عون بين حماية حقوق المسيحيين في لبنان والحرب المقدّسة

روزانا رمّال

يتواجد المسيحيون في المنطقة منذ نشأة الديانة المسيحية فالمشرق هو مهد المسيحية وفيه ولد السيد المسيح، ما يعني انّ المسيحية كانت الديانة الرئيسية فيه «يوماً ما»، لكن اليوم كلّ شيء تغيّر وانطلقت مفاهيم جديدة تحاكي الواقع المسيحي فيه حتى بات الجزء الآخر من العالم يحوي النسبة الأكبر من المسيحيين لتصبح نسبتهم في الشرق نحو 5 مقارنة بـ20 في أوائل القرن العشرين.

يعتبر لبنان المركز الأول لتجمعات مسيحيّي الشرق، بينما تشكل مصر أكبر تجمّع من حيث العدد. وهناك وجود هام للمسيحيين في سورية والأردن وفلسطين والعراق كما في بعض البلدان المجاورة مثل تركيا وإيران ايضاً.

إذاً لا يزال الوجود المسيحي في المنطقة حاضراً حتى مع انخفاض العدد بسبب عوامل عدة منها معدلات المواليد مقارنة مع المسلمين، والهجرة الواسعة النطاق بسبب الاضطهادات والأوضاع الاقتصادية، وقد استقرّ عدد كبير منهم في المغتربات، اضافة الى سبب هامّ منه معاداة المسيحية التي ظهرت اليوم على ألسنة وممارسات الجماعات المتطرفة التكفيرية الإرهابية، التي عاثت وتعيث فساداً وإجراماً في سورية والعراق وأينما حلت في البلدات المسيحية، ما فتح باباً من التساؤلات حول الغايات من هذه الممارسات انْ لم تكن لها علاقة بشعارات الحرية والديمقراطية التي قيل إنها سبب بدء نشأت الاحتجاجات في العالم العربي، ومن هنا فإنّ استهداف المسيحيين أصبح عبارة تتكرّر على ألسنة القادة المسيحيين في لبنان، وكان الاتفاق على أهمية التنبّه لهذا الخطر الداهم بين كافة المذاهب المسيحية.

لبنان الذي يمثل الكرسي المسيحية الوحيدة في الشرق يعاني من فراغها اليوم من دون ايّ إمكانية في فصل ملء فراغها عن استحقاقات المنطقة، والأهمّ من هذا انّ مؤسسات البلاد المتبقية القادرة على سدّ بعض من هذا الفراغ متهمة بالتشيع على تكريس صحة العمل السياسي في البلاد من دون رئيس، كاشفة انّ صلاحيات الرئيس لا تؤثر كثيراً على صيرورة القرارات، منها مثلاً الندوة البرلمانية القادرة على تغطية ملفات أساسية في البلاد، لذلك يتردّد اليوم مصطلح «تشريع الضرورة» الذي يمكن ان يكون أحد المخارج.

وبالعودة الى استهداف المسيحيين الذي لا يمكن ان يكون من دون البدء في لبنان، يلاحظ انّ الاستقرار الموجود فيه نسبياً يؤكد على انه محيّد عن هذا الخطر بغطاء دولي لا يريد توسيع تمدّد الإرهاب الذي سيفتح باباً واسعاً لمسيحيّيه للهجرة الى دول أوروبية، خصوصا فرنسا التي لم تبال تظهر للمرة الأولى عدم مبالاة بهذا الوجود الذي لطالما رعته، بل على العكس هي ترعى تمدّد الارهاب في سورية، وتعرف انها قادرة على نقل ذلك الى لبنان، وبالتالي تعريض المسيحيين، الذين اعتبروها يوماً «الأم الحنون»، للخطر الأكبر.

التدخل العسكري الروسي في سورية يضمّ الى الأبعاد السياسية والأمنية بعداً دينياً مثل ايّ تدخل اجنبي في المنطقة، انْ كان فرنسياً او «إسرائيلياً» او روسياً، فهو يُحسب في المنطقة البعيدة عن العلمنة لحساب الطوائف التي تتنتمي هذه الدول واقعاً اليها وبالتوازي مع الدخول الروسي نقل بعض المواقف للكنسية الروسية بهذا الإطار كمباركة بطريرك موسكو لقتال القوات الروسية في سورية، معتبراً انه لحماية الشعب السوري من العلل التي جلبها تعسّف الإرهابيين، مضيفاً انّ «الشعب الاورثوذكسي لاحظ العديد من حوادث العنف في المنطقة فيما تواترت التصريحات والمصادر عن الكنيسة تباعاً أيدت القرار الروسي معتبرة انه «يأتي لحماية الضعفاء، مثل المسيحيين في الشرق الأوسط، الذين يتعرّضون لحملة إبادة، كلّ حرب ضد الإرهاب هي حرب تتمتع بميزة أخلاقية، ويمكن حتى تسميتها بحرب مقدسة».

لبنان الذي تعايش مع كلّ الحقبات التي تواترت عليه سجل فيه احتفاظ الدول التي حضرت فيه كسلطة وصاية او احتلال تعاطيه مع الحقبة على أساس صبغة طاغية على كلّ المشهد السياسي والأمني في البلاد، أي تأثيرها المباشر على كلّ استحقاقات البلاد، ففي زمن الوجود السوري كانت لسورية اليد الطولى في اختيار رئيس الجمهورية، وبالعودة الى الوراء كذلك كان للفرنسيين لفترة غير قليلة بعد الانتداب، من هنا فإنّ القلق اليوم على هذا الكرسي مشروع لكنه منوط بالظروف المحيطة ايضاً التي تميل اليوم لصالح التماهي او التعايش مع فكرة تواجد روسي جدي، وهو منظم بين قواعد عسكرية بالمنطقة وحراك سياسي يشمل أبرز ملفاتها، وبالتالي فإنّ تغاضي اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً على فكرة انّ المسيحيين في الشرق لن يتأثروا بهذا التواجد إيجاباً على الرغم من انّ الحرب المقدسة التي حكي عنها كنسياً قصد منها قدسية المعركة وليس الديانة او أتباعها كما بدا، فإنّ هذا سيكون لغطاً يتوجب ان يكون قد بات وراء المسيحيين لأنّ روسيا حسمت بدخولها وضع المسيحيين الذين سيعودون الى سورية، لا بل الى العراق إذا نجحت عمليتها العسكرية في دحر الإرهاب، ومن هذا المدخل سيتأثر اختيار الرئيس اللبناني بالموقف الروسي والرغبة في إحداث توازن في هذا الكرسي لصالح الحفاظ عليه كممثل لأكبر شريحة مسيحية في المنطقة، وعلى هذا الأساس سيحظى العماد ميشال عون بالحظ الأوفر وفق هذه الاستراتيجية وأثرها الذي سيرخي بظلاله حكماً…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى