هل يستطيع ديمرطاش استعادة 50 نائباً كردياً من «العدالة والتنمية»؟ انتخابات «الإعادة» البرلمانية… الشعب التركي لأردوغان «كش سلطان»
يقف الشعب التركي غداً الأحد أمام لحظة مصيرية ستُحدّد مستقبل البلاد، حيث سيتم انتخاب برلمانه السابع والعشرين، وتلقى هذه الانتخابات اهتماماً في الشارع التركي والشارعين: «السوري والإقليمي، وكذلك من قبل الاتحاد الأوروبي الباحث عن حكومة تركية قوية تنقذه من مشروع أردوغان الذي دفع أفواج المهاجرين بعيداً لإرباك الأوربيين الذين خذلوها في رفضهم للحزام الأمني الذي كانت أنقرة تطالب به. لا سيما في ظل التعقيدات الراهنة في تركيا داخليّاً وخارجيّاً، حيث لم يستطع حزب العدالة والتنمية الحصول على النسبة الكافية لتشكيل الحكومة في انتخابات حزيران الماضي، وفشل أيضاً في التوافق على تشكيل حكومة ائتلافية.
وهناك قواسم شبه بين هذه الانتخابات وتلك التي أجريت في 7 حزيران الماضي، وستكون نقطة تحول للبلاد، وأن نتائج انتخابات الغد قد لا تكون على النحو الحاد والمفاجئ كما حدث في انتخابات حزيران، لأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية لم ترق لهما الانتخابات التي أجريت فيها، نتيجة فشلهما في توجيه رسالة للناخبين، ما دفعهما إلى الذهاب مرة أخرى لصناديق الاقتراع.
وتشير الوقائع إلى أنه في عام 2002، ظهر حزب العدالة والتنمية المنتصر في الانتخابات وكان ينظر إليه على أنه مصدر للأمل، لكنه الآن مصدر للأزمات والمشكلات والإرهاب، حيث تواجه تركيا بسببه أزمة اقتصادية وسياسية عميقة، ولا يمكن للحزب حكم البلاد بشكل صحيح، كما أن الحزب الحاكم يدفع تركيا إلى أزمة سياسية وفوضى أعمق، لذلك تأتي هذه الانتخابات، وعلى الجميع أن يختار فيها بين الاستقرار أو حزب العدالة والتنمية.
نظام الانتخابات
تتبع الانتخابات البرلمانية التركية نظام القائمة النسبية بحسب الدستور التركي الموجود منذ عام 1982، ويعتمد هذا النظام على تحديد عدد مقاعد الأحزاب عن طريق تقسيم المعدل النسبي لكل منطقة للأحزاب التي حصلت عليه بعد أن استطاعت الحصول على نسبة 10 في المئة، من مجموع الناخبين في عموم تركيا، ويطلق عليه هذه النسبة اسم «العتبة الانتخابية» أو «السقف الانتخابي».
ولا يستطيع الحزب الحاصل على أقل من 10 في المئة من الأصوات دخول البرلمان، ويتم اعتماد أسماء النواب بحسب قوائم الأحزاب المُعدة سابقاً ضمن تسلسل رقمي.
أهمية العتبة الانتخابية
– يعتبر نظام العتبة الانتخابية المُقدرة بـ 10 في المئة هو الأكثر تأثيراً في نتائج الانتخابات لأن الأحزاب الكبيرة تسعى لوصول أحزاب صغيرة لتضرب نسبة الحزب الأكبر في الانتخابات وهذا ما حصل في الانتخابات الماضية عندما استطاع «حزب الشعوب الديمقراطي» دخول البرلمان وتخطي العتبة الانتخابية وهذا ما لعب دوراً كبيراً في عدم قدرة حزب العدالة والتنمية على تشكيل الحكومة منفرداً.
ـ يحتاج المقعد الانتخابي الواحد عدد أصوات ضمن المعادلة الرياضية التالية: تقسيم عدد الناخبين في المنطقة على عدد المقاعد المعتمدة والرقم الناتج هو عدد الأصوات اللازم للحصول على مقعد برلماني.
عدد مقاعد البرلمان 550 مقعداً
ـ عدد الأصوات اللازم لتشكيل الحكومة: يذكر أن نسبة الأصوات في عموم تركيا لا تُعتمد في الحصول على الغالبية القادرة على تشكيل الحكومة إنما عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب ففي حال حصول الحزب على 276 مقعداً تخوله هذه المقاعد تشكيل الحكومة منفرداً.
ـ عدد الأصوات اللازم لتغيير الدستور 330 صوتاً في البرلمان
ـ عدد الأحزاب المشاركة 16 حزباً:
وهي، حزب العدالة والتنمية – حزب الشعب الجمهوري ـ حزب الحركة القومية ـ حزب الشعوب الديمقراطي ـ حزب السعادة ـ حزب الاتحاد الكبير ـ الحزب الشيوعي ـ الحزب الليبرالي الديمقراطي ـ حزب الحريات والحق ـ حزب الطريق القويم ـ حزب الديمقراطي اليساري ـ حزب الأمة ـ الحزب الديمقراطي ـ حزب الوطن ـ حزب حرية الشعوب ـ حزب تركيا الحرة.
ـ عدد المرشحين المستقلين 21 مرشحاً
ـ عدد الناخبين داخل تركيا: 54 مليون و75 ألفاً و581 ناخباً
ـ عدد الناخبين خارج تركيا: 2 مليون و28 ألفاً و227 ناخباً
ـ استطلاعات الرأي:
رغم حملات التشويه كافة التي يفتعلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد ما يسميه «الكيان الموازي» لتصفية أنصار رجب الدين المنفي فتح الله غولن، وضد الأكراد، فإن هذه الممارسات التي تحمل في طياتها غايات انتخابية بحتة لا تنطلي على غالبية الأتراك الذين استشعروا النية المبيتة للرئيس التركي لتقسيم الشعب إلى موالين ومعادين لحزب العدالة والتنمية الإخواني، وهو ما يمكن أن يعزز عدم الثقة في الحزب الإسلامي في الانتخابات المقبلة وفق ما يراه مراقبون.
وتلفت مواقع إلى أن «أروغان» صاعد من القمع الداخلي للمعارضة العلمانية من أجل تركيز السلطة بين يديه، كما سمح للمتطرفين الإرهابيين الدخول إلى سورية من خلال الحدود التركية، فمنذ بداية الأزمة في سورية، أصبحت تركيا ملعب رئيسي لتدريب الإرهابيين ومستودع أسلحتهم. وتوضح المواقع إلى أن النظام الأردوغاني يسعى إلى تعزيز صلاحياته الديكتاتورية والهيمنة على سورية والمناطق الكردية داخل تركيا وخارجها، لتحقيق أهداف وطموحاته «الأخوانية»، وتشير المواقع إلى أن «أردوغان» يسعى إلى قتل الأكراد المناهضين له، ولكن ما قام به الرئيس التركي جاء بنتائج عكسية، حيث بدا أن فوز الأكراد في انتخابات حزيران الماضي، يلاحق أردوغان وحزبه في انتخابات الغد.
1ـ مركز «بيتمار» للدراسات والأبحاث:
حزب العدالة والتنمية 44 في المئة بعدد مقاعد 278
حزب الشعب الجمهوي 25.4 في المئة بعدد مقاعد 132
حزب الحركة القومية 13.5 في المئة بعدد مقاعد 61
حزب الشعوب الديمقراطي 12.9 في المئة بعدد مقاعد 79
2ـ صحيفة «خبر تورك « بالتعاون مع مركز «ANDY-AR» :
حزب العدالة والتنمية 42.6 في المئة بعدد مقاعد 265
حزب الشعب الجمهوي 27.1 في المئة بعدد مقاعد 135
حزب الحركة القومية 15.2 في المئة بعدد مقاعد 75
حزب الشعوب الديمقراطي 12.1 في المئة بعدد مقاعد
3- وفي هذا الإطار كشفت شركتا «متروبول» و«جازيغي» اللتان تعدان من كبريات شركات استطلاعات الرأي الموثوق بها في تركيا، عن أن الشعب التركي يرى أردوغان السبب الرئيس للفوضى التي تشهدها البلاد، ويعتبر أن الإرهاب والأزمة الاقتصادية هما أكبر المشاكل في الوقت الراهن.
وأوضحت شركة جازيجي أن استطلاع الرأي الذي أجرته في الفترة بين يومي 12 و13 أيلول الجاري، أظهر أن 40.7 في المئة من الشعب التركي يحمل أردوغان مسؤولية الفوضى المتفاقمة في البلاد. بينما حمَّل 34.9 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، حزب العدالة والتنمية مسؤولية الفوضى التي سادت في جميع أنحاء البلاد عقب خسارته الانفراد في الحكم بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وتشير استطلاعات رأي أخرى الى تأرجح أصوات حزب العدالة والتنمية فوق نسبة 10 في المئة وتحتها، ما يجعل أعصاب نوابه وكوادره مشدودة حتى آخر لحظة. في حين ينتظر حزبا المعارضة الرئيسيان: الشعب الجمهوري بقيادة كمال كيليجدار أوغلو، والحركة القومية بقيادة دولت باهشلي مفاجأة أو معجزة سقوط حكومة «العدالة والتنمية» في حال تراجعت أصواتها الى أقل من 40 في المئة.
الاقتصاد والفساد
أما بحسب الاستطلاع الذي أجرته شركة متروبول، فإن 42.2 في المئة من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الإرهاب ومنظمة حزب العمال الكردستاني هما المشكلتان الأكبر في البلاد، ويليهما في المرتبة الثانية الأزمة الاقتصادية بنسبة 22.4 في المئة، ومن ثم تبعها على التوالي ممارسات الفساد، وأردوغان، والتعليم، وسوء إدارة البلاد، وضبابية المشهد السياسي.
وكشفت الدراسة عن أن نسبة من يرون أن حركة الخدمة هي السبب في الأزمة التي تعاني منها تركيا لم يتجاوز 0.2 في المئة فقط أي اثنان في الألف .
وفي السياق، تلفت صحيفة «تودي زمان» التركية إلى أن الأزمة الاقتصادية آخذة في الازدياد، كما أن قيمة الليرة تنخفض بشكل حاد أمام الدولار واليورو والعملات الأخرى، كما ارتفع الدين الخارجي للشركات التركية وبلغ نحو 16 في المئة، وهي نسبة تزيد 30 في المئة عن العام الماضي، وتوضح الصحيفة أن تدهور ميزان المدفوعات ينذر أيضاً بالخطر، ومع تدفق المستثمرين الأجانب يزداد الأمر سوءاً، خصوصاً أنه قبل ثلاث سنوات كان متوسط دخل الفرد 10 آلاف دولار، والآن 7 آلاف دولار فقط، ما يوضح انعكاسات انخفاض قيمة الليرة على الأسعار ومستوى معيشة الفرد.
وتضيف الصحيفة أن معدلات التضخم أيضاً آخذة في الارتفاع، مشيرة إلى أن بعض كبار الشخصيات في حزب العدالة والتنمية يزيد دخلهم على 10 آلاف دولار سنويّاً، لكنهم غير قادرين على تحليل التطورات السياسية والاقتصادية ووضعها في نصابها الصحيح، وذكرت الصحيفة التركية أن هذه الأزمة الاقتصادية تعزي إلى حدّ كبير الأزمة السياسية المستمرة، موضحة أن البلاد تواجه مشكلات خطيرة، لكن هذه الأزمات ليست جديدة وليست السبب في الأزمة السياسية التي تواجهها تركيا الآن.
الأكراد لأردوغان: كش سلطان
جاءت نتائج الانتخابات التركية في 7 حزيران لتنزع من أردوغان المبادرة التي كان يريدها من أجل «تركيا جديدة» يعدل فيها الدستور ويصبح رئيساً بصلاحيات دستورية. ولكن تراجع حصة حزب العدالة والتنمية من 50 في المئة في انتخابات عام 2011 إلى 41 في المئة حرمت أردوغان من الغالبية التي كان يريدها، وأدت لخريطة جديدة لم تشهدها الحياة السياسية التركية منذ عقود، فقد دخل الأكراد ولأول مرة في تاريخ تركيا ككتلة تمثل مصالح الأكراد ودخلت الأقلية العلوية التي رشحتها الأحزاب القومية وغير ذلك من ألوان الطيف السياسي التركي. وعادت تركيا إلى حقبة الائتلافات التي تعني بالضرورة عدم الاستقرار السياسي نظراً إلى التجربة السابقة والتي دائما ما فتحت الطريق أمام عودة العسكر للحكم.
وفي هذا قال جنسر أوزكان، أستاذ العلاقات الدولية في جماعة بلجي في إسطنبول: «هذه نهاية الهوية السياسية التركية. لم يكن حاجز الـ 10 في المئة هو فقط الذي تم تجاوزه، وإنما تم تجاوز حدود الهوية والعاطفة. هذه هي الفرصة الذهبية لناخبي حزب الشعوب الديمقراطي ليقفوا مع الديمقراطية بغض النظر عن حاجز الهوية».
إن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي الذي سدد ضربة قوية لأردوغان في حزيران الماضي سيكون لها تأثير كبير على انتخابات الغد، وهو بعد استمالة الناخبين العلمانيين والناخبين الذين ينتمون ليسار الوسط الذين خيَّب أردوغان أملهم، ويتطلع صلاح الدين ديمرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي في هذه الانتخابات إلى استعادة خمسين نائباً كردياً لا يزالون يصوتون لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فهل سينجح ديمرطاش في جلبهم إلى بيت الطاعة الكردي؟
وهذه الوقائع هي التي دفعت الثنائي أردوغان ـ أوغلو، إلى محاولة الالتفاف على هزيمة حزيران باستئناف الحملة العسكرية للجيش التركي على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق والمناطق التركية الحدودية، وقد عدت هذه الحملة من أبرز الأسلحة التي لجأ إليها «السلطان»، كما يلقب أردوغان من قبل معارضيه، لرد الضربة الكردية التي جردت حزب العدالة والتنمية الحاكم من الغالبية في البرلمان.
من الواضح أن الصراع بين الثنائي أردوغان ـ أوغلو والأكراد أدخل البلاد في موجة من العنف تفوق ما حدث في الماضي من أعمال عدائية، ما يؤجج المخاوف بشأن تأمين الانتخابات التركية المبكرة، والمقررة غداً الأحد.
وتقول المحللة التركية نيجار غوكسيل: «الصراع الأخير بين تركيا وحزب العمال الكردستاني هو الأشد، من بين دوامة العنف التي اندلعت في عام 2011»، في حين ترى صحيفة «كرستيان ساينس مونيتور» أن الديناميات الإقليمية، حيث قتال الأكراد ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، والقتال العنيف الذي يخوضه حزب العمال الكردستاني ضد سياسة أردوغان ـ أوغلو، سيكون له تأثير في الانتخابات التركية، وفي هذا الصدد يقول اليزا ماركوس، مؤلف كتاب «الدم والإيمان»: «العنف الذي يصل إلى هذا المستوى من المرجح أن يستمر لفترة الانتخابات»، ويضيف: «حزب العمال الكردستاني يكافح من أجل الاستقلال».
الإرهاب ورقة تجاذب
سترمي الانتخابات البرلمانية ونتائجها في الداخل التركي بثقلها على نشاط حلف «داعش» و«النصرة» ليصبح الإرهاب ورقة تجاذب سياسي داخلي بعد الانتخابات كما على عتبتها بعد كشف وسائل الإعلام التركية الكثير من حالة الغرام القائمة بين «أردوغان» والإرهاب، ما سينعكس على نشاط «داعش» ـ «النصرة» العسكري المرتبط بأجهزة المخابرات التركية لوجستياً وتكتيكياً برابط أوثقته الولايات المتحدة بحبال المال النفطي الخليجي والتغطية الإعلامية والسياسية الدولية، ليكون سير الأمور قابعاً بين آمال حزب العدالة والتنمية في قبض ثلثي البرلمان التركي الذي تحزبت له المعارضة والأحزاب المتحالفة معها في جبهة واحدة من الكرد وغيرهم، وبين ما يخيم من أجواء التراجع التي بدأت تتسم معالمها في موقع أردوغان الإخواني مقابل تقدم «الأتاتوركية»، لكن مشهد الانكفاء جرت به أقلام الكثيرين من المحللين لجهة ما يتمثل من مفاجئة حقيقية دراماتيكية ستحل بالوضع «الأردوغاني» وعبره إلى الوضع العسكري لـ «داعش» و«النصرة» الإرهابيتين، وما سيتغير من مشاهد القراءة السياسية «التبيضية» التي تسعى إليها دول الحلف الغربي ـ العربي المعادي لمحور المقاومة الذي غير قواعد الاشتباك الإقليمية والاستراتيجية التي سترسم جواراً إقليمياً سورياً جديداً يضع «العدالة والتنمية» مع ظهرها الإرهابي في المشهد العسكري والسياسي أمام «جيو بولتيك» يفرض حسابات دقيقة وأثمان جديدة تٌقرب آجال من ذهب بعيداً في العداء لمحور المقاومة الذي بدأ يبدل موازين القوة العسكرية بعد الدخول الروسي العسكري.