حضور إيراني وازن وانسحاب سعودي تكتيكي…
سعدالله الخليل
يبدو أنّ ليالي الأنس في فيينا قد تحمل إلى السوريين بعضاً من أخبار سعيدة، فبالرغم من ارتفاع منسوب الرطوبة في العاصمة النمساوية إلا أنّ حرارة الاجتماعات التي تشهدها ربما ترفع من مستويات التفاؤل بانطلاق فاعل للعملية السياسية بعد انقشاع غيوم الوهم السياسي وانكشاف الرؤية في المشهد الميداني السوري والإقليمي والدولي، فبعد أخذ وردّ وطول انتظار رفعت الولايات المتحدة حظرها المفروض على أيّ مشاركة إيرانية في الجهود السياسية.
فبعد سنوات من تجاهل واشنطن لمئات التصريحات الأممية والدولية عن ضرورة الحضور الإيراني في أيّ محادثات جدية حول سورية، ها هي ديبلوماسية القوة المفرطة تعترف بدور إيران الفاعل في المشهد السوري، بل وتسارع إلى الإعلان عن ترحيبها بالمشاركة دون أن تعير السمع لصيحات الاستهجان من صبيان الرياض في الائتلاف المعارض الذي أكل عليه دهر السياسة وشرب، وباتت تصريحاته نفخاً في قربة مثقوبة لا يدرّ إلا شعور بالعظمة لدى هشام مروة وفايز سارة وغيرهم من جوقة ملء الفراغ الإعلامي على الشاشات السعودية لا أكثر ولا أقلّ، وبقدرة السياسة وقوة فنّ الممكن تحوّلت طهران من سبب رئيسي للأزمة السورية في القاموس الأميركي إلى أحد مفاتيح الحل.ّ
إذاً… طهران ممثلة في لقاء فيينا بحضور وازن لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي يستحقّ لقب شخصية عام 2015 في السياسة الدولية بلا منازع، فحضوره الوازن أضاف إلى موقف بلاده ثقلاً تفاوضياً مكّن الفريق الإيراني المفاوض من إتمام الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الكبرى 5+19 ، ولعلّ علم واشنطن بمكامن القوة بشخصية ظريف الذي درس في واشنطن واطلع بشكل واسع على السياسة الأميركية الدور الأكبر في تعنّت الخارجية الأميركية ورفضها إشراك إيران في مساعي الحلّ السوري، خاصة أنّ موازين القوى الإقليمية والدولية ليست في صالح واشنطن، ولا التطورات على الساحة السورية تحمل تباشير صمود أتباعها على الأرض السورية بعد كثافة الغارات الروسية على معاقل الإرهابيين على امتداد الجغرافية، وفشل رهانها على تعب روسي في الأجزاء السورية، فكان ردّ وزارة الدفاع الروسية بتكثيف الغارات لاكتشاف المزيد من مقرات الإرهاب في سورية، فما كان منها سوى القبول بوجهة النظر الروسية وتجرّع كأس حضور ظريف في فيينا بالتوازي مع تخفيض عدد غارات تحالفها على الأراضي السورية من دون أن يقدّم البنتاغون أيّ تفسير منطقي للقرار باستثناء الإشارة إلى أنّ الخطوة لا علاقة لها بكثافة الغارات الروسية ويبدو في حيثيات النفي إقرار تأبى الهيبة الأميركية أن تعترف به.
على طاولة فيينا سيجلس بالقرب من ظريف وزير خارجية آل سعود عادل الجبير منتشياً بـ«إنجازات» بلاده على الأرض اليمنية بإعادة «الشرعية» إليها، فسارع للإعلان عن إنهاء الحرب على اليمن والدخول في العملية السياسية بعد أن حققت الغارات هدفها بإعادة حكومة بحاح الى اليمن وإقالة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، متناسياً أهداف الغارات عالية السقف بدءاً من القضاء على النفوذ الإيراني إلى الإطاحة بالحوثيين، والتي لم يتحقق منها أيّ شيء يُذكر، ولعلّ وجود ظريف قبالة الجبير يفوق مرارة الكأس التي تجرّعتها السعودية على الأراضي السعودية واليمنية والسورية.
على طاولة فيينا تقال الأمور بمسمّياتها ويظهر الرجال بأحجامهم الطبيعية وترسم الخطط وفق معطيات الأرض، فمن زرع الموت لن يقطف إلا «الانسحاب التكتيكي».
توب نيوز