الجعفري: يجب وضع حدّ للدول الداعمة للإرهاب والحلّ السياسي ينتجه حوار داخلي بقيادة سورية

تنشر «البناء» النص الكامل لكلمة السفير المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة د. بشار الجعفري، أمام مجلس الأمن خلال مناقشة الحالة في الشرق الأوسط، كما عرضها تقرير الأمين العام لجمعية الأمم المتحدة بان كي مون حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191 الخاصة بالوضع الإنساني في سورية.

استهلّ الجعفري كلمته مقتبساً قولاً لألبيرت آينشتاين جاء فيه: «الجنون هو أن تفعل الشيء ذاته مرةً بعد أخرى، متوقعاً أن تحصل على نتيجةٍ مختلفةٍ»… الآن وبعد مضيّ ما يقارب الستين عاماً على وفاة آينشتاين، يبدو أنّ بعض الحكومات لم تدرك، بعد، هذه الحقيقة وما زالت تصرّ على تكرار ارتكاب أخطائها وسوء حساباتها، متوقعة كلّ مرة الحصول على نتائج مختلفة.

وتابع الجعفري: لقد ثبت أنّ التدخل الخارجي في شؤون الدول الداخلية لا يؤدّي إلاّ إلى تدمير هذه الدول المستهدَفة، وخلق أزمات إنسانية مفتعلة فيها، ونشر الفوضى والدمار، وتحويلها إلى مصانع لتفريخ المتطرفين والإرهابيين… هذا بالضبط ما حدث عندما دمّروا العراق وليبيا ودولاً أخرى، فجلبوا لنا «داعش» و«جبهة النصرة» و«خراسان» وغيرهم، وصار للإرهاب «دولة» و«خلافة» كما يحلو للبعض أن يقول… وعلى الرغم من ذلك ما زالت تلك الحكومات ذاتها، التي خالفت منطق آينشتاين، تصرّ على تطبيق الوصفة المسمومة ذاتها في سورية وتحت الشعارات نفسها، وذلك على الرغم من أنّ الجميع قد أيقن فداحة هذا النهج التدخلي الهدّام، بما في ذلك مهندسو تلك التدخلات. فها هو رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، طوني بلير يخرج علينا مؤخراً، بعد اثني عشر عاماً على الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق، ليعترف بأنه قد تمّ غزو العراق بناء على معلومات خاطئة وكاذبة. والآن، وبعد مضيّ أربع عشرة سنة على الهجوم الإرهابي على مركز التجارة العالمي في نيويورك، نرى بأنّ الاستراتيجيات التي تمّ تبنّيها في إطار الحرب على الإرهاب، قد خلقت المئات من «بن لادن» بدلاً من القضاء على «بن لادن» واحد… وبدلاً من تنظيم «قاعدة» واحد في أفغانستان «أصبح لدينا عشرات التنظيمات التي تتبنّى فكر «القاعدة» في بلدان عدة من العالم، لا بل إنّ الإرهاب قد وصل إلى عقر داعميه ومروِّجيه…

لو نظرنا إلى الوضع الإنساني في سورية لشاهدنا الأمر نفسه، ألا وهو إصرار البعض على ممارسة السياسات الخاطئة نفسها وتوقع الحصول على نتائج مختلفة. فالبعض يدّعي أنه يريد حلّ الأزمة الإنسانية في سورية ولكنه ما زال يرفض إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، وما زال يمضي في فرض إجراءاته الاقتصادية الأحادية الجانب على الشعب السوري، وما زال يُنكر دور الحكومة السورية ويرفض التنسيق معها في ما يخصّ تقديم المساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب… الآن وبعد مضيّ خمس سنوات على بدء الأزمة، تبيّن للجميع فشل هذه السياسات في حلّ الأزمة الإنسانية، لا بل تبيّن أنها قد زادت من حدّة هذه الأزمة ووسّعت معاناة الشعب السوري فأجبرت قسماً منه على اللجوء أو النزوح. إذاً، يجب تغيير هذه المدخلات إذا أردنا فعلاً الحصول على نتائج مختلفة تؤدّي إلى تحسين الوضع الإنساني في سورية بشكل ملموس وحقيقي ومُستدام. وبالتالي هناك عدد من الخطوات المطلوب اتخاذها في هذا الصدد:

الخطوة الأولى تتمثّل في التركيز على معالجة السبب الرئيسي لنشوء هذه الأزمة ألا وهو بروز وانتشار ظاهرة الإرهاب المدعوم خارجياً، وذلك عبر تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، خاصة القرارات 2170 و2178 و2199، وذلك بالتنسيق والتعاون الكامليّن مع الحكومة السوريّة.

إنّ مكابرة البعض، ممن لا همّ لهم إلا التشهير بالحكومة السورية وبالرئيس السوري وبالجيش السوري، وتفضيلهم التعامل مع شيطان الإرهاب على التعامل مع الدولة السورية لمواجهة هذا الشيطان، هي حالة عبثية لا علاقة لها بقواعد التفكير والسلوك السليم ومبادئ العلوم السياسية والاستراتيجيا… فهذه الحالة العبثية أدّت إلى وجود عشرات الآلاف من الإرهابيين المرتزقة الأجانب الذين قدموا الى بلادي وإلى العراق من أكثر من 100 دولة، وذلك وفقاً للتقارير التسعة الصادرة عن لجنة مجلس الأمن المعنية بالقاعدة ولجنة مكافحة الإرهاب التابعة للمجلس… وبالتالي فإنّ «داعش» و«جبهة النصرة» وأخواتهما لم يأتوا من الفراغ، بل هناك من تبنّى هؤلاء الإرهابيين وموّلهم ودرّبهم وسهّل تنقلهم عبر المطارات والحدود ومَنَحهم تأشيرات الدخول، وهناك مَن مكّنهم من الاتّجار بالنفط والغاز والآثار عبر وسطاء أتراك، هذا كله لا يُسمّى «معارضة سورية مسلحة من غير الدول»، هذا يُسمّى إرهاباً دولياً.

إذاً، يجب وضع حدّ لممارسات حكومات بعض الدول التي ما زالت تموّل وتسلّح وتدرّب الإرهابيين. فلا يمكن الحديث عن إنهاء أوجاع وآلام السوريين وعن إنهاء الأزمة الإنسانية في سورية في ظلّ السكوت عن استمرار تركيا والأردن في استخدام أراضيهما مقراً وممراً للإرهابيين المرتزقة الأجانب. وفي ظلّ تفضيل نظامَي الحكم في السعودية وقطر وغيرهما دعم الإرهاب علناً بكلّ سخاء، على تمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي لم تزد نسبة تمويلها حتى الآن عن 37 في المئة، على الرغم من كلّ تلك المؤتمرات الاستعراضية التي عُقدت هنا وهناك لهذا الغرض. هذا في حين أنفقت الولايات المتحدة نصف مليار دولار أميركي، وهو مبلغ يكفي لسدّ معظم العجز التمويلي في خطة الاستجابة، على ما تسمّيه «برنامج تدريب وتجهيز المعارضة المعتدلة»، والذي بقي منه خمسة أفراد فقط، لا بل إنّ «جبهة النصرة» الإرهابية قد استولت على المعدّات والأسلحة التي قدّمتها الولايات المتحدة لهؤلاء.

إنّ الحديث عن مكافحة الإرهاب يقودني إلى الخطوة الثانية المطلوبة لحلّ الأزمة الإنسانية، ألا وهي دعم الحلّ السياسي، لأنّ محاربة الإرهاب ستُسهم في إنجاح هذا الحلّ الذي يجب أن يأتي عبر الحوار السوري ـ السوري وبقيادة سورية ومن دون تدخل خارجي، وبما يضمن سيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها… هذا هو مضمون بيان جنيف. وهذا ما أكدته كلّ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بسورية، وقبل هذا وذاك، هذا ما يتفق مع أحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي. وفي هذا الصدد أذكّر بأنّ الحكومة السورية قد أعلنت من قلب الجمعية العامة، وعلى لسان وزير خارجيتها، موافقتها على المشاركة في مجموعات العمل التي اقترحها المبعوث الخاص، السيد دي ميستورا، وذلك من منطلق إيماننا بالحلّ السياسي الذي أتحدّث عنه إلا أنّ المشكلة ما زالت تكمن لدى الأطراف الأخرى التي تصرّ على إفشال أيّ مسار سياسي وتراهن على التدخل الخارجي، تماماً كما كان عليه الحال مع مبادرة السيد دي ميستورا بتجميد القتال في مدينة حلب كما تذكرون، وكما كان عليه الحال، قبل ذلك، في مؤتمر جنيف 2، وخطة كوفي عنان ولكن، وعلى الرغم من ذلك، ما زال هناك مَن يقول، ظلماً وبهتاناً، بأنّ الحكومة السورية ترفض الحلّ السياسي في الوقت الذي يتستّر فيه، هذا البعض، على الجهات التي رفضت مبادرة السيد دي ميستورا.

من جديد جاء تقرير الأمين العام الأخير حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191 ، وهو التقرير العشرون، كما تعرفون، مسيَّساً ومنحازاً ومتضمّناً العديد من الفجوات والمغالطات، وقد قمنا يوم أمس بتوجيه رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام بهذا الخصوص. ولكنني سأكتفي الآن بالإشارة، فقط، إلى أنّ التقرير أغفل استهداف طيران ما يُسمّى «التحالف» للمدنيين الأبرياء وللبنى التحتية في سورية من طرقات وجسور ومصافي نفط ومدارس ومشافٍ… هذه الهجمات التي لم يسلم منها حتى محطة الكهرباء غرب مدينة حلب، وهي المحطة الوحيدة التي تغذي مدينة حلب، ومركزاً للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة الرقة حيث دمّرته وقتلت العشرات من نزلائه الأطفال الأبرياء، وكلّ ذلك تحت ذريعة استهداف «داعش»، علماً بأنه على الرغم من مرور أكثر من عام على بدء ضربات هذا «التحالف»، شهدنا زيادة في أعداد إرهابيّي «داعش» المستقدمين من الخارج وتوسّعاً في مناطق نفوذهم. والمثير للتساؤل هنا هو أنّ التقرير ذاته قد لجأ إلى تقارير تضليلية مجهولة المصدر وعديمة المصداقية ولا تهدف إلا إلى الصيد في الماء العكر والتشويش على الجهد المشترك الروسي ـ السوري في استهداف إرهابيّي «داعش» و«جبهة النصرة» وباقي التنظيمات الإرهابية، وذلك بناء على طلب الحكومة السورية، ووفقاً لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي أدّى إلى تقهقر المجموعات الإرهابيــة في أكثر من مكان واندحــارهم من العديد من المناطق التي يسيطرون عليها.

ختاماً، أودّ أن أشير الى أنّ مصطلح «المجموعات المسلحة المعارضة من غير الدول» هو فضيحة بحدّ ذاتها، لأنّ خارطة الإرهاب في سورية تناقض هذا الكلام، كما تناقض تقاريركم أنفسكم. ما يصفه التقرير بأنه «جماعات معارضة مسلحة من غير الدول» في حلب هو «جيش الفتح» الذي أنشأته تركيا، ويضمّ «جبهة النصرة»، و«أحرار الشام» التي أعلنت انضمامها إلى تنظيم «القاعدة»، و«جيش الإسلام» الذي ينشط في ريف دمشق وتموّله السعودية، ويضمّ شيشانيين وقوقازيين وأيغوريين، ووراءه تنظيم داعش الإرهابي، «لواء اليرموك» الذي تموّله غرفة عمليات «الموك» في الأردن يضمّ 8 آلاف سلفي أردني، وآلاف الإرهابيين الوهابيين السعوديين وغيرهم، المعارضة المسلحة غير الحكومية في منطقة الفصل في الجولان هي «جبهة النصرة» والتي تضمّ في صفوفها الكثير من المرتزقة الأجانب، وتساعدها «إسرائيل»، وقامت بمهاجمة قوات «أندوف» وخطفت حَفَظَة سلام من الفيجيين والفيليبنيين، كما تعرفون جميعاً. كلّ هذا يختصره تقرير الأمين العام باسم «مجموعات معارضة مسلحة من غير الدول»، أليس هؤلاء مرتزقة أجانب؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى