ردّوا الذباب عن صحونكم لتحفظوا العسل
الياس عشي
هل بدأ العرب رحلة العودة إلى عصر البداوة ؟
سؤال أطرحه اليوم بقوّة وأنا أرى الخيمة بكاملّ أوتادها وحبالها واستعدادها الفطري للغربة ، تنبت من جديد في أنحاء شتّى من هذا العالم العربي المندفع ، بعصبيّة مذهبيّة ، إلى حروب أين منها حرب البسوس وحرب داحس والغبراء اللتين وقعتا في العصر الجاهلي واستمرّت كلّ منهما أربعين عاماً .
سؤال يذبحنا من الوريد إلى الوريد ونحن نرى حلمنا بالعودة إلى فلسطين، بعد اقتلاع آخر خيمة لآخر فلسطينيّ لاجئ… نرى هذا الحلم يموت بين ألوف الخيام تقام للاجئين جدد في لبنان ، في الأردن ، في فلسطين المحتلّة ، في تركيا ، في العراق ، على الحدود ، وفي كل مكان . تُرى هل تضيق الأرض بنا يوماً ، نحن العرب ، فلن نرى مكاناً لمخيّم آخر يقدّم « هديّة « إلى مجموعات أخرى من ضحايا الإرهاب المذهبي والديني وأحياناً العرقي الذي نشهد فصوله منذ سنوات ونسكت ؟ أليس الساكت عن الحقّ شيطاناً أخرس كما يقال ؟
كان العرب في العصر الذي سبق الإسلام يفاخرون بأنسابهم ، وتنشأ الأحلاف بين القبائل التي تجمعها وحدة الدم ، لذلك سادت قواعد سلوكيّة تعارفوا عليها واحترموها ، كقولهم « في الجريرة تشترك العشيرة» أو «أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً « . تقاتل العرب في الجاهليّة في ما بينهم للثأر ، أو لديّة لم تدفع ، أو لخلاف على موقع ماء ، تقاتلوا ولكنّهم لم يقتلوا ، لم يغتالوا شاعراً واحداً تجرّأ وقال ما يخالف السائد عندهم .
دخل العرب في الإسلام، وخرجوا من جزيرة تتحكّم فيها الرمال ، وافتتحوا بلداناً ، وأخضعوا إمبراطوريّات ، وحافظوا على الثقافات المتعدّدة ، بل نقلوها وزادوا عليها ، ولم نرَ واحداً من الفاتحين العرب يدمّر أثراً حضاريّاً واحداً ، ولا رأيناه يبني خياماً ، وما سمعنا بكلمة نازح أو لاجئ رغم الحروب كلّها التي وقعت بين العرب والأعاجم .
هؤلاء الطغاة المعاصرون الذين استُبدلوا بالمستعمرين، ألا يدركون أن الإسلام عندما دعا إلى القضاء على العصبية القبلية إنما أراد بذلك توحيد كلمة العرب ليخرجوا إلى رحاب العالم ؟ فما بالهم اليوم يستبدلون العصبيّة القبليّة بعصبيّة مذهبيّة ودينيّة ؟ ألا يدركون أنّ الحركة الصهيونيّة هي التي تكتب أجندات زعماء الغرب ؟ وأنّ الهدف من كلّ ما يحصل هو إطلاق اليد الصهيونية للسيطرة على الثروات المعدنيّة الهائلة المختبئة تحت الأرض ، والقضاء على المشروع القومي الهادف إلى عالم عربيّ واحد قويّ ، بعد تفتيت الكيانات دويلات مذهبيّة وعرقيّة ضعيفة ومتناحرة ؟
فيا عرب هذا الزمان …
يا عار هذا الزمان. ..
يا من تنازلتم عن الوفاء ، والكبرياء ، وكرم الضيافة ، والفروسيّة ، وتمسكتم بالألقاب …
دعوني أذكّركم بمقطع من قصيدة هُرّبت في صيف 1967 من فلسطين المحتلّة لشاعر فلسطينيّ شاب اسمه محمود درويش ، ونشرت في مجلّة «شعر» عدد 35 :
«يا أمّتي
هجمتْ على تاريخك الإنسان
أشباهُ الرجالْ
باسم العروبة
يطعن التاريخ في شطآن دجلة والفراتْ !
ما زال في صحونكم بقيّةٌ من العسلْ
ردّوا الذبابَ عن صحونكم
لتحفظوا العسل ! »