عين داعش على صيدا

كتب المحرر السياسي

لم تحمل القمة المصرية السعودية في طائرة الملك عبدالله والتي جمعته لساعة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أبعد من الإشارات للدعم المالي السعودي لمصر، كما لم تحمل أنباء العراق تطورات سياسية أو أمنية حاسمة، حيث المعارك مستمرة بضراوة على مصفاة بيجي ومطار تلعفر ومعبر القائم الحدودي بين العراق وسورية.

الحدث كان لبنانياً بامتياز، حيث نجا لبنان من كارثة كانت عبارة عن مجموعة من التفجيرات المتزامنة تستهدف مؤسسات صحية وإنسانية في الضاحية الجنوبية، واجتماع المخاتير السنوي الذي كانت دعت إليه حركة أمل، والذي كان مقرّراً أن يحضره رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فيما كان تدبير التفجير الانتحاري الذي ضرب حاجز قوى الأمن الداخلي في ضهر البيدر بعد مطاردة أمنية للسيارة والانتحاري الذي يقودها، يستهدف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

المعلومات والتقارير والاحتياطات والإجراءات الأمنية أثبتت فعالية وجاهزية ودقة، تستحق التنويه، وتستحق المزيد من الدعم للتنسيق بين الأجهزة المعنية ودعوتها إلى التعالي على الحساسيات والتنافس وبعض من السياسة التي لا تزال حاكمة في تحديد أولويات بعضها، أو الفئوية التي تشكل حائلاً دون أخذ المعلومات الخطيرة على محمل الجدّ والتعامل معها بالمستوى اللازم من المتابعة.

«داعش» ليس مزحة وليس النصرة ولا كتائب عبدالله عزام، هذه خلاصة توصل إليها محللون يعرفون هذه التنظيمات عن قرب، ويتابعون مسيرة «داعش» وديناميكيته في تخطي وتجاوز مأزقه في سورية وتعلّم دروسه في العراق، وحسن استثماره للموارد وإجادة تكتيكات الاستثمار على نقاط ضعف الخصوم، وكيفية تجميع الحلفاء الموقتين، وكذلك تقدير قيمة العمل السياسي وطمأنة الشرائح القلقة، واهتمامه الاستثنائي بالإعلام وتوظيف الأفعال العسكرية في خدمة الرسائل السياسية والدعاية الإعلامية.

المتابعون لداعش يتوقفون أمام ما سربته «إسرائيل» حول عملية استهداف اللواء ابراهيم وربطته بمخيم عين الحلوة بصفته رسالة «إسرائيلية» مزدوجة إن لم تكن مثلثة، فهي رسالة تهديد للواء ابراهيم بالتبنّي الضمني لعمليات «داعش» قبل وقوعها، ورسالة تحريض على مخيم عين الحلوة، ورسالة استعداد للشراكة في الحرب على الإرهاب باعتبار «إسرائيل» مخزوناً استخباراتياً لا يمكن الاستهانة به، لتقديم معادلة قوامها تعالوا نعمل معاً، فيتحقق لـ»إسرائيل» ما أرادت من دعمها لتشكيلات مثل «داعش»، وهو التغلغل في الجسد العربي بداعي مواجهة عدو واحد.

يتوقع المتابعون أن تكون الفرقعة التي أرادها «داعش» من العمليات المركبة إشارة الانطلاق لعمل خلاياه النائمة التي سبق وكشفت «البناء» بعضاً مما تتناوله التقارير حول خططه، نحو هدف كبير يشبه ما فعلته في الموصل، فأين هي «الموصل اللبنانية»؟

يجيب المتابعون: العين على صيدا، والحالة التي تنامت بعد حادثة أحمد الأسير والتحريض الذي شكل سياسة تيار المستقبل المتواصلة على تحالف المقاومة الذي يمثله حزب الله وحركة أمل، والطابع المذهبي لهذا التحريض، والتواصل الذي تقيمه مجموعات مسلحة تابعة لتيار المستقبل مع بقايا المجموعات الأسيرية من جهة، والمجموعات التكفيرية والمتطرفة في مخيمي عين الحلوة والمية ومية من جهة أخرى، ولذلك كانت أهم حالات الاستنفار التي نفذها الجيش هي في صيدا تحسّباً واستباقاً لأيّ حركة مشبوهة.

دق ناقوس الخطر أمس في لبنان مع التفجير الانتحاري الذي وقع في منطقة النملية في ضهر البيدر عند حاجز قوى الأمن الداخلي، وطرح التفجير الإرهابي الذي أدى إلى استشهاد المؤهل أول محمود جمال الدين ونحو 34 جريحاً بينهم 6 عناصر من قوى الامن، وما سبق ذلك من مداهمات أمنية وتوقيفات في فندق نابليون في الحمرا تساؤلات حول ما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية في لبنان في ظل الشغور الرئاسي وتعطيل عمل المؤسسات.

ووفق معلومات أمنية تبلّغتها مراجع سياسية، فإن الأهداف المحتملة للإرهابيين تمتد من مستشفى الرسول الأعظم إلى ضهر البيدر وما بينهما الاحتفال الذي كانت ستقيمه حركة «أمل» في الأونيسكو أمس، حيث تبيّن أن هناك مخطّطاً إرهابياً كبيراً كانت تعدّه المجموعات الإرهابية بعد أن تحرّت الخلايا النائمة مع أحداث العراق ورفدت بعناصر إرهابية من السعودية وبلدان أخرى.

كابوس التفجيرات

وبعد أن ارتاح اللبنانيون من كابوس السيارات المتفجرة والعمليات الانتحارية في الضاحية الجنوبية وطرابلس والبقاع الشمالي التي توقفت في نهاية آذار الماضي، عادت هذه الظاهرة إلى الواجهة مجدداً، وعاد معها الهلع والقلق من الآتي، في ظل الوضع العراقي والأزمة السورية.

قفز الأمن أمس عن الانتخابات الرئاسية والمطالب الاجتماعية، حيث وقع انفجار سيارة مفخخة يقودها انتحاري قرب حاجز لقوى الأمن الداخلي في منطقة ضهر البيدر، أثناء مرور موكب المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أثناء توجهه إلى البقاع من دون أن يصاب بأذى.

الصورة التي عممها الجيش تعود لأحد المشتبه بهم بتفجير ضهر البيدر

وكانت اشتبهت القوى الأمنية قرابة 11:15 قبل ظهر أمس في سيارة جيب نوع نيسان «مورانو» رصاصية اللون، على الطريق الداخلية في صوفر متجهة إلى بحمدون، ولدى محاولة توقيفها فر السائق من أمام الدورية وعاد أدراجه في اتجاه البقاع، وعلى الفور، أعلمت الدورية حاجز ضهر البيدر بمواصفات السيارة المشتبه فيها، ولدى وصولها إلى الحاجز طلب عناصره من السائق الترجل فأقدم على تفجير السيارة ما أدى إلى استشهاد المؤهل أول محمود جمال الدين وإصابة 33 شخصاً بجروح بينهم 7 عناصر من قوى الأمن الداخلي.

وعلم أن الصورة التي عممها الجيش اللبناني أمس لأحد أخطر المطلوبين تعود لأحد المشتبه بهم بتنفيذ تفجير ضهر البيدر.

وبحث الاجتماع الأمني الذي عقد في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام في تطورات الوضع الأمني، وأكد على متابعة تنفيذ الخطة الأمنية وتم الاتفاق على تشديد التدابير الأمنية لرصد أي خطط تخريبية.

ورأى سلام أن ما جرى يجب أن يشكل حافزاً لبذل الجهود لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية لتحصين البلاد، ودعا اللبنانيين إلى اليقظة، محذراً من الاستسلام للإشاعات.

وأكد مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن القوى الأمنية في لبنان جاهزة في كل المناطق، ولن نكون عراقاً آخر ونحن مستعدون للمواجهة». وقال: «كنت متوجهاً إلى البقاع عندما وقع الانفجار على بعد أمتار من موكبي وهناك علامات استفهام حول تسريب الموساد خبر التحضير لعملية لاغتيالي». وأشار إلى «أن الإرهاب له أوجه عدة وإسرائيل أحد وجوهه».

مستمرون بالخطة الأمنية

وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ»البناء» أن القوى الأمنية تملك معلومات عن وجود سيارات مفخخة وسنأخذ الإجراءات الأمنية وسنستمر بالخطة الأمنية من دون تردد.

واعتبر قائد الجيش العماد جان قهوجي أن هناك تضخيماً لحوادث اليوم أمس ، قائلاً: عيوننا مفتوحة، ولا تنسوا أن المنطقة خربانة ونحن بألف نعيم.

مداهمة نابليون وكازا دور

وكان اليوم الأمني بدأ مع المداهمة التي نفذتها قوة مشتركة من جهاز الأمن العام وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي على فندق نابليون في منطقة الحمرا، حيث أوقفت عدداً الأشخاص من جنسيات مختلفة بينهم باكستانية وتونسية وعراقية وسعودية وأردنية. ولم تقتصر التوقيفات على أوتيل نابليون بل توسعت عمليات الدهم المشتركة حتى شملت نزلاء في فندق «كازا دور» أيضاً، وبعض الشقق السكنية في منطقتي الحمرا وفردان ووصل عدد الموقوفين المشتبه بهم إلى 102 موقوف تم إطلاق 85 بعيد الاستماع إليهم مباشرة وأُبقي على 17 قيد التحقيق.

وأكد مصدر أمني لـ»البناء وجود أدلة أن الاشخاص الذين هم قيد التوقيف لهم علاقة بما أشيع أول من أمس عن محاولة لاغتيال الرئيس نبيه بري، وأتوا عن طريق المطار ونزلوا في فنادق في بيروت والمناطق المجاورة وأنهم على علاقة بمجموعة ارهابية متطرفة تحضر للقيام بعمل أمني في بعض التجمعات.

في السياق، أشار مصدر مطلع على الوضع الأمني لـ»البناء» إلى أن جزءاً كبيراً من المجموعات الارهابية التي دخلت إلى لبنان مع بدء الأزمة السورية تعاطت معها الحكومة اللبنائية على أنهم «ثوار» باعتمادها سياسة النأي بالنفس بين الإرهابيين والدولة السورية، وتغاضت عن دخول هذه المجموعات الإرهابية إلى لبنان. ولفت المصدر إلى أن القوى الأمنية من فرع معلومات وقوى أمن داخلي كانت على علم بأماكن تواجد هؤلاء الإرهابيين في الحمرا إلا أنهم كانوا ينظرون إليهم على أنهم ثوار الذين يقومون اليوم بالتحضير لأعمال إرهابية واغتيال شخصيات.

وأشار المصدر إلى أن توقيف عناصر إرهابية جراء المداهمات التي حصلت في الساعات الاخيرة في بيروت والضاحية الجنوبية اثر ورود معلومات عن إطلاق صواريخ واغتيالات هي التي عزّزت المعلومات لدى الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى وأدت إلى مداهمة فندق نابليون.

كذلك أكدت مصادر أمنية أخرى لـ«البناء» أن عمليات الرصد والمتابعة ستستمر مع حصول مداهمات عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك. وأوضحت أن المعلومات تفيد أن هناك عناصر إرهابية لا تزال متخفية، وأن الأجهزة الأمنية تتابع الأمور بدقة. وقالت إن معلومات الأجهزة تقاطعت بأن هناك بعض العناصر الإرهابية التي حضرت من الخارج اختفت بعد وصولها إلى مطار بيروت. كما أن هناك عناصر مماثلة عادت للتحرّك من جديد بعد الحوادث التي حصلت في العراق. وكشفت أن المجموعات المتطرّفة موجودة في أماكن محددة خصوصاً في بعض المخيمات، ولذلك اتُخذت الإجراءات المطلوبة في كل الأماكن التي يحتمل أن تتحرك من داخلها الخلايا الإرهابية.

مديرية المخابرات تمارس الأمن الوقائي

ولفت مصدر أمني آخر لـ»البناء» إلى أن مديرية المخابرات تمارس الأمن الوقائي، لافتاً إلى أن التسريب العشوائي من قبل بعض الأجهزة سيؤدي إلى هروب الخلايا الارهابية النائمة. وأكد المصدر أن الحذر واجب لكن يجب عدم بث الهلع لأن من شأن ذلك أن يساعد الإرهابيين على تنفيذ مشاريعهم في ظل الخوف.

وإذ أشار المصدر إلى أن مسرح العمليات الأساسي للإرهابيين هو العراق اليوم أكد أن الأمن في لبنان تحت السيطرة بنسبة كبيرة، وأن ما حصل في الحمرا وضهر البيدر أظهر جاهزية القوى الأمنية.

وأكد مصدر أمني أن التفجيرات الإرهابية عادت لكن ليس بالحجم الذي يدعو إلى التخوف. وأشار إلى أن تفجير ضهر البيدر ليس على قدر كبير من الخطورة كالتفجيرات السابقة، فلا نسبة بين التفجيرات السابقة وتفجير الأمس إذا أخدنا في الاعتبار زنة العبوة التي تتراوح بين 25 و30 كلغ.

لم يقتصر اليوم الأمني على منطقة الحمرا بل توسع ليشمل طرق عين التينة، الأونيسكو طريق المطار، والمستشفى العسكري التي أقفلت، كذلك تم قطع الطريق أمام ثكنة الجيش في منطقة السيوفي الأشرفية. وترافق ذلك مع إجراءات أمنية مشددة، في المتحف. وقطع الجيش طريق جامع الناصري في طرابلس واتخذت القوى الأمنية تدابير احترازية في كل شوارع صيدا، وشددت من الإجراءات عند مداخل مخيم عين الحلوة.

تقاطع سعودي ـ «إسرائيلي»

وفي موازاة ذلك، توقفت مصادر مطلعة عند التقاطع السعودي – «الإسرائيلي» من الوضع اللبناني لجهة ما ورد في صحيفة عكاظ الرسمية أن لبنان مهدد بالاجتياح والجميع سيفقد لبنان بدءاً من حزب الله لأنه لن تصبح هناك دولة وما بثته قناة 124 «الإسرائيلية» من أن جماعات مسلحة تأتمر بكتائب عبدالله عزام تخطط لعمل إرهابي كبير في لبنان يستهدف شخصية أمنية رفيعة، مرجحة أن تكون اللواء ابراهيم، وأن «الموساد» حصل على هذه المعلومات من عملائه في مخيم عين الحلوة.

وأشارت المصادر إلى أن هناك غرفة عمليات عسكرية قطرية- سعودية تركية- «إسرائيلية» تتبادل المعلومات العسكرية الميدانية. وأشارت إلى أن الحرب النفسية التي حصلت في الموصل يريدون تكرارها في لبنان إلا أن لبنان ليس العراق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى