الغارقون في الطائفية والمذهبيّة
جمال العفلق
لم تعد خافية على أحد سيطرة الخطاب الطائفي والتحريض المذهبي عند أدوات المال الخليجي والتخطيط الأميركي، الذين ما أن أعلنت الحرب على سورية حتى تمترسوا خلف كذب إعلامي وتضليل دفع ضعاف النفوس الى ترداده والعمل عليه. وكان هؤلاء يغالون في بياناتهم الطائفية كأنهم في سباق محموم إلى تقديم فروض الطاعة والانقياد للحملة الوهابية الأصولية القائمة على مبدأ إلغاء الآخر، تلك الحملة التي تتقاطع مع مصالح الصهيونية العالمية حتى وانْ أغضب هذا الكلام كثراً من الذين يعتبرونه مجرّد اتهام ولا يستند الى شهادات مكتوبة. ففي الحرب المعلنة على سورية كان السقـوط المدوي لرموز كنا نعتقد أنها علمانية أو تميل إلى العلمانيـة، ولم تكن في نظر السوريين أصولية في أيّ حال من الأحوال. فقبول التيار العلماني السوري الموجود في هرم المعارضة التي جُمعت تحت اسم «مؤتمر اسطنبـول» والذي نتج منه ما يسمّى «ائتلاف الدوحة» أو «الائتلاف السوري المعارض» الذي أُخضع المنتمون إليه لقيادة حركة «الإخوان المسلمين» المعروفة بجرائمها في سورية وباعتراف من كانوا في قيادتها في ثمانينات القرن الماضي، حتى وانْ كان هذا الخضـوع مخفيّاً أو غير معلن.
لم تتوقف ماكينة الإعلام المعادي لسورية عن توصيف ما يحدث على أنّه حرب قائمة بين مذهبين، مرة تقولها صراحة ومرة تمُرّها من خلال ضيوف مدرّبين على بث هذه السموم. وما مسمّيات الكتائب التي تقاتل الا دليل على غرق هؤلاء في الطائفية والمذهبية، وتصريحات ما يسمى «قادة ميادين» حول «إسرائيل» والغزل الذي تكرّر مراراً ليس إلاّ دليل بسيط على أنّ الحركات الأصولية تعمل في خدمة مشروع أميركي ـ «إسرائيلي» شكله العلني تحرير شعوب المنطقة ووقف الخطر الإيراني، وحقيقته تدمير الأرض والبشر ودفن حضارة عمرها آلاف السنين.
منذ إعلان «داعش»، أو في تعبير أكثر دقة، منذ إعطاء الأوامر لـ«داعش» بمهاجمة العراق، انبرى المنظّرون في عصابة اسطنبول للدفاع عن العملية واستثمارها في قالب مذهبي لا يمكن لوطني أن يقبل به، لأنّ ما يدافع عنه هؤلاء ببساطة هو إعلان موت للمنطقة وإعادتها الى ما قبل ألف وأربعمئة سنة إن لم يكن أكثر، ولا يمكن أن تصبّ هذه الاستعراضات الطائفية في مصلحة الوطن والمواطن الذي لطالما عزفوا على وتر الدفاع عنه.
خرج «ائتلاف الدوحة» بإعلان ادّعى فيه أنّ ما يحصل في العراق هو حراك شعبي إنّما فيه بعض «الداعشيين» على حدّ وصفه، أما «المجلس الوطني» الذي يعتبر رديفاً أساسياً لـ«الائتلاف» فقرّر مغازلة «داعش» وتسويقها فاعتبر أنّ ما يحصل في العراق هو نتيجة السياسة الطائفية كما قالت السعودية ، فكتب معدّو الإعلان قائلين: «أزهر ربيع العراقيين بعدما ضاقوا ذرعاً بالميليشيات المشبوهة الجوّالة العابرة للحدود من لبنان إلى سورية فالعراق، وبدولة ذات نظام طائفي هي إيران تقوم بتخريب ما بنته دول المنطقة وشعوبها على مدار مئـات السنين». ولو دققنا في عبارة «ميليشيات مشبوهة عابرة للحدود من لبنان الى سورية الى العراق» تصبح الصورة أوضح، فالهدف مما يحصل تدمير خط المقاومة في لبنان ووصفه بأنه يعمل على مشروع إيراني، وتوصيف سورية بأنها تابعـة للإيرانـي، وتصويـر العـراق بأنـه مستعمـرة إيرانيـة.
أخذ الغارقون في المذهبية والطائفية على عاتقهم محاربة إيران بالوكالة عن أميركا و«إسرائيل» وآخرين الذين أدركوا أنه لإضعاف المقاومة في لبنان يجب كسر الحلقة السورية ـ الإيرانية، ولكي تصل «إسرائيل» إلى إعلان انتصارها على إيران وسورية والمقاومة يجب إضعاف سورية ومنع العراق من النهوض، وللوصول الى إيران لا بدّ من تدمير كلّ ما هو محيط بـ«اسرائيل».
لكن، رغم هذا الركام الطائفي والمذهبي كلّه، نسمع اليوم عن تيار شعبي كبير ومن المذاهب والأطياف السياسية كافة يطالب بإعلان تحالف سياسي وعسكري يضمّ جميع القوى الوطنية والإقليمية لمحاربة هذا التمدّد المدعوم بمليارات الدولارات وأحدث الأسلحة، فهزيمة هذه التنظيمات الإرهابية لن تغيّر وجهة المنطقة فحسب بل سيكون تاريخ ولادة العالم من جديد.