسرها ويحلّل معانيها إلاّ طبيب نفساني متخصص أو ناقد تشكيلي صادف أن درس الطب النفسي إلى جانب النقد الفني.

تتناول الفنانة ترسي إيمن الكثير من المشروبات الروحية، وظهرت عام 1997 على «القناة الرابعة» في برنامج حواري كانت تتحدث فيه إلى جانب سيدات أخريات عن جائزة تيرنر التي رُشحت لها، لكنها بدت ثملة جداً ولم تتورع عن شتم السيدات الأخريات المشاركات في الحلقة النقاشية وإهانتهن أمام الملأ، ولمّا صحت في اليوم الثاني ادّعت أنها تناولت حبوباً مهدئة للتخفيف من آلام إصبعها المكسورة!

قد يعزو بعض النقاد المتابعين تجربتها الفنية أن الثمالة أو النشوة الروحية التي يسببها تناول الكحول هي التي تدفعها إلى تنفيذ هذه الأعمال الجريئة الفاضحة، إذ لم تُبق في حياتها الشخصية سراً إلاّ فضحته أمام الملأ الأعظم، ويُشار إلى عملها الفني ذائع الصيت «جميع الذين نمت معهم من 1963 1995» وهذا العمل يسمّى بـ»الخيمة» أيضاً، لأنه خيمة حقيقية خطّت عليها الفنانة في داخلها أسماء جميع الأشخاص الذين نامت معهم فعلاً مثل الأهل والأقرباء والأصدقاء والعشاق، بل دوّنت أسماء الجنينين اللذين أجهضتهما لسبب ما ونامت معهما بعض الوقت.

كما خطّت اسم صديقها الفنان بيلي جايلدش بحروف كبيرة داخل هذه الخيمة إلى حدّ يستطيع أن يقرأها من يقف خارج الخيمة بمسافة بعيدة نسبياً، الأمر الذي يكشف عن خصوصية هذه الصداقة الحميمة التي تربطهما معاً.

إذا كان هذا العمل الفني ينطوي على بعض الجوانب البريئة، إلا أنه في الجانب الآخر منه يكشف قدرتها على البوح بعلاقاتها الجنسية الصريحة. واقتنى تشارلس ساتشي هذا العمل المثير للجدال وعرضه في نيويورك قبل أن يصبح طعماً للنيران التي التهمت مخزن ساتشي، شرق لندن، عام 2004.

أما العمل الفني الثاني فيحمل عنوان «سريري» الذي أنجزته الفنانة عام 1998 ورُشح لجائزة تيريز عام 1999 بعد عرضه في «تيت غاليري». يشتمل هذا العمل على سرير في غرفة نوم مزرية تماماً. وقد لا ينتبه المتلقي إلى الفوضى التي تعمّ السرير برمته، لكنه سينتبه حتماً إلى الواقيين الذكريين اللذين ألقتهما الفنانة على سريرها متعمدة أن يكونا جزءاً أساسياً من المشهد العام للعمل الفني.

ثمة أشياء كثيرة أسفل السرير مثل لعبة أطفال وعلب أدوية وأوراق مبعثرة تعزز الفوضى المشار إليها، لكن بعض النقاد يعزوها إلى حالة الاكتئاب التي تمرّ بها الفنانة في أوقات كثيرة. والجدير ذكره أن هذا العمل الفني اقتناه تشارلس ساتشي بمبلغ 150.000 جنيه استرليني.

تأثرت ترسي بالفنان إدوارد مونك وإيغون شله كما أحبت أعمال صديقها تشايلد، ووجدت لديهم بعض ما يدور في مخيلتها البصرية. وكعادة الكثير من الفنانين المرتبكين ذهنياً، أقدمت تريسي على تدمير كل لوحاتها الفنية يوم كانت تدرس الرسم في الكلية الملكية للفنون في لندن، ونجت لوحة واحدة عنوانها «صداقة» من الدمار، إذ كانت ضمن المجموعة الفنية التي تحتفظ بها الكلية المذكورة أعلاه.

فضاء لوحة إيمن يذكّر بلمسات المدرسة التعبيرية الألمانية التي برز فيها فرانز مارك وبول كلي وأوغست ماكه وإرنست لودفيغ كيرشنر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى