فاز أردوغان فهل تحضر قطر مجدّداً في لبنان؟

روزانا رمّال

تتكشف تداعيات مؤتمر فيينا المثير للجدل أكثر وتتمظهر النوايا في ان يكون قاعدة الانطلاق الجدية الكبرى للتوصل إلى حلول سياسية في سورية لا يبدو أنها كانت كذلك منذ بضعة أشهر على ان يكون المؤتمر قد عقد على أعتاب تبدّل مقبل بعد الدخول الروسي الى المنطقة، حيث بدأ بأخذ معالم سياسة الاميركية في الشرق الأوسط الى زوايا مغايرة لما كانت عليه منذ إعلانهم النوايا عن شرق أوسط جديد وتسويقه عبر كولن باول عام 2003 وعرض السلام مع «إسرائيل» مع الرئيس السوري بشار الأسد مقابل أفضل العلاقات والنفوذ، من بينها لبنان، ومن هنا فإنّ مؤتمر فيينا الذي خرج بالاتفاق على مبادئ رئيسية بدت أنّ روسيا هي من صاغها، وسوّق أكثر المتكلمين فيه للقول انّ كلّ من يفترض انه رافض لما سيخرج عن هذا المؤتمر انما هو يعزل نفسه.

الاميركيون الذين بدوا أكثر واقعية من حلفائهم العرب والأتراك، اكدوا أنهم يراهنون على دور إيراني في المنطقة يتخطى الازمة السورية ويمتدّ الى العراق فاليمن، وعلى هذا الأساس يمكن توقع النوايا الاميركية في عدم إفساد ما تمّ التوصل اليه من بداية تطبيع للعلاقة بعد ان أصبح الملف النووي، وهو الأزمة الأكبر والأكثر إحراجاً لهم أمام «الإسرائيليين» وراء ظهرهم، وهنا تحجز إيران عبر حاجة الولايات المتحدة اليها للتفاوض بعد روسيا ودخولها العسكري مكانتها في التسويات المقبلة.

تركيا أردوغان التي بقيت معنية رئيسية بالأزمة السورية حضرت مؤتمر فيينا بشكل طرح أسئلة أبرزها قبول الحضور الذي يفرض عليها سلفاً قبول ما سيصدر عن المؤتمر، والذي تعرف تماماً انه يميل لصالح الراعي الرئيسي، وهو روسيا التي تتقاسم مع الاميركيين حصص المنطقة حتى الرمق الأخير، لكن بمنظور معاكس هذه المرة ليس أكيداً انه سيصبّ بالتوازنات الأحادية في خانة المصلحة الاميركية فتحاول ان تؤكد بهذا الحضور الالتزام بالمقررات التي يرتضي بها الاميركي الى حدّ كبير، والتي يتضح من خلال الجولة الأولى انّ المؤتمر بجولاته بدا تمهيداً لبقاء الأسد، والذي أقرّ أردوغان القلق من نتيجة انتخاباته قبل أسابيع انه يرتضي ببقائه لستة اشهر ما اعتبر تصريحاً مفاجئاً.

لكن مفاجأة اردوغان الثانية اليوم تتمثل وبعكس كلّ التوقعات بفوز حزبه في الانتخابات حيث أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، تقدّم حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه بـ49.4 بالمئة، بعد فرز أكثر من 98 من إجمالي صناديق الاقتراع، وهذا يعني حصوله على عدد أكبر من المقاعد التي نالها في الانتخابات الاخيرة، أي 258 مقعداً، اما باقي النتائج فتوزّعت على حزب الشعب الجمهوري بـ25.3 بالمئة، والحركة القومية بـ12 بالمئة، والشعوب الديمقراطي بـ10.3 بالمئة، مفاجأة أردوغان هذه التي نقضت كلّ نتائج استطلاعات الرأي الكبرى تؤكد انّ تحولاً هاماً يجري قلب النتائج التي أكد الخبراء قبل 24 ساعة صعوبة تقدّم اردوغان بهذا الشكل حسب معرفتهم بطبيعة السياسات الحزبية والتحالفات والواقع السياسي المتاثر بكلّ ما يجري من حول تركيا، من هنا فإنّ النتيجة هذه أكثر ما تحكيه هو سياسي وليس رقمياً.

لم يكن البرلمان الاوروبي يتحدّث عن عبثية نزاهة الانتخابات التركية لولا يقينه بأنّ شيئاً ما يمكن ان يطرأ وتبيّن اليوم حسب مصادر معارضة تركية انّ هناك من فاوض أردوغان على أصوات فتح الله غولن مقابل التزامه بمقرّرات فيينا وابرزها بقاء الأسد، وكلّ هذا رهن الأيام المقبلة تأكيداً أو نفياً ليبقى الأساس انّ اردوغان بقي وسيكون لهذا البقاء أجندة جديدة يتأثر بها أولاً حزب العدالة والتنمية الامتداد الأساسي لجماعة «الاخوان المسلمين» بالمنطقة.

لبنان الذي يحضر في اجتماعات فيينا ايضاً كدولة مجاورة يتوجب عليها الالتزام بما يقرّره المؤتمر بعيداً عن النأي بالنفس هذه المرة، يعرف انه معنيّ بنتائج الانتخابات التركية بطريقة مباشرة، لأنّ اللاعبين السياسيين فيه وامتداداتهم الخارجية أخذت حساباته الداخلية الى الخارج حتى باتت قطر الحليف الأهمّ لتركيا والمموّل الأكبر لمشاريعها أكثر الطامحين لدور لبناني مقبل بعد فوز اردوغان، وهو امتداد لسياستها التي لا يمكن ان تحمل نفس الزخم بخسارته، وهي اليوم امام فرص أعلى في التدخل في لبنان وبالتحديد في ملف انتخاب رئيس للجمهورية.

قطر التي أرسلت رسالة هامة عبر الشارع للداخل اللبناني بإعلامها المنظم جمّدت تحرّكها بانتظار النتائج التركية على ما يبدو، وبعد هذه النتائج يمكن لها ان تتقدّم لتكون لها اليد الطولى في الانتخابات الرئاسية على غرار عام 2008 في الدوحة، فيكون الشارع اللبناني امام تحرك جديد ينتهي بفوضى تأخذ البلاد الى المطالبة بحلول سريعة تستثمرها قطر وتحتجز مجدداً صوتها الذي حفظته في رعايتها انتخاب الرئيس مبيشال سليمان، ومن هنا فإنّ فرصة القطريين في لبنان اليوم وبفوز أردوغان اكتسبت زخماً جديا لم يكن ممكناً الحديث عنه لو خسر بالتأكيد، خصوصاً بعدما بدت سلطنة عُمان المنافس الجديد لقطر الذي يمكن له لعب دور وسيط منتج بين يجمع الاميركيين والايرانيين، خصوصاً أنّ الدوحة فقدت الكثير من أوراقها نتيجة سياساتها في «الربيع العربي».

قد يقترب لبنان من موعد تصعيد جديد في الشارع ترعاه وتستفيد منه قطر وتفرض مرشحها الرئاسي بفوز تركي يرفع بالمنظور القطري إمكانية المطالبة بوضعها على سلم حساب التسويات في المنطقة لكن ليس ضرورياً ان تصيب الحساب طالما انّ حزب الله لم يكشف كلّ أوراقه الرئاسية بعد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى