همجيّات الاحتلال الصهيونيّ لن تكسر عزيمة الفلسطينيّ
حسام زيدان
كان خطف الجنود الصهاينة الثلاثة خبراً مفرحاً استدعى خروج الفلسطينيين في الشوارع وتوزيع الحلوى على المارة، رغم الحملة الأمنية والعسكرية الصهيونية الشرسة التي طالت مئات الفلسطينيين، وداهمت آلاف البيوت، وأغلقت المدن والقرى في الضفة الغربية. والتهديد الصهيوني لا يزال قائماً عبر المزيد من الإجراءات القمعية والعقابية القاسية التي لا تستثني أحداً، في الضفة والقطاع.
شعب فلسطين غمره إحساس القوة عقب إعلان الكيان الصهيوني عن فقدانه الاتصال بالجنود الثلاثة في الخليل. هذه العملية الأمنية الدقيقة أعادت إحياء الروح داخل الواقع الفلسطيني في الضفة الغربية، رغم إدراك الشارع الفلسطيني ما سيدفعه الفلسطينيون ثمناً لهذه العملية، لكنهم على استعداد تامّ للتحمّل لأجل كرامتهم ولأجل تحرير الأسرى. وبقدر ما شعر الفلسطينيون بالفخر والعزة، كان الصهيوني بقياداته العسكرية والأمنية يشعر بالذل والإهانة الكبيرة لأجهزته الأمنية، فالعملية ضربة قاسية أثبتت أن استخبارات الكيان الصهيوني ليست أسطورية ويمكن اختراق إجراءاتها الأمنية، والتعامل مع أساليبها إذا توافر العقل المقاوم الفلسطيني. تطور الأسلوب الأمني لدى المقاومين بدا شديد الوضوح، إذ لم يتركوا وراءهم ما يدل على الجهة المسؤولة عن الأسر، متّبعين أدقّ المعايير الأمنية التي لم تشهدها الساحة الفلسطينية منذ غياب عقولها الأمنية مثل وديع حداد وأبو جهاد خليل الوزير، فالكتمان الكامل كان أبرز تكتيك اتبعه المقاومون في تنفيذ العملية. المقاومة الفلسطينية وبعد احتكاكها المباشر مع المقاومة الإسلامية في لبنان، بدأت تطوّر جديّاً مفاهيمها الأمنية والعسكرية، تزامناً مع تنظيف صفوف المقاومة من الاختراق والعملاء قدر الإمكان. وتدلّ عملية الأسر على الحسّ الأمني الذي بدا جليّاً ابتعاده عن الاستعراض، تحديداً بعد فشل بعض أجنحة المقاومة في أسر جنود لأسباب تافهة مثل مكالمة هاتفية تشكل دليلاً، إلا أنّ منفذي العملية الأخيرة لم يستخدموا أي وسيلة إلكترونية للتواصل ولا حتى رسالة على الهاتف المحمول، متبعين القاعدة الأمنية التي تنص على أن خروج أي معلومة أمنية أو عسكرية أو حتى شخصية عبر وسائل التواصل الإلكتروني أو الهاتف لم تعد ملكك بل أضحت ملك أجهزة استخبارات كثيرة في المنطقة. وأعتقد شخصياً أنّ المقاومين تخلصوا من أجهزة الهواتف المحمولة خاصتهم قبل تنفيذ العملية، فالأجهزة الأمنية الصهيونية قادرة على تحديد مكان الخاطفين من خلال أجهزة الهاتف حتى لو لم تستخدم. في الوقت نفسه، لا تكتمل ملامح المعرفة الأمنية لدى المقاومين تنفيذاً، فمرحلة الاحتفاظ بالأسرى وإرغام العدو الصهيوني على عملية التبادل التي يمكن أن تأخذ وقتاً طويلاً هي الأهمّ، ومن الحالات الأمنية المعقدة والصعبة جداً التي لا تحتمل أي خطأ، فالترتيبات المتخذة للحفاظ على الأسرى تتطلب مكاناً ملائماً، بعيداً عن أعين الناس واستخبارات الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى تزويده سبل الحياة ومخارج النجاة وأكثر من مدخل سري ذي تمويه عال ودقيق لا يفسح أي مجال للشك لدى المواطن العادي، فما بالك بأجهزة الاستخبارات الصهيونية، وهذا كله لا ينفصل عن فرقة إمداد لوجستي للمقاومين المنشغلين بحراسة الجنود الصهاينة في الأسر.
يدرك الفلسطينيون جيداً أنّ الكيان الصهيوني سيلجأ إلى إجراءات قاسية ضدّهم، وأنّ العدو الصهيوني لن يتبدّل ولن يغيّر أساليبه القائمة على القتل، وسارع فعلاً إلى تنفيذ اعتقالات عشوائية في صفوف الحركات المقاومة وأعاد اعتقال الأسرى المحرّرين وداهم البيوت والمؤسسات والمساجد والجمعيات، وتدحرجت كرة اللهب من الخليل إلى بقية المدن الفلسطينية وقطاع غزة، وبدأ ذلك بغاراتٍ عديدة طاولت أكثر من هدفٍ فيه، لكنه يعلم من تجاربه السابقة أنّ تلك الإجراءات لن تجدي نفعاً مع الشعب الفلسطيني ولن يستطع هذا الكيان أن يخلق شرخاً بين المقاومة والشارع الفلسطيني بتلك الأفعال كلها، ومحاولاته الفاشلة والدائمة لإقناع الشارع الفلسطيني أنّ سبب معاناته هي المقاومة لم تثمر، رغم تبنّي السلطة الفلسطينية هذا المفهوم والترويج له.
بدأ الشارع الفلسطيني سريعاً الاستعداد لمواجهة جميع الاحتمالات، بصبرٍ لا يعرف العجز، وبيقين لا يقبل الشك في أنهم سيتجاوزون هذه الحملة ومحاولات التجويع والحصار والعزل والعقاب الجماعي، فهي إجراءات مستمرة منذ خلق هذا الكيان، ولم تتوقف لا بسلطة أوسلو ولا بسواها، والفلسطيني يعلم أنّ ما يقوم به كيان الاحتلال من اعتقال وقصف وتشديد حصار يندرج ضمن الإجراءات اليومية التي يقوم بها. فالفلسطينيون اليوم لا ينتظرون إلاّ يوم التبادل والإفراج عن الأسرى بنجاح هذه العملية، غير مكترثين بما يجري، بل يتطلعون إلى المزيد من عمليات المقاومة النوعية.