مملكة آل سعود وخيارات الهزيمة

رضا حرب

خلال الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى موسكو قدّم له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرضاً واقعياً يحفظ نفوذ السعودية في اليمن، ويحفظ ماء وجه آل سعود، مقابل أن تمشي المملكة في الحلّ السياسي في سورية.

أبدى محمد بن سلمان موافقته المبدئية على المقترح الروسي، لكن الشعور بنشوة الانتصار بعد سقوط عدن بيد قوات التحالف، والتقدّم السريع باتجاه تعز، وتزامن ذلك مع اكتمال الاستعدادات لغزو دمشق دفعه إلى التراجع عن اتفاقه مع بوتين.

لكن تلك النشوة بدأت تتراجع تدريجياً مع تعرّض قوات التحالف الى خسائر بشرية كبيرة على يد «أنصار الله» والجيش اليمني، عندها أدرك محمد بن سلمان أنّ احتلال صنعاء هو كحلم إبليس في الجنة، فطلب زيارة موسكو مرة أخرى. كان على «أمير الحرب» السعودي أن يلتزم بالعرض الروسي، لكن من لا يتعلّم من التاريخ يكون جديراً بـ»الغباء التاريخي والسياسي».

على العموم، استقبله بوتين في مدينة سوتشي على هامش سباق «الفورمولا» استقبالاً فاتراً، وبصراحته المعهودة قال الرئيس الروسي لضيفه إنّ العرض السابق لم يعد قائماً، بمعنى أّ الوضع بعد الدخول الروسي المباشر ليس كما قبله، وعلى السعودية أن تمشي بالحلّ السياسي بلا شروط مسبقة، والقرار النهائي سيكون للشعب السوري.

كان على «أمير الحرب» أن يدرك أنّ العقيدة العسكرية لبوتين لا تحدّها خطوط حمراء. طبعاً، فَهِمَ بن سلمان أنّ مقاربة «المقايضة» لم تعد مطروحة على الطاولة، فبدلاً من التخلي عن الغطرسة والتعجرف والتكبّر والتعالي على الآخرين رفع سقف تهديداته فقال لمضيفه: «التدخل الروسي سيجذب متطرفين من أنحاء العالم» وكأنه يتحدّث الى زعيم دولة فاشلة كالسودان التي تتفتّت تحت حكم البشير «الإخواني». رهان الأفغنة أو أسلمة الحرب رهان الأغبياء – غباء مطلق.

بعد الدخول الروسي بات واضحاً أنّ ميزان القوى في المنطقة يتغيّر، باستثناء مملكة الإرهاب الوهابية، العالم كله، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بات يدرك أنّ الحرب على رقعة الشطرنج السورية ترسم معالم نظام عالمي جديد، من غير الدخول في تفاصيل التوازنات والتحالفات. والأهمّ أنّ الحرب على الإرهاب التكفيري تستعر ويمكن أن تجذب قوى أخرى تنضمّ الى روسيا وإيران وسورية والمقاومة، وعلى الأرجح أن تطال نيرانها الدول الراعية للإرهاب في حال نقلت صواريخ «ستينغر» إلى العصابات الإرهابية، أو قرّرت تهديد الأمن القومي الروسي انطلاقاً من وسط آسيا أو القوقاز أو البلقان. وحدها السعودية لا تزال تعيش حالة متطورة من «الوهم»، وكأنّ جلب المزيد من المرتزقة من كولومبيا أو السودان، أو نقل إرهابيين من سورية الى اليمن، سيحوّل هزائمها على يد شعب أعزل الى انتصارات.

من الصعب على العقل السعودي النجدي أن يستوعب أنّ الجيوش مهما امتلكت من قوة لا تستطيع أن تهزم شعوباً، في النهاية الشعوب تنتصر، والشعب اليمني سينتصر وسيمرّغ أنف آل سعود في التراب.

«أمير الحرب» محمد بن سلمان شيء ووزير الخارجية عادل الجبير شيء آخر. كل يوم يمرّ يثبت هذا «الدبلوماسي المبتدئ» أنه عديم الكفاءة، ما يدعونا أحياناً إلى التساؤل حول الأسباب والظروف التي فرضت على السعودية وزيراً بهذا الكمّ من العنتريات الفارغة. حتى وصلت به الأمور إلى حدّ اعتقد نفسه قادراً على وضع الرئيس بشار الأسد بين خيارين «الحرب أو الرحيل»، وأنّ إيران، في نظره، راعية ومصدّرة للإرهاب، وإيران جزء من المشكلة وليس من الحلّ، ولا مكان لإيران على طاولات المفاوضات، وعلى إيران ألا تتدخل في شؤون الدول العربية. ما الذي تغيّر حتى صار وجود إيران فرصة لاختبار نواياها ونوايا روسيا؟ الجواب معروف. عندما رضخ الأميركي للإصرار الروسي سكت السعودي. من الواضح أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية كعلاقة بطرس الأكبر بشعبه «الشعب يقول ما يريد وأنا افعل ما أريد». عندما يقرر الكبار يسكت الصغار كالشطار في المدرسة الابتدائية، هذه حال عادل الجبير.

يقول محللون أميركيون إنّ كلّ خيارات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيئة، فما بالك بدولة مثل السعودية؟ أفضل خياراتها الهزيمة وأسوأ خياراتها الهزيمة، أما الفرق فهو في حجم الهزيمة. مؤتمر فيينا الموسع الذي انعقد أمس الجمعة منح السعودية فرصة للتسليم بهزيمتها بأقلّ تكلفة.

المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية

www.cgsgs.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى