عايدة النجار تُشهِر «لفتا يا أصيلة» في عمّان غوص في وطن محتلّ في عين قرية مقاومة
آية الخوالدة
في ظل ما تشهده فلسطين اليوم من حراك وطني في وجه الاحتلال الصهيوني، توثق الكاتبة عايدة النجار سيرة حياة قرية فلسطينية عريقة مليئة بالواقعية والحركة الديناميكية في كتابها الجديد «لفتا يا أصيلة» والذي تم إشهاره في مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية عمّان بحضور عدد كبير من الكتّاب والمهتمين.
الأمسية التي أدارها وزير الثقافة الأسبق عادل الطويسي، بدأ فيها الحديث طاهر المصري الذي تحدث عن الكتاب الذي يغوص في تفاصيل وطن محتل من عين قرية قاومت أن تندثر بفعل الاحتلال.
وأضاف «لم تغفل الكاتبة تفاصيل اختزنتها ذاكرتها للقرية وأهلها وعاداتهم إلا ووثقتها. لقد أرّخت لقرية قاومت همجية المحتل بتغيير ملامح قريتها، وسكان لفتا وحجارتها وعاداتها وتقاليدها في الأعياد والمناسبات. وثّقت بعقلية الباحث التعليم والثقافة بدءاً من الكتاتيب إلى المدارس ووقفت عند عدد من خريجي لفتا من الجامعات.
ربطت الكاتبة ما بين لفتا القرية الصغيرة والدور الوطني الكبير الذي قامت به، وكيف ساهمت في تشكيل مجموعات مقاتلة عربية في إطار حركة التحرير الوطني لمواجهة عصابات الصهيونية.
وتمنى الطاهر لو يعاد كتابة ذاكرة الإنسان المكان للقرى والمدن الفلسطينية الأخرى ليعكس واقعها الحالي ومحاولات التشويه التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي لفصم الإنسان الفلسطيني عن حنينه في المكان، وهي محاولات فاشلة لأن ذاكرتنا حيّة ولو بعد ألف سنة، ستبقى الأرض أرضنا والتاريخ تاريخنا وما هم إلا عابرون.
«لفتا يا أصيلة» هو الكتاب الذي يعتبر الخامس للكاتبة النجار، والتي تفرغت في الآونة الأخيرة لكتابات تمزج فيها الماضي مع الحاضر بأسلوب يراوح ما بين الكتابة التاريخية والكتابة الإبداعية الروائية.
الشهادة الثانية التي تم تقديمها في الأمسية كانت لأستاذ علم الاجتماع والفكر التنموي، سالم ساري متحدثاً عن مشروع عايدة المؤجل الذي طال تأجيله يعطي لعايدة تجدداً فكرياً، ومساهمةً متواصلةً وقيمة مضافة إلى أعمالها المنجزة الثرية المساهمة في التعريف بالمكان والإنسان الفلسطينيين، في إطار وطني قومي من دون تحيز أو تعصب ومن دون تضخيم للذات أو تبخيس للآخر.
ويتابع ساري: «أرى أن الكاتبة لا تروي عن لفتا خرّيفية سمعتها وترويها الجدات المولعات بالخراريف، يختلط فيها الواقع بالخيال والوهم بالحقيقة. لها بداية ولها نهاية، الجدات اللواتي يبدأن عملهن في خراريف ، تعجّي وترعب، لينام الأطفال بدفء وهدوء وينمن هنّ بعد عناء يوم طويل.
قدّم الشهادة الثانية في الكتاب، أستاذ الدراسات العليا في جامعة بيرزيت أحمد عزم الذي يعتبر أن ما تقوم به النجار غير مسبوق، فأدواتها البحثية ترتبط بِاسمها على نحو فريد، هذا المزج بين الأكاديمي البحثي والتاريخ الشفوي والمصادر الالكترونية الحديثة والسيرة الذاتية.
ويؤمن عزم أن أهم ما يقدّمه كتاب النجار انه مادة يبني عليها آخرون أعمالهم البحثية والروائية، ومن هذه الشخصيات التي سيبدي فيها المتخصصين في الدراما والتوثيق اهتماماً كبيراً، نجمة خرّوفة: وهي سيدة من بيت جالا كانت تمتلك محلاً في حارة النصارى القديمة في القدس، متخصصة بالتطريز، تقصدها بنات لفتا وسيداتها بعدما ينتهين من تطريز الثوب بأناملهن، لتقوم بعمل متمم للثوب، مثل ما يسمى التحريرة.
وفي نهاية الأمسية، تحدّثت الكتابة عن مؤلفها الجديد، مبيّنة أن العنوان يلخص ما جاء في المضمون، وهو عن حياة إحدى قرى قضاء القدس المهجرة المدمرة التي يحلم ويعمل أهلها للعودة إليها بعد التهجير القسري والتطهير العرقي لأكثر من خمسمئة قرية عربية فلسطينية على أيدي العصابات الصهيونية عام النكبة 1948.
وعن حكاية «لفتا» تقول النجار: منذ الثلاثينات من القرن العشرين، تطورت لفتا لتصبح إحدى ضواحي القدس الجديدة مع بقاء لفتا العتيقة التي تسمى بـ«الجذر» محافظة على معالمها التاريخية ودورها الحجرية التراثية وحياتها الاجتماعية القروية المنتجة، ما أضاف إلى المكان قيمة إنسانية وجمالية هي دورها الحجرية التي بناها أهلها بسواعدهم القوية.
كانت لفتا تسير بثقة نحو مستقبل واعد، قبل أن تحتلها «إسرائيل»عام 1948 بمساعدة بريطانيا صاحبة الوعد المشؤوم. ففي عام النكبة كانت لفتا من أوليات القرى القريبة من القدس التي دمرتها العصابات الصهيونية وهجّرت أهلها النشيطين لتبني على أراضيها الكنيست ومباني المؤسسات الحكومية الاستعمارية. استبدلت «إسرائيل» سكان لفتا العرب الأصليين بالغرباء في عملية التطهير العرقي التي قامت بها لخمسمئة قرية عربية فلسطينية أخرى ولتصبح مدمرة مهجرة أو «أثراً بعد عين».
أزالت «إسرائيل» دور لفتا ذات الطلة البهية كما المعالم التاريخية مثل معاصر الزيتون والمسجد والمقبرة، ولوّثت «عين لفتا الخضراء الجميلة لتصبح مكاناً لتطهير المرأة اليهودية. قتلت إسرائيل المحتلة المكان وشردت العصافير وقبرت صوت الجدات اللاتي كن يحكين الخراريف للأحفاد».
وقطع الاحتلال التواصل الحميميّ للنساء والرجال الذين كانوا يستيقظون باكراً قبل الندى ليسرحوا إلى الحواكير لسقاية الزرع أو «لبحش» الأرض لزرع الرزق الحلال.
مثل هذه الصورة الحيّة ظلت تدفع أهلها المعمرين وأيضاً «الجيل الجديد» لوصفها «بالعصية على الزوال»، وليرفضوا الاحتلال الذي غيّر اسمها ليصبح إسماً قبيحاً مزوّراً «ميّ نفتوح» بدل« لفتا» الاسم الكنعاني الأصيل.
وعن سرّ كتابتها عن «لفتا» توضح النجار «أكتب اليوم عن لفتا، لا لأنني أحب الأمكنة الجميلة وناسها الذين كتبت عنهم فحسب في كتب سابقة وهي: عمان أيام زمان، والقدس والبنت الشلبية، عزوز يغني للحب وغيرها، بل لأن لها خصوصية القرى الفلسطينية المدمرة والمهجرة لتنوب عن القرى الغائبة وأصالتها إضافة إلى أنها مسقط رأس الأجداد».
حاولت النجار في كتابها استرجاع لفتا جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً وسياسياً، استرجاع قرية قتلها الاحتلال «الإسرائيلي»، وشتّت أهلها في بقاع الأرض، عندما ادّعى أن فلسطين كانت «أرضاً بلا شعب» ليجلب إليها الغرباء بدل أهلها العرب الأصليين. ولم تكتف بذلك، فالعدو اليوم مستمر في قتل جذور الشجر ومحو ما تبقى من معالمها التاريخية الأصيلة لبناء المستوطنات فوق أراضيها التي كانت تلد التين والزيتون والزعتر والميرمية، وتتزين بأزهار اللوز والزوزو والحنون الأحمر وتلبس ثوب الكنعانيات المطرز بالنجوم والقمر.
يأتي كتابي اليوم، و«إسرائيل» تحاول إتمام الجريمة بالتطهير العرقي، وقتل من يحاول الصمود في فلسطين والدفاع عن بيت المقدس والحرم الشريف والأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية التي أصبحت هدف «إسرائيل» لتهويد ما تبقى من القرى والمدن الفلسطينية العربية. يصادف إشهار الكتاب اليوم انتفاضة أهلنا تحت الاحتلال من نساء ورجال وأطفال وشيوخ وهم يتصدّون لعدو شرس يواصل قتل الشعب والأرض الفلسطينية المحتلة.