بفوز أردوغان بدأت أميركا بجوائز الترضية
ما حصل في الانتخابات التركية يُعتبر مفاجأة على كلّ الأصعدة، فمن كان يتوقع فوز أردوغان لم يكن في أكثر الاحوال يتوقع فوزه بأكثر من فارق بسيط عن خصومه، إلا أنه استطاع ان يعود بفوز مدوّ قلب كلّ الأوراق ووضع الأسئلة على الطاولة فباتت كواليس ما جرى في الانتخابات التركية الشغل الشاغل لكلّ المراقبين لأنّ الأكيد أنّ شيئاً ما قد جرى.
عجزت كلّ استطلاعات الرأي ومراكز الأبحاث والقرار في تركيا بما فيها الموالية له عن توقع هذا الفوز لحزب العدالة والتنمية ومعها أيضاً وسائل إعلام وصحف دولية كبرى وعريقة مثل «واشنطن بوست» و«لوموند» و«غارديان» و«اندبندنت»، ما أكد أنّ الأمر فيه من السياسة ما يكفي لقلب الطاولة، لأنّ الأمر لم يعد يتعلق بالأرقام، وفي هذا الإطار وحده البرلمان الأوروبي مشهود له بتوقعاته التي استبعدت النزاهة وعبثية الانتخابات في ظلّ حكم العدالة والتنمية في تركيا، والأكيد أيضاً انّ البرلمان الأوروبي لم يكن يطرح هذا التشكيك إلا بعد معطيات محدّدة. وعشية إعلان النتائج صدر عن المعارضة التركية ما يمكن اعتباره أرضية يمكن البناء عليها كفرضية تجيب على كلّ الأسئلة مفادها استسلام أردوغان لنتائج فيينا وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد فمنحه الأميركيون الفوز بأصوات فتح الله غولن التي تشكل 10 من الناخبين الذين منعوا أصواتهم عنه في حزيران الماضي، وتوزعت حينها على الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي فأفرج عن معتقلي غولن وتصالح مع مناصريه ووعدهم بحقائب وزارية بضمانة أميركية.
هذا الكلام السياسي البحت تفسّره اليوم مواقف اردوغان السابقة من الرئيس السوري قبل ان تهم الدول بالمشاركة بمؤتمر فيينا، ففي تطور لافت للموقف التركي من الازمة السورية ومن أنقرة التي لطالما أصرّت على ضرورة رحيل الأسد قبل الحديث عن أيّ تسوية سياسية أعلنت عن قبولها ببقائه «رمزياً» لمدة ستة أشهر ضمن اتفاق سياسي ينهي الأزمة.
هذا التصريح الذي نقل عن مسؤولين كبار في الحكومة التركية تمّ بناء على اتصالات أنقرة مع واشنطن وباقي الحلفاء ما يشير إلى أنّ تغييراً ما لمواقف تركيا أخذ بسلوك الطريق.
الخبراء اعتبروا حينها انّ هذا التحوّل جاء مدفوعاً بتشابكات الملف السوري وزيادة الضغوط عليها في أكثر من جبهة، منها خطر «داعش» وأزمة اللاجئين، إضافة إلى الهاجس الأكبر لتركيا والمتمثل في الأكراد، لكن اليوم وبعد فوز أردوغان يستحضر الى الأذهان ذلك الاتصال الشهير الذي أجراه أوباما قبل فترة بسيطة من الانتخابات حيث أفاد مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق من شهر تشرين الأول الفائت أنه والرئيس الاميركي باراك اوباما أكدا خلال اتصال هاتفي هدفهما المشترك لزيادة الضغوط العسكرية على «داعش» وتقوية المعارضة المعتدلة لإيجاد الظروف المناسبة لانتقال سياسي في سورية…
إذاً فإنّ المقايضة لحلّ سياسي في سورية كانت حاضرة دوماً عند الاميركيين الذين على ما يبدو بدأوا بمحاولات استرضاء حلفائهم عبر جوائز الترضية التي ستمنعهم من إعاقة سير العملية السياسية في سورية التي تدرك واشنطن ان لا مفرّ منها قبل ان تحرجها روسيا بالتقدّم السريع نحو حلّ لا يحفظ لأحد اوراق قوة بعد ان تكون نتائج الميدان قد تحدثت بقوة.
لكن فوز أردوغان لا يقتصر فقط على الملف السوري بكلّ تأكيد، فإنّ للأميركيين وحلفائهم «الإسرائيليين» مصلحة أساسية في بقائه تتمثل بالامتداد الذي يمثله حزب العدالة والتنمية وعلاقته المباشرة مع حركة حماس، وهي الفرع الأصلي لجماعة «الاخوان المسلمين»، وهنا فإنّ ما يتعلق بالملف الفلسطيني فإنّ مصلحة «إسرائيل» تقتضي بقاء من يمون وينسّق ويشرف على حركة حماس في ايّ تسوية سياسية مقبلة فيكون شريكاً معهما.
فوز اردوغان أول نتائج استرضاء الولايات المتحدة لحلفائها الخاسرين بعد انتصار الايرانيين في ملفهم النووي ودخول الروس مباشرة كقوة أجنبية أساسية لأول مرة الى المنطقة.
«توب نيوز»