روسيا… وإدارة اتفاقات الكبار!؟
فاديا مطر
على ضوء الفشل الواضح لدور الولايات المتحدة وحلفائها في مكافحة الإرهاب وحلّ قضايا النزاع بالطرق السِّلمية، ومع توضّح دور واشنطن ومتفرعاتها الإقليمية والدولية في الدعم الكبير للجماعات الإرهابية والتكفيرية المسلحة لتحقيق مُبتغى «إسقاط حكومة الرئيس الأسد»، يبدأ العدّ العكسي لهذا الهدف مع وجود موسكو العسكري في سورية، وما حواه الإطار الموازي لتحرّكات موسكو الدبلوماسية لحلّ الأزمة السورية، من عقد اجتماع رباعي في العاصمة النمساوية «فيينا» في 23 تشرين الأول الحالي على مستوى وزراء الخارجية، ضمّ وزراء خارجية الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وروسيا، فالساعات الصباحية لهذا الاجتماع سبقت عقد لقاء بين وزير الخارجية الأميركية ونظيره الروسي قبل بدء الاجتماع، وهو لقاء كشف للسعوديين كيف يُخاطِب الروس الأميركيين في الاجتماعات المغلقة بعد أن ظنّ السعوديون أنّ أميركا، التي يعاملونها «كسيِّد» لا تُرد لها كلمة، فيكفي أن تطلب فُتطاع. وأنّ المشهد الخارجي هو تساهل أميركي مع الآخرين ليختلفوا معه، لكن السمع والطاعة تبقى داخل الاجتماعات، إلا أنّ حساب الحقل السعودي لم يُطابق بيدر الواقع المفاجئ والصادق، والذي تفرضه موسكو على الطاولات الداخلية للاجتماعات، وهو ما أوضحته الخطوة الأميركية الانعكاسية لزاوية حادة في 19 أيلول الماضي عند إعلان الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها جون كيري، بأنّ رحيل الرئيس الأسد ليس شرطاً لدى أميركا، وما كان أعلنه وزير الخارجية البريطانية، فيليب هاموند، في 9 أيلول الماضي، أنّ بريطانيا تقبل بقاء الأسد لفترةٍ انتقالية، وأنّ من الضروري الحوار معها.
فهذا في باطنه وظاهره هو سقوط عن الشجرة وليس نزولاً عنها، وهو ما أكّدته المستشارة السياسية والإعلامية للرئاسة السورية د. بثينة شعبان في 25 أيلول الماضي، أنّ هناك «تفاهماً ضمنياً بين أميركا وروسيا للتوصّل إلى حلّ في سورية. وأنّ الغرب للمرة الأولى يكتشف أنه حين يقول شيئاً لا يستطيع تنفيذه». لكن القراءة السعودية لم ترتقِ إلى فهم هذه المواقف، وهم لا يستطيعون تخيّل سواهم إلا مثلهم عبيداً يُطيعون الأوامر، وأنّ ما تمّ الاتفاق عليه مع السيد الأميركي قبل اللقاء مع الوزير لافروف قد سقط في «سلّة المهملات»، بعد أن كان السعوديون قد أنشأوا تحالفات إقليمية لدعم الجماعات الإرهابية في سورية بضوء أخضر أميركي، كما نشرت صحيفة الـ «واشنطن بوست» في 14 أيار الماضي، بأنّ السعودية وقطر وتركيا شكّلت ما يُسمّى «جيش الفتح»، والذي تهدف منه إلى تغيير الموقع الاستراتيجي والتكتيكي للتنظيمات الإرهابية في سورية، لكن دخول الثلاثية «السعودية ـ الأميركية ـ التركية» إلى قاعات فيينا بجعبةٍ ممتلئةٍ لطرح مستقبل الرئيس الأسد السياسي إلى نهايته، اصطدم بكلام الوزير لافروف بأنّنا «يجب أن نكون سوريين ليحقّ لنا ذلك، وأنّ مستقبل الرئيس الأسد يقرّره شعبه، داعياً إلى آلية قانونية تستند إلى أحقيّة الشعب السوري في تقرير مصير بلاده ومستقبلها». وهي كلمات زادت الآمال السعودية والتركية عُمقاً، بعد المفاجأة المذهلة لزيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو في 21 من الشهر الجاري، وما أُشيع قبل اجتماع فيينا بأيام من تسريبات بوجود خطة تضمن انطلاق مرحلة انتقالية في سورية مدّتها ستة أشهر تنتهي برحيل الأسد، والتي نفت روسيا علمها بها على لسان ديمتري باسكوف المتحدّث باسم الرئيس بوتين في 23 من الحالي، فهي رسالة بحبرٍ واضح لأصحاب الجُعَب السوداء أنّ من يدّعي بلسان الشعب السوري أنه لا يريد رئيسه، عليه تقديم آلية قانونية تسمح بهذا الاستنتاج لتخوّله النطق بلسان السوريّين، وهو ما أسقطته ساعات «فيينا» المغلقة وأفرغت هذه الجُعَب من محتوياتها، لتتموضع الحقيبة الروسية على طاولاتها.
وتركت الفعالية الروسية الدولية والإقليمية تغييراً في اصطفاف الأردن في معسكر الحرب على سورية، حسب ما أعلنه وزير الخارجية الأردني ناصر جودة عن «اتّفاق على تنسيق العمليات الجوية والعسكرية في سورية مع روسيا». وهو مقدّمة لسقوط جبهة درعا الإرهابية. وما أعلنته روسيا من توسيع دائرة الدول المنخرطة في بحث الأزمة السورية بضمّ مصر وإيران إليها مستقبلاً، لتكون الروايات المعاكسة للإرادة الروسية في طور الخاتمة فثلاثية «فيينا» مع روسيا طرحت الحلّ السياسي في سورية على أنقاض ما أعلنته قطر من شراكة سعودية وتركية بـ «عاصفة حزم سورية» تستهدف دعم مجموعاتهم الإرهابية في 21 تشرين الأول الحالي، والذي ردّت عليه دمشق بلسان نائب وزير الخارجية السورية د. فيصل المقداد باعتباره عدواناً يستدعي ردّاً قاسياً، دعمته «البوتينية» الروسية بقول الوزير لافروف على طاولة «فيينا» بأنّ من يريد حلّ سياسي سوري على مقاسه الضيّق يجب عليه مشاركتنا في الحرب على الإرهاب أولاً، وهو إسقاط كل نتائج ما مارسه حلف أميركا من ألوان الضغوط على مدى ما يقارب الخمس سنوات، لتبقى الرؤيا السعودية الإيديولوجية معتمِدة على واشنطن في مقولة: «من ذا يُصارع سيّداً في عبده». فهل الزاوية الأميركية الحادة المقبلة ستُغيّر هذه الإيديولوجية السعودية… أم أنّ «من شبّ على شيء شاب عليه»، حتى أمام اتّفاقات الكبار…؟