ظلمة الجهل
عندما اغتيل فرج فودة في القاهرة عام 1992، على إثر فتوى من شيوخ جماعة الجهاد «لأنّه كافر»، وقام شخصان كانا يستقلان دراجة نارية، أطلق أحدهما الرصاص من بندقية آلية. أصيب فرج فودة بإصابات بالغة في الكبد والأمعاء، وظلّ بعدها الأطباء يحاولون إنقاذه طوال ستّ ساعات، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، ونجح سائق فرج فودة وأمين شرطة كان متواجداً في المكان، في القبض على الجناة.
أثناء المحاكمة، سُئل قاتل فرج فودة: «لماذا اغتلت فرج فودة؟».
فأجاب القاتل: «لأنه كافر».
المحكمة: «ومن أيّ من كتبه عرفت أنه كافر؟».
القاتل: «أنا لم أقرأ كتبه».
فسُئل باستغراب: «كيف؟».
فأجاب القاتل: «أنا لا أقرأ ولا أكتب».
وعند محاولة اغتيال نجيب محفوظ عام 1994، يُسجّل أن الشاب اعترف بأنه لم يقرأ شيئاً لمحفوظ وعقّب قائلاً: «أستغفر الله». مشدّداً على أنه لا يحتاج إلى قراءة أعمال محفوظ. وأضاف أنه حاول اغتيال محفوظ لأنه ينفّذ «أوامر أمير الجماعة».
النقمة الأكبر على الإنسانية جاهل يُكفّر الناس ويرسل جَهَلة آخرين ليقتلوهم بحجّة حماية الدين ونصرته. المصيبة الأكبر التي نعاني منها اليوم، ونشعر بوطأتها، تتمثل بآلافٍ من الجَهَلة المتخلفين الذين أتوا إلى أرضنا ليعيدونا إلى جادة الصواب الذي يعني العودة إلى عصور الظلمات والتخلّف كما فعلوا سابقاً بأفغانستان التي توافدوا إليها من كل أنحاء العالم نصرةً لانتشالها من براثن الإلحاد، فدمّروا جامعاتها وقتلوا علماءها وهدموا حضارتها وألبسوها برقعاً لتُصبح خراباً بعدما كانت تشعّ جمالاً. وانتهت مهمتهم بنجاح منقطع النظير بما أن الهدف الأساس إعادة البلاد مئات السنين إلى الوراء، والقضاء على الحرّيات… وهو ما حصل.
أول ما فعلوه في سورية استهداف المدارس والجامعات والمحاكم وكلّ المؤسسات الحكومية بشكل منهجيّ يُظهر الأهداف الحقيقية لهذه «الثورة». وقتلوا العلماء والخبراء واستهدفوا العقول ومنعوا الناس في الأماكن التي استباحوها من الذهاب إلى الجامعات والمدارس، وذلك من أجل محاربة العلم الذي هو السبب الأساس برأيهم للكفر، وهو طريق للالحاد. ومن أجل إنشاء جيل من الجَهَلة الجاهزين لتنفيذ فتاوى التكفير من دون تردد، ومن دون الحاجة ليعرفوا مَن الشخص المُستهدف أو لماذا، فالشيخ قد أمر وأفتى بالقتل وعليهم الطاعة.
آلاف السوريين قد قُتلوا اليوم على يد جَهَلة. منهم من لم يكن يعرف أين تقع سورية من قبل. ومنهم من يحمل زوراً اسم «سوري»، وعاش في أحضانها متنعّماً بخيراتها. وفي الفرصة الأولى طعنها في ظهرها. غالبية هؤلاء استغنوا عن نعمة العقل وسلّموا زمام أمورهم للمشايخ، وصدّقوا كل تخاريفهم ونفّذوا كلّ تعاليم الشيطان عن طريقهم. والباقون كان الموضوع بالنسبة إليهم تجارة وأموالاً وسلطة. آلاف السوريين قُتلوا وكلّنا مُستهدَفون. لا لأننا بعيدون عن ديننا ولا لأننا كَفرة كما يقولون، إنما لأننا نُشكّل خطراً طالما نحن مصرّون على استخدام عقولنا. ونشكل خطراً لأننا لا نقبل العبودية، ولأننا نعرف مَن هم وما هو تاريخهم، ونعرف مَن نحن وما هو تاريخنا. وسنبقى تهديداً لكل الرؤوس الفارغة ولكلّ الأفكار الظلامية. وسنبقى أشجار سنديان جذورها أقوى من الاقتلاع.
صباح مَن لا يرتضون القيود لأفكارهم… صباح من يحاربون ظلام الجهل بنور عقولهم… صباح الجيش السوري.
وفاء حسن