«الوطني الحرّ»: تمادَوْا في الابتزاز
هتاف دهام
حسم التيار الوطني الحرّ ورئيسه الفخري الجنرال ميشال عون قراره. لا مشاركة في جلسة تشريع لا يُدرَج في جدول أعمالها قانون الانتخاب. التحدّي والابتزاز لن ينفعا معه، لا بل سيلقيان رفضاً قاطعاً وسوف يتّخذ أكثر من شكل في حال الاستمرار بتجاهل مطالب المسيحيين الدستورية والوطنية.
يقدّم وزير العمل السابق سليم جريصاتي، شرحاً مستفيضاً للوقائع التاريخية والمفاصل لموضوع قانون الانتخاب الموعود والمرفوض من السلطة المؤبَّدة، فبعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، قال العماد عون كلاماً مفاده «إنّ التشريع في مجلس النواب لا يمكن أن يحصل إلا من ضمن الضرورات فسُمّي هذا التشريع «تشريع الضرورة ، وأشار في حينه إلى أنّ هذا التشريع يتعلّق بإعادة تكوين السلطة، أولاً، كقانون انتخاب أعضاء مجلس النواب يتوافق مع الوثيقة والدستور، أما عن القوانين المتعلقة بالهوية اللبنانية، فهناك قانون استعادة الجنسية للمتحدّرين من أصل لبناني، والقوانين المالية الملحّة والقوانين المعيشية والحياتية المتعلقة ببديهيات حياة المواطنين.
قال تكتّل التغيير والإصلاح، والتيار الوطني الحرّ عموده الفقري، والرئيس المؤسس للتيار، كلاماً يتعلّق بتشريع الضرورة، وبالتالي انتظرنا، كما يقول جريصاتي لـ«البناء»، أن يكون التشريع على هذا الأساس، وكلّنا يذكر ويعلم أنّ تيار المستقبل قاطع جلسة تشريعية لبحث قانون الانتخاب قبل انتهاء ولاية الرئيس سليمان وبعد انتهاء ولايته، واعتبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري في حينه أنّ الميثاقية لا تتوفر لعقد جلسة عامة بمجرد غياب الممثل الأقوى للسنة في البلد، ثمّ أتى التمديد الأول للمجلس وقد واكب هذا التمديد، لا بل ورد في أسبابه الموجبة حتى أنّ المجلس النيابي سينكبّ فوراً بعد التمديد على وضع قانون انتخاب، وقال بري إنه سينام على درج المجلس إذا اقتضى الأمر، حتى يتمّ إقرار قانون انتخاب جديد. كان المقصود في حينه الاستغناء عن قانون الستين الذي كان ثمرة اتفاق الدوحة المشؤوم. إلا أنّ الوعد، وفق جريصاتي، ذهب أدراج الرياح، ولم يدرج يوماً على جدول أعمال أيّة جلسة تشريعية أيّ مشروع أو اقتراح قانون يتعلق بانتخاب أعضاء المجلس النيابي، هذا مع العلم أنّ اللجنة المُكلّفة دراسة قانون الانتخابات انتهت من دراسة اقتراحين ومشروع قانون، وهي مشروع قانون الحكومة القائم على جعل لبنان 13 دائرة على أساس النسبية، واقتراح قانون ما سُمّي «الاقتراح الأرثوذكسي» واقتراح القانون المختلط المقدّم من «القوات» بالاشتراك مع «التقدمي الاشتراكي» و«المستقبل»، والتي هي مهيّأة لطرحها على جدول الأعمال.
فلماذا الإصرار على استبعاد هذا القانون الذي من شأنه أن يُعيد إنتاج السلطة على أسس ميثاقية ودستورية صحيحة، بعد تمديدين للمجلس النيابي الحالي الذي انتُخب على أساس الستين؟ والأخطر من كلّ ذلك، بحسب جريصاتي، أنّ إبعاداً كهذا لا يمكن أن يكون بريئاً والهدف منه تأبيد هذه الأكثرية المستأثرة بالقرار والمتسلّطة والمتعجرفة، وهي أكثرية تتألف من فرقاء سياسيين مختلفين. كيف يمكن أن نشرّع صحيحاً إنْ غاب عن الجلسة التيار الوطني الحرّ الذي هو المكوّن المسيحي والوطني الأول، مضافاً إليه غياب حزبَي «القوات» و«الكتائب»؟ يسأل جريصاتي، ويقول للرئيس بري: «بالله عليك أين الميثاقية في هذه الجلسة؟ وهل يجوز تجاوز الميثاقية، في حين أنّ المبدأ الدستوري أتى على إطلاقه أن لا شرعية لأيّة سلطة تُناقض العيش المشترك؟ لماذا الابتزاز وكيف يحق أخلاقياً ودستورياً وشرعياً ووطنياً ابتزاز فريقنا السياسي بالقول إننا نُفقر لبنان ونعرّضه للعقوبات الدولية بعدم حضورنا في جلسة تشريع مالي بامتياز؟ هل نحن مَن نعطِّل أم أنّ المعطِّل مَن لا يدرج على جدول الأعمال البند الأهمّ، أيّ قانون الانتخاب الذي تنبثق منه كلّ السلطات الدستورية؟».
لقد أصبح الابتزاز متمادياً بصورة قاطعة وحصرية، يقول جريصاتي، لكن نحن لا أحد يبتزّنا ويبتزّ الجنرال، نحن لن نساوم في موضوع إعادة تكوين السلطة، لا سيما هذه السلطة التي أصبحت في عجز مطلق وترهّل واستسلام وإذعان وتبعية كاملة لأوامر عمليات خارجية للإبقاء على الوضع اللبناني على هشاشته الراهنة والخطيرة! فهل يُعقل أن نؤبّد سلطة لا تستطيع معالجة ملف النفايات الذي ينقضّ علينا بيئياً وصحياً؟ وهل يمكن أن نؤبّد سلطة عاجزة عن تأمين الحقوق البديهية للشعب اللبناني؟ وأن نؤبّد سلطة عاجزة عن انتخاب رئيس حتى أصبحت صفة للفراغ القاتل، فلا رئيس ولا حكومة ولا تشريع…؟