القوى الكبرى تتصارع في الشرق الأوسط
مرّة جديدة، يحاول الإعلام الغربي تشويه صورة روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، والجهود الروسية المبذولة في سبيل القضاء على الإرهاب. وإليكم هذا المثال من صحيفة «نيويوركر» الأميركية.
في 20 تشرين الأولأH 2011، وهو اليوم الذي وجد فيه المقاتلون المتمرّدون الليبيون العقيد معمر القذافي مختبئاً في بالوعة مياه في الصحراء، ثمّ أخرجوه وقتلوه، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مؤتمر صحافي في حديقة الورود، وأعلن أن الولايات المتحدة قد «حقّقت أهدافها». هيلاري كلينتون، التي كانت آنذاك وزيرة للخارجية الأميركية، أعلنتها بطريقة أكثر غروراً، وقالت: لقد جئنا وشاهدنا، لقد مات .
الربيع الماضي، عندما قررت الولايات المتحدة الانضمام إلى الضربات الجوّية التي شنّها حلف شمال الأطلسي الناتو ضدّ ليبيا، قال البيت الأبيض إن تغيير النظام لم يكن الهدف، وهو ما أقنع روسيا آنذاك بعدم استخدام الفيتو ضدّ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يسمح باتخاذ إجراءات الولاية لحماية الليبيين من حاكمهم عن طريق جميع التدابير اللازمة.
كانت روسيا غاضبة من زحف قوات الناتو ولكن أوباما قال: «في مواجهة الفظائع الجماعية المحتملة، ودعوة الشعب الليبي، أوقفت الولايات المتحدة وأصدقاؤها وحلفاؤها قوات القذافي من المضي قدماً في طريقها».
وتابع: «الآن، أنجزت الولايات المتحدة مهمتها ولم يتردّد الليبيون في إقامة الديمقراطية الكاملة». وأضاف الرئيس: «يأتي هذا في وقت نرى قوة القيادة الأميركية في جميع أنحاء العالم. لقد أخرجنا قادة تنظيم القاعدة، ووضعناهم على طريق الهزيمة. نحن نقلّص الحرب في العراق، وبدأنا مرحلة انتقالية في أفغانستان».
بعد أربع سنوات، صارت ليبيا أرضاً مقفرة تعاني من معارك طاحنة، نتيجة مريرة. بعد كل شيء، جاء أوباما إلى السلطة واعداً بإخراج أميركا من حرب لا مبرّر لها كان قد ورثها في العراق ومقاومة الإقدام على المزيد من هذه المغامرات.
ما يزال الرئيس الأميركي يصرّ على أن الإطاحة بالقذافي كانت القرار الصحيح «على الإطلاق»، كما أخبر توماس فريدمان، في صحيفة «نيويورك تايمز»، السنة الماضية، ولكن ذلك علّمه عدم الانخراط في هذا العمل مرّة أخرى من دون خطة «ملء الفراغ» بعد النصر.
في الأمم المتحدة، أشار أوباما إلى أن التزام الولايات المتحدة أمام النظام الدولي تم «اختباره في سورية»«، ذلك البلد الذي يقع بين فكّي كماشة بين الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم «داعش» الذي يقطع رؤوس الأسرى، ويذبح الأبرياء، ويستعبد النساء.
وفي الحالتين قال الرئيس: «أنتم تتعاملون مع اعتداء على البشرية جمعاء». ولهذا السبب، أصر أوباما على موقفين في شأن سورية خلال السنوات الأربع الماضية: أن الأسد يجب أن يرحل وأنه لا يمكن أن يكون هناك استيعاب لتنظيمات كتنظيم «داعش».
وصل فلاديمير بوتين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو ينوي إظهار الولايات المتحدة باعتبارها «الفتوّة» العالمي. بعد أن تحدث أوباما، قال الرئيس الروسي في خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة إن أميركا لديها ميل، في فترة ما بعد الحرب الباردة، وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول، إلى تعزيز الثورات الديمقراطية في الخارج. وهذا ذكره، كما قال: «في بعض الحلقات من تاريخ الاتحاد السوفياتي، عندما قادت محاولات للضغط من أجل تغييرات داخل بلدان أخرى بناء على تفضيلات أيديولوجية في كثير من الأحيان إلى عواقب مأسوية وتدهور بدلاً من التقدّم».
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واصل بوتين قاصداً العراق وليبيا. «أدّى التدخل الأجنبي العدواني إلى تدمير وقح للمؤسسات الوطنية»، جنباً إلى جنب مع «العنف والفقر والكوارث الاجتماعية»، ومناخ حيث «لا أحد يهتم قليلاً بحقوق الإنسان». وبدلاً من الديمقراطية، ملأ الفراغ كل من سفك الدماء والتعصب، وكان الخطر الأكبر على النظام العالمي اليوم هو تنظيم «داعش»، الذي وُلد وازدهر بين حطام الدول التي تفككت بفعل القوة الأميركية من دون رادع.
تدخلات بوتين نفسه العدوانية الخارجية، وكان آخرها في شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، كلفته غالياً على الساحة الدولية، إذ باتت لديه سمعة مبررة باعتباره سياسياً ساخراً وحشياً.
وعلى رغم ذلك، ذهب بوتين إلى القول: لا يسعني أن أسأل أولئك الذين سببوا هذه الحالة، هل تدركون الآن ما قمتم به؟» مضيفًا أنه لا يتوقع جواباً، لكنه أوضح في الوقت ذاته أنه، في سورية، يجب أن تحدد موقفاً.
وأضاف: «نعتقد أن رفض التعاون مع الحكومة السورية وقواتها المسلحة، الذين يقاتلون ببسالة لمواجهة الإرهاب وجهاً لوجه، كان خطأ كبيراً». وبازدراء صريح لجهود إدارة أوباما الفاشلة في حشد قوة «المقاومة الديمقراطية المستقلة السورية»، أضاف: «علينا أن نعترف أخيراً بأن لا أحد سوى القوات المسلحة التابعة للرئيس الأسد والميليشيات الكردية يقاتلون حقّاً تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى في سورية».
وعلى عكس ذلك، لمّح بوتين، إلى أن الأميركيين كانوا يحاولون العمل مع بعض من تلك الجماعات الإرهابية الأخرى، محذّراً «أنهم فقط أذكياء كما أنتم، وأنتم لا تعلمون من يتلاعب بمن».
ليس من المستغرب أن يشار على نطاق واسع إلى الخلاف بين أوباما وبوتين على أنه مبارزة. كان من المستحيل تحليل كافة الأجندات المتداخلة والمشفرة في خطبة كلا الرئيسين. وحتى الآن، على كل ما قدّماه من سجال، كان هناك تيار مشترك في تصريحاتهما في شأن سورية. بوتين كان يسعى بوضوح إلى تأكيد موقف روسيا كوسيط قويّ في الشرق الأوسط، بينما لم يقدّم أوباما أيّ تحرّك لمنعه.
وقد فضل الرئيس دفع ثمن فعل القليل جداً في سورية، لا أكثر من اللازم. سيكون من السهل إلقاء اللوم عليه على ذلك، إذا كان لأحد أن ينسى ليبيا والعراق، ناهيك عن حقيقة أنه، في الأسبوع الماضي، استولت حركة «طالبان» على مدينة رئيسة في أفغانستان للمرّة الأولى منذ قامت الولايات المتحدة بتثبيت النظام الحالي في كابول، منذ 14 سنة مضت.
أوباما أخبر الأمم المتحدة أنه كان على استعداد لوضع مكافحة تنظيم «داعش» أولوية على قتال الأسد، والعمل مع روسيا وإيران لهذا الغرض، طالما عملت تلك الدول للمساعدة في إخراج الأسد.
يبدو ذلك تنازلاً طفيفاً، ولن يجدي نفعاً أن نتساءل لماذا قتل أكثر من 200 ألف من السوريين قبل أن يتم تحقيق ذلك. ثم، في اليوم التالي، بدأت الطائرات الروسية بقصف مجموعة متنوعة من الأهداف في جميع أنحاء سورية، وارتفع عدد القتلى مرّة أخرى.