الحرب الروسية الشاملة على الإرهاب… الأسباب والنتائج
محمد شريف الجيوسي
لا أحد يقول بأن ما بعد زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد إلى روسيا، كما قبلها، وإن وقع البعض في مطبّ الإسفاف والكذب على الذات، فانتحوا بتلفيقات أثارت الإشفاق والسخرية منهم، أكثر مما أثارت الاهتمام، وأثبتوا مجدداً أنهم خارج «التغطية» والتاريخ وفهم المستجدات، وضد حتى مصالحهم الاستراتيجية.
أعلنت الزيارة حقائق ماثلة ربما لم يكن البعض ليدركها تماماً. من ذلك أن روسيا لا «تلعب» في موضوع الموقف من سورية ودعمها، وإن كانت «إسرائيل» تكاد تكون أهم من أي ولاية أميركية، إلّا أنه لم يبلغ الحد بواشنطن أن تغامر بمثل ما دعمت به روسيا، الدولة الوطنية السورية، فالتدخل الأميركي العسكري المباشر لدعم «إسرائيل» أكثر من الدعم المالي والتسليحي الاستراتيجي والاستخباري والإعلامي والسياسي غير ممكن، ربما لأن ذلك يشطب دور دول إقليمية تابعة لأميركا في المنطقة ويفجّر صراعات إقليمية ذات طابع شعبي قد تسقط تلك الأنظمة، ويأتي بأنظمة ليست صديقة أو تابعة، تضرب مصالح أميركا وتحارب «إسرئيل» وتجعل من الحرب على الأخيرة مهمة وطنية وقومية ودينية عليا.
تآمرت الدول الإمبريالية بقيادة واشنطن على روسيا منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي وقبله بعقود، ولم «ترحم» ما حلّ بها بداية التسعينات، بل وسّعت من قاعدة التآمر عليها في كل اتجاه، وعملت عبر ثورات ليلكية على تطويقها في جنوبها الجغرافي، و«استغفلتها» في غير ساحة صراع كما في العراق وليبيا، وأسقطت أي موقف إيجابي في أوكرانيا، محاولة إشغالها عن سورية أو مساومتها عليها، واتخذت قرارات غبية بحصار روسيا وكأنها دولة من العالم الثالث، يسهل حصارها، من دون احتساب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمحاصرِين أيضاً، ومستخدمة النفط ضدها وضد حليفتيها إيران وفنزويلا، وهو ما بدأ يعطي نتائج عكسية على اقتصادات بلدان تابعة لواشنطن، مصدر دخلها الرئيس هو النفط على نقيض روسيا وإيران.
وفي حين تسللت العديد من الدول منسحبة من التحالف الغربي الأميركي الصهيوني، وتراجع «الحماس» عن المشاركة في مجاميع إلحاق الأذى الإمبريالي بالدول والشعوب المستقلة والوطنية الخارجة على النفوذ الأميركي، تعمقت في المقابل واتسعت دائرة التحالفات الروسية الصينية الإيرانية السورية العراقية الفنزويلية الكورية الديمقراطية وغيرها، فضلاً عن البريكس ومجموعة دول أميركا اللاتينية وشنغهاي.
وظهر أنه كان لدى روسيا من المعلومات الاستخبارية ما يكفي، عن المشروع الأميركي الإمبريالي العدواني في المنطقة، لتحقيق ما فشل في تحقيقه خلال السنوات الخمس الفائتة، رغم كل ما أحدثه من دمار وانهيارات وفتن وشقوق اجتماعية في ليبيا واليمن وسورية والعراق ومصر وفلسطين ولبنان وتونس والبحرين ومن تقسيم للسودان وتوطين حالة فشل الدولة في الصومال وتقسيمها، ومن محاولات جر الجزائر ثانية للحرب عليه، ووضع موريتانيا في حالة التبعية لـ «تل أبيب».
لكن الدولة الوطنية السورية التي على أرضها توقف تقدّم ما اصطلح على تسميته، مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، وعادت لتنقلب الأمور سوءاً على الإمبرياليين، في غير ساحة، كانت ولا تزال هي المجال الحاسم في الصراع وفشل أو نجاح المشاريع بغض النظر عن حيثياتها، لاعتبارات عديدة ذاتية وموضوعية، تتعلق بنظامها السياسي والاقتصادي المستقر على مدى 4 عقود وجيشها الوطني العقائدي وتركيبتها الديمغرافية الحضارية المدركة لأهمية الاستقرار، وخصوصيتها كحاضنة تاريخية للعروبة ما يمنحها واجب ودور القيام بالواجب القومي العروبي، وإمكاناتها الاقتصادية المهمة وما يتمتع به شعبها من دأب وحرفية وروح حضارية عالية.
أما الظرف الموضوعي، فيتعلق بالمتغيرات الدولية العميقة وأزمات أصحاب المشاريع المعادين للمنطقة اقتصادياً وسياسياً وتخلف حلفائهم وأتباعهم وما هم عليه من ظلامية وعقلية تكفيرية وممارسات طائفية ومذهبية، فضلاً عن تبعيتهم للمستعمر وعلاقاتهم العميقة مع المحتل الصهيوني والرجعية العثمانية.
لقد وجدت روسيا نفسها أمام خيار لا ثاني له، يقول بأن أمنها يرتبط بأمن المنطقة العربية ومركزه سورية، ليس دفاعاً عن سورية فحسب، وإنما أيضاً درءاً للخطر عن أمنها القومي الاستراتيجي، والعالمي، فالإرهاب عابر للقارات والحدود والدول، مستعدٌّ لتأجير قدراته وقوة عمله لأي كان، والضرب في أي موقع ومكان، تحت مسميات من السهل عليه أن يوجدها، ويوغل في هدر الدم وتدمير المقدرات والحضارة والثقافة تحت أي مسمى بما في ذلك الدين، بل في المقدمة منه.
لقد كانت العصابات الصهيونية أول من مارس الإرهاب في المنطقة العربية، وفي فلسطين في تاريخها الحديث بخاصة وجوارها، بذريعة إقامة الوطن القومي اليهودي الذي أسفر عن إقامة الكيان الصهيوني «إسرائيل» وإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم.
فما يتولد عن ممارسة الإرهاب، لا يمكن أن يكون إلا نتاج سوء من قتل وإشغال عن القضايا الكبرى وعن التنمية والحضارة واستبدال ذلك بالتدمير والفتن والتجزئة والدول المسوخ وإخلال موازين القوى الدولية والتبعية للمستعمر، فضلاً عن إشعال الحروب بذرائع مختلفة، وانتشار تجارات السلاح والمخدرات والبشر وتبييض العملة، لضمان استدامة الإرهاب والإنفاق عليه وتسليحه وتدريبه والترويج له وتأمينه استخبارياً.
إن قرار روسيا بشن حرب مباشرة على الإرهاب في سورية بناء لطلب حكومتها الشرعية، قد يستتبع ذلك في العراق في حال طلبت حكومته ذلك، هو قرار استباقي لإسقاط المؤامرة الدولية على المنطقة ومنع امتداده الى روسيا وغرب الصين ومناطق أخرى من العالم، بعد فشل استغرق 5 سنوات وتريلونات الدولارات من الإنفاق، لم تحصد الإمبريالية بنتيجته غير الفشل المريع.
صمود سورية قرابة 5 سنوات، أكد ثلاثة أمور من المستحيل إسقاطها من جهة، وأبدى من جهة أخرى جدوى دعمها من تيار المقاومة في تعجيل انتصارها الناجز على الإرهاب، كما أظهر ثالثاً، أن دحر سورية للإرهاب على أرضها، والإجهاز الكامل عليه سيشكل انتصاراً للخط المقاوم.
في كل الأحوال، فإن سورية وروسيا وحلفاءهما على جدية مطلقة بإلحاق هزيمة شاملة ماحقة بالإرهاب ومموليه والمتعاطفين معه بكل الوسائل، بما في ذلك الوسائل السياسية والدبلوماسية والقوة الناعمة.
m.sh.jayousi hotmail,co.uk