في الحديث عن الدور الأممي
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
يعود الدور الأممي أدراجه في رحلة البحث عن مصداقيته المفقودة، سواء ما برز منها عبر تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول موقف الغرب غير المسؤول من سورية على حدّ تعبيره، أم بالإضافات الجديدة لمهمة مبعوثه إلى سورية بعد لقاء فيينا، بحكم ما آلت إليه أحوال وأوضاع الكثير من المهمات الأممية على مدار العقدين الماضيين، وربما أبعد قليلاً، وتحديداً في حقبة الأحادية القطبية التي تسيّدت فيها أميركا أروقة المنظمة الدولية، وفرضت معاييرها في انتقاء الأدوار والأشخاص على حدّ سواء.
فالفرص المتاحة اليوم تبدو مبشرة لجهة توافر جزء من عوامل الموضوعية، بما تعنيه من فرضية المصداقية على الدور الأممي، حيث بروز ملامح قطبية متعددة في المشهد الدولي وانسحاب الأمر على القضايا والمشكلات العالقة التي تنتظر دوراً أممياً، يتمسك هذه المرة بسقوف مرجعيته، ويرفض المسّ بها أو القبول بأنصاف الحلول الضائعة أو المهدورة أو المنحازة سلفاً، وينطلق من قاعدة تتحكم فيه عوامل الاتزان التي تعكس إلى حدّ بعيد تراجع تأثير الهيمنة الأميركية من مركز الصدارة والتفرد فيها إلى موقع لاحق أو موازٍ لأدوار دولية أخرى برزت، وتحديداً الروسي منها.
هذا لا يعني أننا أمام انقلاب في جوهر المهمة الدولية، ولا في مضمون الدور الأممي على أهمية المتغيّر والمناخ وتعديل المزاج في النظرة إلى الحالة القائمة، وما تتطلبه من شروط ومحدّدات تتحرك وفق معاييرها أو مقاييسها، لكننا على الأقلّ أمام مقاربة تعكس ذلك المناخ، وتترجم حالة التجاذب القائمة في المشهد الدولي، وهو ما يمكن البناء عليه لاحقاً وربما يكون الدور الأممي أمام اختبار، سيكون من الصعب عليه تجاوزه، ما لم يرمِ بالكثير مما تراكم على هوامشه وداخل أروقته من عهود الاحتكام، إلى المفهوم الغربي وحرفية الأميركي منه، واستبعاد أي بارقة أمل من القرارات الأممية في تلك الحقبة الممتدة، إلا تلك التي تكون على مقاس الأطماع الغربية ووفق معايير المصالح الأميركية وحساباتها.
ما يدفعنا إلى الجزم بتلك الفرص المتاحة وباتساع المساحة أمام الدور الأممي، وما يمكن استخلاصه من دروس التجارب الماضية، لا يعود إلى بعض المواقف والتصريحات التي خرجت إلى العلن لأول مرة من المنظمة الدولية وأمينها العام، ولا إلى موقف مبعوثها الخاص إلى سورية، وما يحمله في جعبته من مهمات إضافية تعيد الحياة إلى موقعه، وتحافظ على ماء وجهه، بعد أن ذهب الكثير من محاولاته أدراج الرياح في سنوات سابقة والتي نتجت في أغلبيتها، إن لم يكن في جميعها، من غياب الجدية الغربية والأميركية في التعاطي بجدية مع ذلك الدور ومع تلك الأفكار وما تطرحه أو تقدّمه.
وما يجعلنا نتوقف للحديث عن الدور الأممي، لا يرجع فقط إلى المتغيّرات في المشهد الدولي فحسب، بل بما هو محكوم به في أي مقاربة تفرض مرجعية الأمم المتحدة وقراراتها باعتبارها تشكل حائط سد أمام أي انزلاق في المصطلح أو المفهوم، يمكن أن يكون حاضراً في القراءات الملتبسة، أو في التفسيرات الخاصة بما خلصت إليه لقاءات فيينا حول سورية، بحيث تكون الحاضنة الأممية بما امتلكته من عودة، ولو متأخرة لامتلاك الجرأة في الحديث عن تلك المرجعية المركونة والمحيّدة بفعل تجاذبات الهيمنة الأميركية معياراً يمكن الركون إليه، ومستنداً يصلح للمحاججة أمام مماحكة غربية، بدأت تطفو على سطح التفسيرات، ولغو إقليمي لم يترك لحبر بيان جنيف أن يستقرّ على وريقاته اليتيمة التي خرج بها.
فالعمل الأممي، لا يُقاس فقط بعدد الجولات التي يمكن أن يجريها، ولا في سياق الحديث عن الأفكار المطروحة، ولا بعدد المبادرات الجاهزة للطرح، بقدر ما يكون رهناً بما تنتجه دبلوماسية المنظمة الدولية من إتقان في الحفاظ على مرجعيتها ومقدرة على احتضانها وتفعيلها، والتي تقتضي في الحدّ الأدنى الأخذ بما سبق له أن اتخذته من قرارات، وتحديداً تلك التي اعتمدتها في مجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب والالتزام الإقليمي والدولي بها.
التجربة في المنطقة مع الدور الأممي لا تشجع، لكن إحياءه واستعادة مصداقيته تبقى مهمة عاجلة، وحقول الاختبارات الملحة تطول لائحة تعدادها، ومن المبكر الاستعجال في تقييم مدى قدرتها على الانتقال الفوري أو التدريجي من حقبة الرضوخ للمشيئة الأميركية إلى حقبة العودة إلى مسرح الأحداث من بوابة الأحقية والمشروعية التائهة لعقود طويلة، ولا بدّ من خطوة في هذا الاتجاه، تدلّل على ذلك، وأولها التمسك بما صدر عنها كمرجعية، تتوازى مع مرجعية وجودها ودورها، بحيث تحكم تحركات مبعوثيها، وتفرض إيقاع طرحهم ومهماتهم، والأهمّ أدوارهم وما تقتضيه…!
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية