الدور الأميركي في الحرب السادسة على الحوثيين…
علي القحوم
كشف معهد RAND عن مشاركة أميركا في الحرب السادسة مع الحوثيين في تقرير كتبه بارك سالموني وهو عالم في الشؤون السياسية يعمل لدى مؤسسة البحث الأميركية RAND للدفاع القومي وشارك في التقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بتاريخ 13 تموز 2010… فعند قراءتي لإحدى الترجمات لتقرير مطول نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى RAND باسم «حرب اليمن الأبدية» فذكر هذا التقرير دراسة مفصلية ودقيقة عن الحوثيين في شتى النواحي المختلفة ومن أهم النقاط التي ذكرها التقرير هي إمكانيات الحكومة وإمكانيات الحوثي فقارن بين القوى الحوثية وقوى السلطة حيث قال إن السلطة تمتلك أعداداً كبيرة من الأسلحة الثقيلة… ولكنها مبنية على التجنيد وغير مسلحة بشكل متساو على رغم زعم الحكومة اليمنية بأنها التزمت لأميركا بشن عمليات التدمير المضبوطة والدقيقة ضد أهداف حوثية قد صورت عبر الأقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع… وذكر التقرير أنه بعد فشل السلطة اليمنية والسعودية في ضرب هذه الأهداف في شمال اليمن حينها، تدخلت الطائرات الأميركية وقامت بالقصف لتلك الأهداف التي أسمتها بالعمليات المضبوطة والدقيقة، فنفذت فعلاً هذه العمليات من قبل قوات الطيران الأميركي من القواعد والأساطيل التي تكمن في البحر الأحمر وخليج عدن حيث صار ضحية هذه العمليات النوعية من المواطنين العزل ما يقارب الألف قتيل. وعلى صعيد آخر صرح قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط لوسائل الإعلام أثناء الحرب السادسة حيث قال: «إنهم لم يأتوا من أجل الملاحة والقرصنة وإنما أتوا من أجل قطع الإمدادات التي تأتي للحوثيين من البحار».
وكذلك تطرق التقرير إلى أن الحوثيين ينتمون إلى الطائفة الزيدية، فقال إنه من الخطأ تسمية الحوثيين بالحركة الشيعية فقط لأن الحوثيين هم زيديون… فعرف تنظيم الحوثي بحسب اعتقاد الأميركيين بأنهم حركة منظمة ملتزمة ولا يريدون انتزاع السلطة من الحكومة اليمنية فيخوض الحوثيون الحرب كخلايا مبنية على النسب وروابط الشبكة الاجتماعية الموصولة بالثقة ويقاتلون على أقاليمهم الخاصة، وهم منظمون بشكل متراخ… كما تطرق التقرير إلى أنه لم يوجد دليل صامد حول المساعدات الإيرانية الخفية للحوثيين الذين لا يحتاجون للبحث عن أسلحة صغيرة من إيران لأن الأسلحة موجودة ومتوافرة بشكل جاهز في اليمن، فأسواق السلاح مليئة وتعج بالأسلحة المتنوعة الخفيفة والمتوسطة… وأما من شأن الأسلحة الثقيلة التي يعرضها الحوثيون في مقاطع فيديو يوزعها مكتبهم الإعلامي على وسائل الإعلام المختلفة فقد استولوا عليها من مواقع تابعة للجيش اليمني، وكذلك من مواقع تابعة للجيش السعودي التي دخلت في أثناء الحرب السادسة المسماة بالأرض المحروقة.
هنا كان مشهد الحرب السادسة مؤلماً والتضحيات كبيرة جداً والخسائر من قبل الأميركيين والسعوديين والنظام اليمني فوق الخيال والمتوقع، حيث أجلى النظام السعودي أكثر من 450 قرية بعد أن فشل في حسم المعركة وكثف من القصف بالمدفعية والطيران، فقصف بأكثر من 71 ألف صاروخ وقذيفة أطلقها باتجاه الأراضي اليمنية وأكثر من 5 آلاف غارة جوية شنتها الطائرات الأميركية والسعودية واليمنية على شمال اليمن، فكانت الحرب السادسة حرباً بما تعنيه كلمة حرب حيث شرد أكثر من ربع مليون نازح ودمرت الآلاف من البيوت والمزارع وطال أمد الحرب وتجلت أشياء كثيرة جداً حيث أن أبناء المناطق الشمالية صمدوا أمام هذه القوى الكبرى التي تمتلك كل الإمكانيات التكنولوجية المتطورة…
وحينما أدرك الأميركيون أن مسار الحرب لا يخدمهم لا سيما بعد صمود الحوثيين في الحرب وأن إطالة مدى الحرب ليس في مصلحتهم فسارعوا في وقف إطلاق النار، وأوعز الأميركيون المهمة إلى معهد أبحاث الدفاع القومي «راند» على أن يقوم هذا المعهد بتقديم دراسة مفصلة لكل الجوانب السياسية والإعلامية، والثقافية والعسكرية والاجتماعية للحوثيين… لما من شأنه الاستفادة من الدراسة للمحللين الاستراتيجيين والاستخبارات والمخطيين العسكريين المعنيين بأمن شبه الجزيرة العربية واليمن والقرن الأفريقي.
رعت هذا البحث دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وكالة الاستخبارات الدفاعية وتمت إدارة وتنفيذ البحث من قبل مركز السياسة الاستخباراتية في معهد أبحاث الدفاع القومي «راند»، وهو مركز أبحاث وتطوير مموّل فيديرالياً يرعاه مكتب وزير الدفاع، رئاسة هيئة الأركان، قيادة الأركان فيلق المشاة البحرية، وكالات الدفاع، وهيئة الاستخبارات الدفاعية. كما أن هذه الدراسة ليست بحثاً عادياً لأغراض أكاديمية صرفة أو لأغراض النشر فحسب، بل هي دراسة مفصلة عن جماعة الحوثي في شمال اليمن يغلب عليها الأسلوب الاستخباراتي، فيقدم هذا البحث رؤية تحليلية استخباراتية كاملة حول جماعة الحوثي لكي يستفيد منه صناع القرار والساسة في البيت الأبيض.
وبالتالي استنتجت هذه الدراسة أشياء كثيرة عن صمود الحوثيين في الحروب الست، وبالأخصّ الحرب السادسة، لأنها كانت حرباً بيولوجية متطورة استخدمت فيها الأسلحة المتطورة والتقنيات الحديثة ومن ضمنها أن لدى الحوثيين منهجاً ثقافياً قوياً منبثقاً من القرآن الكريم، ويحظون بقيادة تمتلك الخبرة والحنكة والذكاء في التعامل مع كل الظروف، حيث استطاع السيد عبدالملك الحوثي أن يدير الحرب السادسة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، فالرجل يتمتع بحنكة سياسية وتكتيك عسكري متميز وكأن الحروب الماضية علمته أشياء كثيرة، فالتجربة التي خاضها في السنوات الماضية كانت كفيلة بأن يستفيد منها، فجعلته رجلاً قوياً وعبقرياً ومخططاً عسكرياً ورجلاً سياسياً مخضرماً من الطراز الأول… لا سيما تعامله مع مؤتمر لندن والذي استبق المؤتمر بخطوات ذكية وسياسية مما جعلت المؤتمر يفشل ويخرج المؤتمرون بخفي حنين.
وفي سياق الخطوات التي ساعدت الحوثيين على الصمود بحسب دراسة «راند» هي القاعدة الشعبية والنسيج الاجتماعي المترابط التي تحظى به جماعة الحوثي والذي تحدثت عنه هذه الدراسة بشكل كبير وأخذت حيزاً كبيراً من هذه الدراسة. هنا الساسة في البيت الأبيض حبذوا أن تقف الحروب الرسمية والنظامية ضد جماعة الحوثي في شمال اليمن حتى يعدوا خططاً جديدة لتفكيك القاعدة الشعبية والنسيج الاجتماعي. وإذا استطاعوا إصراف الحوثيين عن ثقافتهم القرآنية التي يحملونها، ويتأتى ذلك ضمن مسلسل تآمري يستهدف أبناء المناطق الشمالية.
حينها سارعت أميركا بتغيير سفيرها في اليمن بعد الحرب السادسة واستبداله بسفير يهودي الأصل «جيرالد فايرستاين» يمتهن ميزة التفريق وخلخلة المجتمعات المسلمة، ويجيد التلاعب بمثل هذه الملفات والقضايا الاجتماعية. فعمل السفير الأميركي على المستوى الإعلامي والسياسي، فتلاعب بالورقة القبلية والطائفية والتفجيرات، ولم يترك أي عمل يستهدف فيه اليمنيين ككل إلا وعمله. ولكن وعي الشعب اليمني أعاق كل مؤامراته وخططه الشيطانية وافتضحت أدواته المحلية، وكذلك تحركت أميركا على المستوى الاستخباراتي والمعلوماتي ونشاط الطائرات التي تحلق دائماً وبشكل مستمر في سماء المحافظات الشمالية وجهزت غرفة عمليات داخل سفارة أميركا بصنعاء لمتابعة كل الإعمال الاستخباراتية والميدانية. فالمؤامرات الأميركية السعودية التي تستهدف أبناء المناطق الشمالية لم تكن وليدة يومها بل هي ممتدة منذ بداية تحرك الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه في عام 2002 عندما تحرك وذكر الناس بالقرآن الكريم ورفع شعار البراءة «الله أكبر الموت لأميركا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام»، ودعاء إلى مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية وإلى رفض السياسات الاستعمارية الصهيو أميركية.
ويرى مراقبون أن أميركا يراودها القلق الكبير ويقض مضاجعها تزايد القاعدة الشعبية والنسيج الاجتماعي لجماعة الحوثي، لاسيما مشاركتهم النموذجية والسلمية في الثورة الشعبية، فرهانهم على تفكيك القاعدة الشعبية والنسيج الاجتماعي الذي تحظى به جماعة الحوثي في شمال اليمن باءت بالفشل ومنيت بالخسران وتحطم كل ما تمنوا به، وذلك بصمود أبناء المناطق الشمالية أمام هذه المؤامرات وكذلك وعيهم القرآني وتمسكم به جعلهم يدركون الخطر المحدق باليمن الآتي من البحار من تلك الفرقاطات والغواصات والبوارج والقطع العسكرية الأميركية التي تكمن في البحار والجزر اليمنية وباب المندب.
alialsied gmail.com