عين عمياء وأخرى… لا ترى

شهناز صبحي فاكوش

حملت العمليات العسكرية المشتركة لسلاح الجو السوري والروسي، كثافة في الإنجازات على الأرض، رغم قلة عدد الطلعات الجوية، قياساً إلى كثافة الطلعات الجوية للتحالف الأميركي، والتي لم تنجز إلا تزويد الإرهابيين بمزيد من السلاح.

العالم الذي يواكب ما يحدث في سورية، من حرب على الإرهاب، ما زال ينظر إليها بعين عمياء، وأخرى لا ترى… البعض أعمى لا يرى مدى الإجرام الذي يمارَس على الشعب السوري. همّه الوحيد أن تحترق الدولة السورية، ومناطحة رئاستها.

أما البعض الآخر فلا يرى، رغم أنه مبصر لكلّ ما يحدث من إرهاب، لكنه ما زال يتعاطى مع المشهد السوري بشيء من اللامبالاة، أو التجاهل والابتعاد عن اتخاذ دور مهمّ رغم ثقله في المنطقة.

اليوم تتسارع الأحداث على الساحة السورية، الحليف الروسي ثابت في موقفه، ما أدخل أميركا وحلفاءها في حيرة عبر صاعقتين متتاليتين، صاعقة السوخوي، التي دكّت مواقع الإرهابيين وقضت على الكثير من قياداتهم.

أما الصاعقة الثانية فكانت في زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، واستقباله بحفاوة أذهلت البيت الأبيض ومن فيه، أما السجاد الأحمر الذي سار عليه سيادته فهو حكاية أخرى… تفسيرها متعدّد الوجوه في الأروقة الأميركية.

موسكو التي تناصر الجيش العربي السوري بسلاحها الجوي، تؤمن بعدالة قضية الشعب السوري، وتكبر صموده الأسطوري، وهي على ثقة بأنه الوحيد في العالم الذي يقاتل الإرهاب بجدية، ويقدّم التضحيات الكبيرة، ما دعاها إلى ثبات موقفها هذا.

موسكو تدعم الجيش السوري لأنها ترفض امتداد الإرهاب إلى أراضيها، وهذا ما أعلنه الرئيس بوتين في الأمم المتحدة، قبل أن تلبّي فعلياً طلب سورية في مساعدتها جوياً، ما يعرّي الدول ذات المواقف المزدوجة في ادّعائها محاربة الإرهاب فيما هي تدعمه.

صاعقتان ضربتا موازين الإدارة الأميركية، وجعلت خططها تتلاشى مع حلفائها. والآن تبحث عن حليف لها على الأرض السورية، فلا تجد إلا الإرهاب الذي ما زالت ترعاه، وتغذيه بشكل دعمته «خطأ»، كالذي حدث في عين العرب السورية.

السلاح الذي أوصلته إلى الإرهابيين في الشمال السوري عبر طائراتها، يؤكد عليه اليوم وزير الدفاع الأميركي، وهو يدعو جميع العصابات المسلحة في سورية لمحاربة الجيش العربي السوري، بما فيهم «جبهة النصرة» و«داعش» رغم أنهما مصنفتان وفق قرارات الأمم المتحدة كمنظمتين إرهابيتين.

الأمر وصل إلى صفاقةٍ أكثر من هذه الدعوة الجائرة المنفرة، والتي تجانب المواثيق الدولية، فهي تجاهر بأنها ألقت عبر طائراتها التحالفية لمكافحة الإرهاب، آلاف الأطنان من السلاح، والتي وصلت إلى «داعش» شمال سورية.

العمى عن تداعيات الأزمة السورية، يضرب العواصم التي تدعم الإرهاب، أما نحن في سورية فإننا مصمّمون على القضاء عليه، رغم ضعف النظام العربي العام، وتخلّيه عن سورية، ولا نطلب منهم إلا عدم دعم الإرهاب، وعين لا تراهم.

سورية مع الحليف الروسي تعمل ضدّ الإرهاب، وتنجز الكثير، ما غيّر موازين القوى على الأرض، الأمر الذي جعل العصابات الإرهابية تفرّ، وتحاول لملمة أشلائها بعد تقطيع أوصالها، لتدخلها العناية المشدّدة برعاية أميركا وعملائها.

الجميع يتحدّث عن الحلّ السياسي في سورية، وعند الوصول إلى طاولة الحوار، تتناقض تصريحات المشاركين مع الأفعال على الأرض، كما في موقف جبير السعودية، ما يعرقل العمل السياسي لأجل حلّ الأزمة السورية.

الولايات المتحدة الأميركية بدل الانخراط كدولة عظمى، في المساهمة مع روسيا وصولاً إلى حلّ سياسي في سورية، نجدها تدعو إلى إصلاح شامل لدعم المعارضة، التي تدعوها بـ«المعتدلة» مع أنها توجه السلاح إلى صدور السوريين وظهورهم.

مراجعة أميركا تتخبّط فيها مع حلفائها، «إسرائيل» وتركيا والسعودية، لتضع نفسها في مواجهة صاعقتي السوخوي، ولقاء القائدين الأسد وبوتين، عبر دعم الإرهاب على الأراضي السورية، وبذل الجهود لمنع الجيش العربي السوري وحلفائه من التفوّق.

أبواق أميركية بشخوص تدعى بالعربية كالمدعو د. مهدي عفيفي، مصري يقيم في مصر، ويعرف عن ذاته بتفاخر أنه ناشط في الحزب الديمقراطي الأميركي، يصف العصابات الإرهابية في سورية، بـ«المجموعات المقاومة»، في محاولة للنيل من سمو المقاومة…

عملاء أميركا وداعمو الإرهاب، لم يعد للحياء من موضع على وجوههم وتصرّفاتهم، بدءاً من أوباما، الذي يتحدث عن حرب استنزاف في سورية، يصبو بعده للوصول بسورية إلى مرحلة الدولة الفاشلة، بإضعاف جيشها.

أما غلام الخارجية السعودية، ومن يجاريه في ترّهاته التي يصدرها، فليته يلتفت إلى بلده ليكون له دستور، بدل التحدث عن تغيير الدستور السوري، وليته يطالب العائلة المالكة التي استخدمته من خارج أسرتها، لانتخابات تنتج مؤسسة تمثل الشعب.

همّ الغلام أن لا يكون للأسد دور في الحلّ السياسي، ولم يسأل نفسه بأيّ حق يتحدّث عن أمر يخصّ الشعب السوري وحده، وأسفاً أنه يأخذ تحت عباءته تصريحات غير واضحة، على لسان وزير الخارجية المصري، في موقف يتأرجح مداً وجزراً.

الأمر الذي تجافيه روسيا بثباتها على موقفها، في دعم الجيش العربي السوري، والتأكيد على أنّ مستقبل سورية السياسي، ومن يقوده، شأن الشعب السوري وحده فهو المرجعية الأساس والوحيدة.

المشاركة العسكرية الروسية، في محاربة الإرهاب مع سورية، فرضت على واشنطن مراجعات عديدة، قد لا تكون جميعها منطقية، أو تصبّ في قناة تحقيق السلام، أو ضمن الشرعية والمواثيق الدولية، لكنها تشغل الرأي العام وتحليلاته.

العالم اليوم ينقسم إلى أعمى، لا يرى أنّ للإرهاب امتداداً سيطال الجميع، حتى من يدعمه إنْ لم يُقضَ عليه، أو لا يرى ضرورة في القضاء عليه، ما دام لم يصل إليه، بل قد يجد في دعمه داخل سورية، أداة للحفاظ على موقع له في المشهد السوري.

الآراء تتخبّط بين داعم للإرهاب لإسقاط الدولة السورية، وفي ذات الوقت يدّعي أنه لا يريد تكرار تجربة العراق الفاشلة، ويريد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وشعبها، ومكونات الدولة وتماسك الجيش، أيّ خبط عشواء هذا المفعم بالمتناقضات.

في النهاية للأعمى، ولمن لا يريد أن يرى، نقول إنّ الشعب السوري وحده من يقرّر مصيره، ووحده المعني بخياره لرئيسه، ولن يتخلى عنه.

أما من يريد الوقوف معه حقيقة كحليفه الروسي، أو مساعدته كحليفه الإيراني، في القضاء على الإرهاب. وحتى من يستدير بسلاحه عن صدور السوريين، ليوجهه مع الجيش لجهة الإرهاب، فأهلاً بجهوده، وإلا فإنه يكتفي بهما.

من يرغب بالمساهمة مع الشعب السوري والساعين معه للحلّ سياسي، والجلوس إلى طاولة حوار تخرجه من أزمته على قاعدة التخلص أولاً من الإرهاب، فمرحَّب به.

كلّ ما دون ذلك أو أكثر فلن يكون ضمن اهتمامات الشعب السوري ولا جيشه ولا حلفائه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى