في المقاومة الثقافية

إن شريحة واسعة من أمتنا في هذه الأيام، تعاني من هشاشة الانتماء، خصوصاً الانتماء الوطني والقومي، متزامنة مع هشاشة الانتماء إلى مفهوم «مكارم الأخلاق»، بحسب الاتجاه الدينيّ الصحيح، ما نجم عنه جنوح كثيرين إلى مهاوي الغربة في الوطن، وحتى إلى مصائد الإغراءات التي أدّت إلى مهاوي التنظيمات الإرهابية!

ذلك جعلنا نفكّر بتحليل دقيق للواقع الراهن، وحتى أن نفكر بمقاومة ثقافية أكثر عمقاً وشمولاً، تتناول مقاومة سائر أشكال الغزو الثقافي المبرمج. ولكن، كيف أستطاع هذا الغزو أن يمتدّ ويتطاول لولا اعتماده على تهميش المؤسسات الثقافية ورجال الثقافة؟ ولولا اعتماده على الاستلاب الكبير للهوية؟ ولولا انجراف الكثيرين من مناطق الضادّ بشعارات غربية لم تسلم منها المسلسلات الهابطة ومنها مسلسلات الأطفال، ما يزرع في عقولهم أنّ العدو وهميّ وليس حقيقياً؟

كيف أستطاع هذا الغزو أن يمتدّ ويتطاول لولا زرعهم في عقول المستلبين مفهوم النافذة التي أصبحت أكبر من بيتها أو مفهوم الرأي ا خر لدرجة أن المواطن ينسحب من مقاومة الرأي الهدّام؟ ولولا أنهم يتسللون وعبر إغراءات وعملاء ومنجرفين في مؤسساتنا الثقافية سواء الكبرى أو الصغرى، ولولا أنهم ـ عبر الاستلاب الكبير ـ يضخّمون المرتبط أو حتى المنجرف إليهم، في حين يهمّشون حتى الأعلام إلى درجة التعتيم والإقصاء؟

كيف أستطاع هذا الغزو أن يمتدّ ويتطاو لولا أنهم، إذ يشجّعون ما يدعم تياراتهم

الغازية، فهم يحتجبون عن مجتمعاتهم إلا بحذر شديد. ومن ذلك برامج الأطفال ومسلسلاتهم التي نوّهنا عنها؟

الأخطر من ذلك كلّه، عبورهم إلينا من خلال منظّمات بأسماء برّاقة مثل «حقوق

الإنسان»، أو «حرّيات بلا حدود»، أو حتى بِاسم «مجتمع مدني» ملغوم! وما إلى ذلك من مؤسسات أخذت صيغة اللاحدود العالمية، ما جعلنا نفكّر كثيراً في هذه العولمة الغربية التي لا تزال تنصب في طريق الشعوب مختلف الفِخاخ لتدمير هذه الشعوب، ثم استطاعوا أن يستلبوا حتى أولئك الذين يدّعون «الرمادية» بِاسم

الحياة، وهم في الحقيقة لا أكثر من قنابل موقوتة ربما تنفجر حتى بِاسم الحرّية

والديمقراطية ضدّ الحرّية والديمقراطية.

سحر أحمد علي الحارة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى