سلام بين خيارَيْ الاستقالة الممنوعة إقليمياً والاعتكاف المحروق لبنانياً
يوسف المصري
الرئيس تمّام سلام عالق بين خيارين اثنين لا يملك إجابة عملية عليهما الأول الاستقالة التي تنجّيه من الاستمرار في موقعه كشاهد زور أمام محكمة مطالب الشعب المحقة والتي أصبح ملف النفايات رمزاً نافراً لها الثاني الاستمرار بالمكابرة والإيحاء بأنّ مساعيه، وبالأساس صبره، ستكون قادرة في النهاية على إنتاج فَرَج إيجابي على مستوى عمل الحكومة، ولو جزئياً.
والواقع إنّ «تمام بك» نفسه يدرك أنّ كلا الخيارين الآنفين ليسا في متناول يده، وحصيلتهما تعني استمراره بالمراوحة، حيث هو عالق الآن.
لا يستطيع الرئيس سلام الاستقالة لأسباب كثيرة وكلها إذا جاز التعبير «استراتيجية». فهو كشخصية تمتاز بحرصها على الدستور، يعرف أنّ استقالته لن تكون دستورية نظراً لغياب رئيس الجمهورية بوصفه الجهة المفترض أن يرفع هذه الاستقالة له، وان يتعامل مع نتائجها على نحو لا يسود فراغ دستوري في اليوم التالي بعدها. وبغضّ النظر عن أسبابها العملية المفهومة، فإنّ استقالة سلام ستقدّمه على أنه رجل أخلاقي ومعنوي، ولكن لن تقدّمه على أنه رجل دولة. سيبدو لو فعلها كمن يقفز فوق الدستور لتحصيل سبب مصلحي لراحة ضميره ولمعنوياته. ببساطة سيظهر كقائد طائرة قرّر القفز منها بالمظلة احتجاجاً على عدم مسؤولية ركابها وتجاوزاتهم قوانين السلامة العامة. وعليه فإنّ التحلي بالمسؤولية يقضي بألا يعلن سلام استقالته من مهمة قيادة الطائرة إلا بعد أن تهبط بسلام على أرض المطار. والتطبيق السياسي لهذا المثل على حالته الراهنة، يعني أنّ سلام كرجل دولة لن يكون في إمكانه الاستقالة إلا بعد انتحاب رئيس جمهورية.
أيضاً الاعتكاف خيار قد يتمّ النظر إليه داخلياً وخارجياً بوصفه أنه غير مسؤول لكونه نصف استقالة من ناحية وأسرع وصفة لبلوغها كاملة لاحقاً من ناحية ثانية. فالرهان على أنّ الاعتكاف قادر على إحداث صدمة إيجابية للقوى السياسية يُجبرها على «التزحزح» عن مطالبها المعطَّلة، هو أمر غير وارد. فالتعطيل أسبابه خارجية، والصدمة الداخلية لن يكون لها أي ترجيع على الوقائع الداخلية السياسية اللبنانية. ثم أنّ الاعتكاف في حالة البلد الراهنة وظروف انسداد الحلول الآتية من الإقليم إليه، ستكون بمثابة أسرع وصفة لجعل سلام يصل للاستقالة الإجبارية. لو اعتكف سلام شهراً وشهرين من دون نتيجة فالسؤال الذي سيواجهه حينها، هو عن طبيعة خطوته التالية: هل يعود عنها مقابل لا شيء، أم هل ينتقل منها للخطوة التالية المنطقية أي الاستقالة؟ علماً أنّ إقدامه على الخطوة الأخيرة ستكون دونه محاذير داخلية وخارجية لا طاقة لسلام على تحمّلها…
مأساة سلام أنه لا يملك أوراق ضغط داخلية. وحتى لو قلد «طلعت ريحتكم» وسمّى أسماء المعطّلين والفاسدين بأسمائهم، فسيظهر له أنّ نظام المحاصصة أقوى منه ومن كلامه. والأكيد أنّ سلام المطلع على التجربة اللبنانية ليس في وارد سلام أن يكون «فؤاد شهاب السني» الذي يهزّ شجرة الطبقة السياسية ويلوّح لها بعصا الدستور وجزرة التنازلات.
وفي الأساس يدرك سلام أيضاً أنّ تسميته كانت إقليمية، وأسبابها خلق وضع في لبنان يتلاءم مع موجبات انتظار الحلّ المعقَّد، وتمرير الوقت الإقليمي الصعب في البلد بأقل نسبة من الخسائر الأمنية والكيانية، وملء فراغ رئاسة الجمهورية إلى حين انتخاب الرئيس. وكلّ هذه الأسباب لا تزال قائمة، وعليه فإنّ سلام لا يستطيع القول للإقليميين إنه تعب من المهمة التي انتدبوه إليها في لبنان، وذلك قبل انتهاء دواعيها، خاصة في ظلّ تعقيد دستوري داخلي وإقليمي خارجي عالق فيه لبنان، ويمنع إنتاج أيّ حلّ آخر يمكن الاستعاضة به عن حلّ الحكومة السلامية ولو المشلولة.
سيبقى سلام سجيناً داخل السراي الحكومي بانتظار حلّ إقليمي يبدو أنه صار أبعد، أو أقله بانتظار هدنة إقليمية في لبنان يتمّ استقطاعها من الصراع الإقليمي الساخن المستمرّ لتبريد أزمته وجعلها محمولة وحتى هذا الخيار الأخير صار بعيداً في ظلّ مرحلة ما بعد حادثة منى التي أدخلت الصراع الإيراني ـــ السعودي في اشتباك هو الأعنف منذ بدء الأحداث في سورية العام 2011.
خلاصة القول إنّ الاستقالة هي ورقة محرّمة إقليمياً، كما أنّ الاعتكاف هو ورقة محروقة داخلياً ففي الماضي جرّبها الرئيس رشيد كرامي من دون أن تؤدّي إلى نتيجة.
يبقى الحلّ بأن يتسلح سلام بصبر رجل الدولة في انتظار بروز أفق يسمح به الوضع الإقليمي.