«يهودية إسرائيل» تطلّ من البوابة الداعشية…
سومر صالح
لطالما شكل الإرهاب المنظم في منطقتنا العربية والإسلامية أداة وظيفية في خدمة الأجندات الأميركية، ولا يبدو الأمر محض صدفة أن تظهر التنظيمات الإرهابية فقط في الأماكن الحيوية لمصالح الولايات المتحدة، مشكّلة ذريعة للتدخل، ضمن سيناريو متكرّر، لم يعد خافياً على أحد، وللمفارقة ذات الدلالة الواضحة أيضاً أنّ تنظيمات «القاعدة» ومخرجاتها التكفيرية لم تضع «إسرائيل» يوماً على قائمة أجنداتها طالما كان الأميركي هو صاحب المصلحة في بقاء تلك التنظيمات، ولكن الحدث الجديد الذي أربك تلك الاستراتيجية هو الدخول الروسي في المعركة ضدّ الإرهاب في سورية، ولا يبدو أنّ الأمر سيقف عند تلك الحدود، فقد تتوسع العمليات إلى العراق والحدود الأردنية، هذا الدخول أربك الولايات المتحدة حيث فقدت بذلك الذريعة العسكرية للتدخل أينما أرادت وكيفما شاءت، وكأنّ العملية العسكرية الروسية هي ضربة استباقية لسيناريوات كانت تبدو قريبة في جمهوريات وسط آسيا…
إذاً، نستطيع القول إنّ الاستثمار الأميركي للإرهاب دخل مرحلة الأفول، وقد يكون الأمر أبعد من ذلك قليلاً، حيث تشكل الضربات الأميركية لتنظيم «خراسان» الإرهابي حالة نوعية في استراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية، وللعلم فإنّ قادة التنظيم يشكلون العقل المدبّر لـ»داعش» والمصدر المموّل لـ»القاعدة»، وبما يوحي بأنّ الولايات المتحدة تريد التخلص من عبء الفضيحة التاريخية إنْ وقع أحد أفرادها في أيدي الجيش السوري أو ربما روسيا.
وفي خضمّ الانهيار الدراماتيكي لمشروع الإرهاب في الشرق الأوسط، أطلت «إسرائيل» برأسها لتحصيل ما يمكن تحصيله من محصول الإرهاب الذي غرسته الولايات المتحدة في منطقتنا، قبل أن يقضي عليه الصقيع القطبي الآتي من روسيا، ومن دون مقدّمات أو إرهاصات يعلن تنظيم «داعش» عبر فيديو قصير توعّده بحرب في القدس وما حولها، لتقوم الحكومة «الإسرائيلية» على الفور بإدراج تنظيمات «داعش» و»النصرة» و»كتائب عبدالله عزام» على لوائح الإرهاب لديها، هذا الإرهاب حتى الأمس كان حليفاً لها في حوران والقنيطرة وما زال إلى حين، فما هو الجديد الذي حصل؟ وما هو السيناريو المتوقع؟ فالحدث يمثل علامة فارقة للتاريخ ولا نبالغ بهذا التوصيف، لأننا نعلم ونحن أصحاب هذه الأرض أنّ كلّ التنظيمات التي ترفع رايات الجهاد المتأسلم ما هي إلا بدعة صهيو ـ أميركية وأكذوبة باتت مفضوحة، فحركات الجهاد الحقيقة معروفة، وبوصلتها فلسطين وعدوّها «إسرائيل» وداعموها فقط، وليست شعارات تكفير المذاهب ودفع الجزى وقطع الرؤوس… وكما ورد آنفاً، فإنّ المشروع الإرهابي إلى الأفول ولو بدا الأمر شاقاً، ولكنه أضحى حقيقة ثابتة.
كان اللافت في إعلان «داعش» هو تسمية القدس تحديداً وليس عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، تلك المدينة العربية المقدسة تعيش ظروفاً استثنائية وصعبة وتشهد إرهاصات اندلاع انتفاضة ثالثة تصوّب مسار الأمور في الأراضي المحتلة، إذاً في الأمر مكيدة صهيونية مدبّرة لا محالة، فنتنياهو يعيش حلماً يمينياً متطرفاً بإعلان «إسرائيل» «دولة يهودية»، وهو ما أقدم عليه العام الماضي بعدما أقرّه بالغالبية في جلسة الحكومة «الإسرائيلية» بتاريخ 23/11/2014، ولكن الأمور لم تسر بما خطط له نتنياهو، واندلعت أزمة سياسية حادة، أفضت بتاريخ 2/12/2014 إلى عزل حزبي «هناك مستقبل» بزعامة وزير المالية يائير لابيد و»الحركة» بزعامة وزيرة العدل تسيبي ليفني من الحكومة السابقة، هذه الأزمة السياسية قادت إلى حلّ الكنيست لنفسه بتاريخ 8/12/2014 مفسحاً المجال أمام انتخابات مبكرة جرت في آذار 2015 ولكنها أفضت أيضاً بالنتيجة إلى سحب مشروع القانون من الكنيست، لأنّ احتمالات الفشل كبيرة، والخلاف طبعاً ليس على المبدأ بل على مدى «يهودية الدولة» وموقع الهاجلاه في التشريع الصهيوني، بالتالي نتنياهو يحتاج إلى حدث مؤثر يفرض على التيارات المناوئة له القبول باستراتيجية التهويد بغضّ النظر عن التفاصيل موقتاً، من هنا نضع تهديدات «داعش» للكيان «الإسرائيلي» في خانة المؤامرة المدبّرة لإيجاد حدث كهذا يحتم إعلان «إسرائيل هويتها اليهودية» المزعومة أمام حالة الجهاد الداعشي المتصهين، وبذات الوقت يشتت الجهود الفلسطينية لتصعيد الهبّة الشعبية ودفعها باتجاه الانتفاضة الثالثة بدواعي الفوضى أمام احتمالات التغلغل الداعشي فيها، أمر سيعيد التنسيق الأمني بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية إلى سابق عهده، وللتنويه فقط كان التنظيم الإرهابي قد أعلن سابقاً وجوده في قطاع غزة الفلسطيني، وبالتالي قد تجدها «إسرائيل» فرصة سانحة وذريعة للتدخل العسكري في قطاع غزة.
إذاً نجد أنّ «إسرائيل» وعلى خطى حليفها الأميركي تحاول استثمار الإرهاب الوظيفي لفرض أجندتها التهويدية في الأراضي المحتلة، وهنا يُطرح التساؤل الإشكالي التالي: هل يشكل التهديد الداعشي الهوليودي لـ»إسرائيل» مستقبلاً مدخلاً للتطبيع بين رعاة «داعش» العرب والعقل المدبّر «إسرائيل»، بداعي المواجهة المشتركة ؟! إنه حلم النعاج العربية.