أكراد سورية والخطأ التاريخي
عامر نعيم الياس
قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أول ظهور علني له بعد الأزمة الصحية التي ألمت به في معرض ردّه على سؤال لقناة الميادين حول منع الأكراد إجراء الانتخابات الرئاسية في مناطقهم «أن لا علم له بتلك الخطوة، لكن إذا كان ما يتداول في الإعلام صحيحاً فإن الأكراد يرتكبون خطأً تاريخياً»، حينها فهم ما قاله رأس الدبلوماسية السورية على أنه تحذير ضمني للأكراد من مغبة الوقوع في فخ الحلم الكردي، بالتوازي مع ذلك بثّ التلفزيون السوري الرسمي لقطات مصوّرة لزيارة قام بها وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج إلى محافظة الحسكة حيث تفقد وحدات الجيش العربي السوري العاملة هناك وأدلى تصريحاً ملفتاً حول وحدة الأراضي السورية غامزاً من قناة الطموحات الانفصالية للأكراد جاء فيه بأنه «لا تفريط بسنتيمتر واحد من الأرض السورية وتحديداً الحسكة» وزير الدفاع السوري من أصول عشائرية، والمعروف أن هذه الأخيرة ساهمت في ضرب مخطط البلبلة الذي بدأ في القامشلي عام 2004، ففي ذلك الوقت وبذريعة مباراة كرة قدم بين ناديي الجهاد والفتوة، قام نحو 700 كردي بمهاجمة الأحياء التي تقطنها أكثرية مسيحية من العرب والسريان وحطموا واجهات منازلهم ومتاجرهم بغية دفعهم إلى مغادرة المدينة، وهو ما دفع حينها زعماء العشائر العربية إلى التدخل لمنع الأكراد من «المساس بالنظام الداخلي لمدينة القامشلي أو التهجم على ممتلكات العرب والمسيحيين أو إطلاق شعارات تمسّهم».
عشرة أعوام مرت على أحداث القامشلي، أو ما يسميه الأكراد السوريون حتى يومنا هذا «انتفاضة قامشلو»، تغيّرت فيها المعطيات ودخلت سورية في مواجهة حرب دولية إقليمية بأدوات محلية تستهدف وحدتها الجغرافية أولاً ودولتها المركزية وكيانها ثانياً، وهنا أعلنت ما تسمّى «الإدارة الذاتية الديمقراطية للمناطق ذات الغالبية الكردية» في سورية عبر «المجلس التشريعي لمقاطعة الجزيرة» التي تأسست في الشهر الأول من العام الجاري، أعلنت عن «فتح باب الترشح لمنصب حاكم المقاطعة» خلال جلسة عقدت أول من أمس في مدينة عامودا شمال محافظة الحسكة. وبحسب البيان الصادر عن المكتب الإعلامي للمجلس التشريعي الكردي «يتم تقديم طلبات الترشح إلى المحكمة الدستورية العليا للمقاطعة في مقرها الكائن في الحي الغربي لمدينة «قامشلو» في المركز الحقوقي لروج آفا». فما الذي يريده أكراد سورية؟ أليس الحكم الذاتي المغلّف بشعارات الحفاظ على وحدة سورية، كالسم المغلّف بالسكر؟ ألا تشكل تصريحات وزيري الدفاع والخارجية السوريين بما يمثلانه من الموقفين السياسي والعسكري في الدولة السورية، جرس إنذار على الأكراد التنبه له؟
الواضح أن الدولة السورية متنبهة بشكل كامل لما يحاك في شمال سورية من جانب الحزب الديمقراطي الكردي والإدارات التي أسسها، فابتداءً بالموقف من الانتخابات الرئاسية وليس انتهاءً بمحاولة الأكراد شرعنة حكمهم للحسكة وجوارها، تندرج خطوات الأكراد السوريين في إطار الرد على الموقف الحازم الذي اتخذته الدولة السورية في ما يخص وحدة الأراضي السورية، حيث أنه من الواضح ان دولة «داعش» والمستفيد منها الأكراد في العراق راجعوا مقال «كردستان إلى الأمام» في جريدة البناء بتاريخ 14 حزيران 2014 ، من الواضح أن هذه الفوضى داعبت أحلام الانفصاليين ودفعتهم للتقدم خطوة على طريق الحكم الذاتي مستغلين الفوضى الاستراتيجية والتغيّر اللحظي في أولويات المواجهة التي فرضتها دولة جهادستان الداعشية على سورية والعراق، هذا الأخير الذي بات انفصال كردستان عنه أمراً واقعاً على الصعد كافة، بدعم علني ومكشوف من الولايات المتحدة وتركيا و«إسرائيل»، حيث طالعتنا الأخبار برسو ناقلة تحمل شحنةً من خام نفط كردستان العراق المنقول عبر خط أنابيب ميناء جيهان التركي، في ميناء عسقلان «الإسرائيلي» في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة 20 حزيران 2014، والجدير بالذكر، أن الاتفاق التركي – الكردي جرى من دون موافقة الحكومة العراقية المركزية، ودخل حيّز التنفيذ مع تأسيس دولة داعش في شمال شرق سورية وشمال غرب العراق، وهو ما يمنح بُعداً إضافياً للمد الـ «داعشي» على الأراضي السورية العراقية ويطرح تساؤلاً مشروعاً حول شكل ماهيّة العلاقة التي تربط الدولة التركية والأكراد بتنظيم داعش.
سورية ليست العراق وإمكان قيام كيان كردي مستقل في قلب سورية يُعد ضرباً من ضروب الحماقة على المستويين الجغرافي والديمغرافي، والجمهورية العربية السورية لم تقدم هذه التضحيات للقبول بمقايضات فئوية وسياسية رخيصة على حساب وحدة أراضيها، هذا ما حملته رسالتا المعلم والفريج.
كاتب سوري