لا تشركوا أميركا في مواجهة «داعش»
د. عصام نعمان
يبدو تنظيم «داعش» مشكلة تواجه الجميع: العراق وسورية ولبنان والأردن بالدرجة الأولى، كما سائر العرب ولا سيما السعودية ودول الخليج. حتى الولايات المتحدة تقول إنها مهدّدة من «داعش» لكونه تنظيماً إرهابياً، وتدعو ايران إلى التعاون لمواجهته.
إيران متضرّرة ايضاً من توسّع «داعش» ومن تداعيات سيطرته على شطر من بلاد الرافدين. ذلك أنّ سيطرة «داعش» واحتمال توسّعه شرقاً يهدّد مصالح حلفائها في بغداد وفي المحافظات الجنوبية. أعداء إيران يحيطون بها من جهات ثلاث، فهي بغنى عن عدو إضافي يهدّدها من جهة الغرب.
السعودية وحلفاؤها الخليجيون مهدّدون أيضاً. ذلك أنّ خطر تمدّد «الجهاديين» إليها ممكن ولا يجوز استبعاده. صحيح أنّ الدول العربية المحافظة ستكون سعيدة إذا ما قام «داعش» بفكّ ما تسمّيه الحلقة العراقية في سلسلة «الهلال الشيعي» الممتدّ من إيران إلى البحر المتوسط عبر بلاد الرافدين وبلاد الشام بما فيها لبنان. لكنها تتحسّب كثيراً لمرحلة ما بعد سيطرة «داعش». ذلك أنّ لا أحد يستطيع أن يضمن لدول جزيرة العرب ألا يتمدّد «الجهاديون»، بشكل أو بآخر، إلى عمق الديار للسيطرة على مصادر الثروة وسلطة القرار.
في الظاهر، يبدو «داعش»، إذاً، عدواً مشتركاً لدول العرب المجاورة للعراق وسورية، كما لإيران وحتى لتركيا ناهيك عن أميركا وحلفائها الأطلسيين.
حكومات سورية والعراق وإيران ترفض هذا التوصيف. تعتبره تبسيطاً لمشكلة قائمة ومتفاقمة مصدرها الولايات المتحدة. أليست هي وحلفاؤها العرب المحافظون من سمح لتنظيم «القاعدة» بالنشوء والارتقاء واستأجر خدماته في مقاتلة قوات الاتحاد السوفياتي آنذاك في أفغانستان؟ ألم تُقدم على الاستعانة ببعض التنظيمات «الجهادية» في الصراعات الدائرة في سورية والعراق ولبنان؟ ألم يتسلّل مقاتلو هذه التنظيمات إلى سورية والعراق عبر حدود تركيا الأطلسية مع جيرانها؟ وقبل ذلك كله، أليست أميركا من احتلّ العراق في عام 2003 وحلّ الجيش العراقي، مفسحاً في المجال أمام قوى الإسلام «الجهادي» للنمو والتوسع ظناً منها أنها تشكّل سداً منيعاً في وجه القوى الوطنية والقومية المعادية لها؟
إيران تبدو مشككة بموقف أميركا. مساعد وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان رأى أنّ الرئيس الأميركي أوباما الذي دعا طهران إلى التعاون من أجل دعم العراق يفتقر إلى «إرادة جدية لمحاربة الإرهاب». طهران تأخذ على واشنطن ارتكابها «الخطأ الاستراتيجي في سورية بعدم التمييز بين الإرهابيين وبين المجموعات السياسية المعارضة، مما زاد الإرهاب ونشوء جماعات مثل «داعش» تفاقماً». فوق ذلك، يرى عبد اللهيان أن أميركا تقوم بتعزيز الطائفية في العراق، معتبراً أن «تأخير مكافحة «داعش» ووضع شروط لمكافحته يعززان الشكوك في أهداف الولايات المتحدة في المنطقة».
لعلّ لتشكيك طهران في أهداف واشنطن في العراق والمنطقة سبباً إضافياً. ذلك أنّ «خبطة» «داعش» في العراق تزامنت مع الجولة الخامسة من مفاوضات فيينا النووية بين إيران والدول الست الكبرى، وربما تكون السبب في فشلها، إذْ من الممكن أن تكون الولايات المتحدة قد وجدت في حملة «داعش» الأخيرة وسيلةَ ضغطٍ ناجحة على إيران من خلال الضغط على جارها وحليفها العراق.
حتى لو أمكن الفصل بين المفاوضات النووية والحال العراقية، فإنّ ثمة مسائل ثلاثاً تقف في طريق «التعاون» المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران في مكافحة الإرهاب المتمثل في «داعش»:
المسألة الأولى هي مصير نوري المالكي. ذلك أنّ إيران تعارض تنحية حليفها في عز الحرب التي يشنّها «داعش» على العراق. إنّ اختيار بديل من المالكي مسألة يكتنفها الكثير من الصعوبات في زمن السلم، فما بالك في إيجاد بديل في زمن الحرب؟ قد توافق إيران، من حيث المبدأ، على تغيير المالكي بعد القضاء على «داعش» ولكن ليس قبل ذلك.
المسألة الثانية هي موقف السعودية من التعاون المقترح بين أميركا وإيران. فللسعودية ثلاثة شروط محتملة في هذا المجال. أولها تنحية المالكي وإبداله بآخر يرضي التكتلات السنّية في البرلمان العراقي. ثانيها التفاهم على شكل التدخل الأميركي في الحرب. ذلك أنّ السعودية تفضّل عدم التدخل المباشر لأنه يشكّل تبريراً لإيران بالتدخل المباشر أيضاً. ثالثها، أن يسبق التعاون بين واشنطن وإيران اتفاق في شأن البرنامج النووي الإيراني وتفاهم على مستقبل الوضع في سورية.
المسألة الثالثة مشروعيةُ التدخل الأميركي وجدواه. ذلك أنّ تدخل واشنطن يستولد معارضةً واسعة لدى القوى الوطنية والقومية العربية الدائمة التشكيك والتخوّف من الولايات المتحدة ومخططاتها التي لا تخدم في نهاية المطاف إلاّ مصالحها وما تسمّيه أمن «إسرائيل». والمرجح أن تتجاوب حكومات سورية وإيران وروسيا مع موقف القوى الوطنية العربية، ولا سيما قوى المقاومة، فتدعو الولايات المتحدة إلى عدم التدخل في العراق بالمطلق، وفي حال الضرورة فليكن ذلك بالتفاهم مع الحكومة العراقية ووفق شروطها وأهمّها عدم الافتئات على سيادة العراق.
من الواضح أنّ العراق يعاني معضلة وجودية منذ الاحتلال الأميركي وتداعياته المحلية والإقليمية. ولا شك في أنّ حرب «داعش» الأخيرة عليه تعرّضه للتفكيك والتقسيم. لتفادي تدمير العراق وتقسيمه وتشريد شعبه يقتضي أن تتحمّل القوى الحية في الأمة، سواء في الحكم أو في المعارضة، ولا سيما قوى المقاومة، مسؤوليتها القومية التاريخية فتجترح مشروعاً للإنقاذ الوطني، نقترح له الأسس الآتية:
أولاً: مواجهة حملة «داعش» الإرهابية بكلّ الوسائل المتاحة، وإعطاؤها أولوية مطلقة في العمل الوطني والحراك السياسي والقتال الميداني.
ثانياً: رفض تدخل الولايات المتحدة في الصراع الدائر في العراق وسورية وعليهما. فالقوى السياسية الوطنية في الحكم والمعارضة، كما قوى المقاومة، قادرة بقواها الذاتية على صدّ «داعش» ودحرها، وإذا ما احتاجت إلى السلاح والعتاد فهي قادرة على شرائه بأموال عربية من كلّ المصادر المتاحة، بما فيها روسيا، وقادرة بالتالي على حسم المواجهة وفق شروطها.
ثالثاً، تداعي القوى الوطنية العراقية بكلّ تلاوينها إلى عقد مؤتمر وطني جامع وعاجل لتدارس الأزمة بجميع وجوهها، ووضع برنامج سياسي لمواجهة تحدياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، والتوافق على تأليف حكومة وطنية جامعة تأخذ على عاتقها تنفيذ برنامج الإنقاذ الوطني ومحاسبتها أمام البرلمان وفي المؤتمر الوطني الدائم الحضور والانعقاد طالما الحرب قائمة.
التحديات التي تواجه الأمة كثيرة ومتشعّبة، وهي على درجة من التعقيد والخطورة تستوجب توليد تعبئة وطنية عامة لمواجهتها، ووعياً بضرورة مجانبة التورّط في تحالفات مع قوى خارجية لا تخدم إلاّ مصالحها المتعارضة في الغالب مع مصالح الأمة، وأنّ الخلاص الوطني باستقلالٍ وحرية وكرامة لا يتأمن إلاّ بالاعتماد على النفس، وتوظيف قوانا الذاتية، وهي كثيرة وغنية، في خدمة أهدافنا وأولوياتنا في شتى ميادين الصراع.
وزير سابق