السنيورة يعترض على «الرئيس المقاوم»: ماذا عن المفآجات الأميركية؟
روزانا رمّال
معضلة انتخاب الرئيس اللبناني محلياً لا تزال عالقة منذ ما بعد الاستقلال عن الفرنسيين، أيّ عام 1943، فلبنان لم يستطع، ما عدا المرة اليتيمة التي حملت عام 1970 الرئيس الراحل سليمان فرنجية بفارق صوت واحد، انتخاب رئيس منبثق عن الندوة البرلمانية بأكثرية الأصوات التي تختار مرشحها الأفضل حسب اللعبة الديمقراطية في البلاد، او على الأقلّ حسب الدستور اللبناني، لا بل عرف بهذا الإطار الالتفاف على الدستور وتأجيل الاستحقاقات ومواعيدها وانتظار دائم للجوار وظروف المنطقة.
اليوم، حيث لا رئيس للجمهورية وفي ظلّ مجلس نيابي ممدّد لنفسه ومعطل، دخل لبنان صالون الانتظار هذا لكن هناك من أراد كسر بعض الجمود لئلا يسيطر على البلاد مناخ ينتج عنه انفجار كاد الشارع المدني يأخذ البلاد إليه لولا بعض المكابح التي وُضعت لضبط الأمور وإبقائها تحت السيطرة أمنياً وإعلامياً وتنسيقاً مع الخارج، وهنا تأتي وظيفة محاولات رئيس مجلس النواب نبيه بري كسر الجمود بإحداث خرق يظهر نوايا إيجابية لحلحلة العقد عبر حوار يبحث قانون الانتخاب وخصوصاً رئاسة الجمهورية وغيرها من البنود.
البحث في مواصفات الرئيس لاختيار المرشح الأمثل عنوان النقاشات التي دارت في الجلسة الأخيرة، وبين الاتفاق على اهمية تمتعه بشعبية ونزاهة وغيرها… استوقف الحاضرين على طاولة الحوار ما سجله الرئيس فؤاد السنيورة من اعتراض على ورود صفة «الرئيس المقاوم» التي طرحت في مواصفات الرئيس من قبل عدد من المشاركين، مطالباً باستبدالها بالرئيس «القادر على التحدّث مع الجميع»، معتبراً أنه «لا داعي لإجراء فحص دم دائماً لكي تثبتوا أننا ضدّ إسرائيل، ولا داعي لأن يزايد أحدنا على الآخر، فلندع هذا الأمر جانباً»، وهنا تدخل الرئيس بري متسائلاً عن جدوى هذا الاعتراض الغريب.
اعتراض السنيورة الذي لقي تأييداً من النائبين سامي الجميّل وبطرس حرب يعتبر موقفاً واضحاً له من أنه يريد تبنّي هذه القضية، وانّ معادلة الجيش والشعب والمقاومة لم تعد قائمة بالنسبة إليه، كي لا يتكرّس القبول الضمني بالمعادلة الثلاثية كأمر واقع، ما يعني أنه يريد تكريس تغيير في منهج سياسي دأب عليه التيار الذي ينتمي اليه خصوصاً مع الانقسامات الموجودة بين شخصياته ورئيسهم الغائب عن اجتماعات الحوار، وهنا يعتبر السنيورة قد مهّد لمرحلة معقدة يمكن ان يستشرفها اللبنانيون خصوصاً في ما يتعلق بهذا البند الأساسي.
اعتراض السنيورة يؤكد انّ موقفه نابع من اعتباره مقتنعاً بأنّ هذا الأمر هو من الثوابت التي لا يتراجع عنها، وربما لا يقدم السنيورة موقفه الشخصي فقط وإنما يقدم موقفاً اقليمياً او دولياً لم يكن ليتمسك به لولا انه يعرف انّ هذا الطرح هو بيت القصيد، وبالتالي فإنّ ما جرى يؤكد انّ المعضلة الاساسية التي تعترض التوصل إلى انتخاب رئيس الجمهورية هي العلاقة بينه وبين حزب الله، وهنا تبدأ الاسئلة بالتوارد تباعاً، فمثلاً، اذا كان السنيورة ومن يمثله لا يريد ان يتمتع الرئيس بصفة «الرئيس المقاوم»، فهذا يعني حكماً انّ على الرئيس ان لا يتعاطى مع حزب الله كفصيل مقاوم إنما كفصيل سياسي، وبالتالي فإنّ العماد جان قهوجي القادم من المؤسسة العسكرية التي عمل فيها تحت هذا الطرح، ايّ الجيش والشعب والمقاومة، لم يعد مرشح السنيورة الأول.
واذا كان قهوجي ليس على سلّم الأولويات كما يتبيّن من كلام السنيورة، فمن يكون اذاً هذا المرشح؟ ومن يمثل اذاً موقف السنيورة الذي تعدّى حتى رغبة تيار المستقبل او مستوى مقبوليته لقهوجي رئيساً، وهو الذي لا يمانع في هذا؟
الأكيد انّ السنيورة لم يقصد فقط العماد ميشال عون، وانّ معادلة الجيش والشعب والمقاومة سبّبت اكثر من مرة مناكفات أثناء جلسات، الحوار والجلسة الأخيرة لم تكن الوحيدة التي شهدت ذلك، ايّ انّ كلّ ما يتعلق بقرب الرئيس من حزب الله غير وارد.
لا تنفك واشنطن تحاول بث أجواء القلق من كلّ ما يتعلق بهذا الإطار وهي التي لا تريد للرئيس ان يكون على علاقة جيدة مع حزب الله وقد سعت لهذا مع الرئيس ميشال سليمان ونجحت نجاحاً باهراً محوّلة المعادلة الذهبية التي تباهى بها الشعب اللبناني مع رئيسه الى «معادلة خشبية» وترت الاجواء واستقرت عليها وهنا تطرح تباينات الموقفين الاميركي والسعودي لجهة ترشيح قهوجي المقبول سعودياً والذي زار المملكة لعدة مرات، وعليه فإنّ السنيورة لا يمثل الموقف السعودي في البلاد ولا داخل التيار حسب مصدر كان على علاقة جيدة بالرئيس الراحل رفيق الحريري الذي يؤكد على قرب السنيورة من الأميركيين اكثر منه الى السعوديين.
الاعتراض على «الرئيس المقاوم» يبدو ورقة تفاوضية تورّط واشنطن السنيورة بحملها وهي تدرك أنها ترمز بها لعلاقة الرئيس العتيد بحزب الله بمثل ما تدرك أنها عبر مفاوضات لاحقة مع إيران ستحتاج موافقة حزب الله الأكيدة للرئيس، وليس لدى السنيورة مشكلة في الخروج بسواد الوجه كما حدث بتحمّله قرار تفكيك شبكة اتصالات المقاومة في 5 أيار 2008.