الاستراتيجية الداعشية: التطلع نحو البحار

وليد زيتوني

تدفعنا أحداث المنطقة الأخيرة، من العراق إلى لبنان وطبعاً استمرار الأحداث في الشام، إلى قراءة متأنية لظاهرة داعش ورصد حركتها الميدانية، في محاولة لتفسير تطلعاتها القريبة المرحلية ورسم مسار خطواتها الاستراتيجية المقبلة.

تتقاطع خطوات داعش العملانية، بل تتماهى وبشكل كبير مع الرغبات السعودية الوهابية وأحلامها التاريخية، غير أنها لا تتطابق بشكل كلي إلا في الدوافع الأيديولوجية. فداعش التي خرجت من رحم الاستخبارات الأميركية وتبنت الفكر الوهابي السلفي، اختطت لنفسها طريقاً يجمع بين رؤاها الذاتية والاستفادة لما يخطط للمنطقة من مشاريع جيوستراتيجية دولية وإقليمية، وأخذت على نفسها أن تكون رأس الحربة في هذه المشاريع بغية تأمين الأرضية المناسبة لتثبيت وجودها ومن ثمّ الاستقلال عن الرعاية السعودية الأميركية.

لعلّ التجربة القديمة الجديدة لتنظيم «القاعدة» في أفغانستان يعطينا نموذجاً واضحاً حول جوهر تفكيرها وطبيعة عملها. وما يحدث الآن في سورية الطبيعية هو نسخة أفغانية مسقطة على واقع جغرافي مختلف، إلا أنه واقع ذو دلالات أيديولوجية أكثر حساسية من الواقع الأفغاني لارتباطه بالسياق التاريخي العاطفي لمهد «الإسلام».

الحركة الوهابية التي سيطرت على الجزيرة العربية بداية القرن الماضي، تمدّدت على حساب المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية من سورية الطبيعية، ووصلت بحملاتها العسكرية إلى خليج العقبة. لم تقف هذه الحملات إلا بالتدخل الانكليزي الذي وازن بينها وبين مملكة شرق الأردن الخاضعة أيضاً للنفوذ الانكليزي آنذاك. ولعلّ التمدّد الوهابي كان برضى بريطانيا الساعية الى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والتي استحصلت من «السلطان» عبد العزيز آل سعود على إقرار بإعطاء «المساكين اليهود» وطناً، كما جاء في الوثيقة التي نشرتها مجلة الحرس السعودية المعارضة عام 1991.

هذا الرضى الانكليزي أعطى المملكة الوهابية تقريباً 550 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية تمتدّ من الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر حتى الشواطئ الغربية للخليج ضمناً ثلثي بادية الشام بما فيها تبوك والجوف ووادي السرحان وجزيرتي تيران وصنافير التي عادت وتنازلت عنهما للدولة اليهودية عام 1967.

غير أنّ الرغبة السعودية لم تتوقف، وظلت عيونها شاخصة إلى منطقة الجزيرة الخصبة الواقعة بين دجلة والفرات. الجزيرة المؤلفة من ثلاثة ديار: هي ديار بكر وديار ربيعة وديار مضر، هي بالواقع الجوهرة الزراعية، الحضارية لمنطقة بلاد الشام وهي عقدة المواصلات الأساسية لطريق الحرير بين الداخل الآسيوي والبحر المتوسط.

على ضوء هذه الصورة الجغرافية، وخريطة النوايا المشتركة بين داعش الوهابية والمملكة الوهابية، نستطيع أن نفسّر لماذا تواجدت داعش كقوة عسكرية في الشمال السوري، من الريف الحلبي إلى الرقة ودير الزور وصولاً إلى نينوى وديالى وصلاح الدين في العراق.

طبعاً استفادت داعش من الطموح السعودي والأموال السعودية، واستفادت أيضاً من أخطاء الدولة الحديثة في العراق، واستفادت أيضاً من الحالة الكردية ومنطقة الاستقلال الذاتي، واستفادت من المشروع الأميركي والفوضى «الخلاقة»، واستفادت من المشروع الصهيوني للتفتيت، واستفادت ايضاً من الأموال الطائلة التي وضعت اليد عليها في الموصل. واستفادت من الأسلحة الأميركية الحديثة التي خلفها الجيش العراقي بعد انسحابه من نينوى. حتى باتت داعش الآن من المنظمات الأقوى على الساحة.

لكن داعش المارد المقنّع الذي خرج فجأة في سورية، والذي خرج بقوة قياسية في العراق، لن يقف عند هذه الحدود فله أجندته الخاصة، وله استراتيجيته الخاصة. ستستفيد داعش من مشروع «برنارد لويس» التقسيمي. وهي بالتأكيد سترتدّ على السعودية وتقضي عليها. وإذا ما تمّ هذا برعاية أميركية صهيونية سيربط واقع داعش السياسي بين البحر الأحمر والخليج والبحر الأبيض المتوسط.

العراق وسورية في وسط المعمعة، لبنان والأردن على لائحة الانتظار والبقية تأتي «فليحكم الإخوان» بالأمن والأمان.

هل من مجيب؟

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى