عندما تعجز الإعاقة أمام الخيال والإبداع!
سعادة كبيرة غمرت الشاب الفلسطينيّ محمد الدلو 20 سنة وهو يشاهد، من على كرسيّه المتحرّك، عشرات الزوّار الذين يتابعون بشغف كبير لوحاته الكرتونية، في معرض «آنيمي حياتي» الذي احتضنته بلدية غزّة في فلسطين المحتلة، ليحقق بذلك حلماً راوده منذ سنوات خلت.
وعلى رغم إصابة محمد بضمور العضلات منذ صغره، وعدم قدرته على الحركة بمفرده، ما حال دون إكمال دراسته، فإنه استطاع، باستخدام يديه فقط، أن يكسر عزلته التي فرضها عليه المرض، وأن يتقن فنّ رسم اللوحات الكرتونية المعروف بِاسم «آنيمي».
وما أن أنهى محمد قصّ شريط الافتتاح، حتى دفع والده كرسيّ ابنه المتحرّك متجوّلاً به في أرجاء المعرض، ليشرح للحاضرين عن لوحاته الفنية، وسط إعجاب الزائرين وانبهارهم.
تنوّعت لوحات معرض «آنيمي حياتي» المقام على أرض «قرية الفنون والحِرف» في مدينة غزّة، والتي رسمها محمد ما بين شخصيات الألعاب وأفلام الكرتون «القناص»، و«يوغي»، و«ماروكو»، و«دراغونبول»، و«كونان»، و«سلام دانك»، إضافة إلى اللوحات الخاصة بالقضية الفلسطينية كرسم الشخصيات الفلسطينية، من الشاعر محمود درويش، إلى المناضل غسان كنفاني، وكذلك رسم صوَراً للمقاومين الفلسطينيين وأطفال الحجارة.
يحاول الفنان محمد الدلو إظهار أسلوبه الخاص عبر رسم الـ«آنيمي»، الفنّ النادر في غزّة. كما يثبت أن الإعاقة لا تقتل المواهب، وأن من بين أصحاب الاحتياجات الإضافية من هم أكثر كفاءةً من الأصحّاء.
ويقول الفنان محمد الدلو بصوته الضعيف، وهو محاط بعشرات المعجبين: في معرضي رسومات للصغار، في وقت يرسم الجميع للكبار، إذ أحاول عبر لوحاتي زرع القيم والمبادئ والقضية الفلسطينية في عقول الأطفال.
ويضيف الفنان الفلسطيني: أشكر بلدية غزّة على تنظيم المعرض، الذي يضمّ نحو خمسمئة لوحة آنيمي. لكنني أدعوها إلى ضرورة رعاية المواهب من ذوي الإعاقة بشكل دائم.
وشهد المعرض إقبالاً كبيراً من الطلبة الجامعيين المهتمين بالفنون، كما حرص الحضور على التقاط صوَر تذكارية مع بعض اللوحات. وعلّق الفنان محمد الدلو قائلاً: أشعر بالسعادة والفخر لأن الإقبال فاقَ جميع تصوّراتي.
بدورها، تقول الشابة داليا جربوع ـ إحدى الزائرات ـ إن فكرة المعرض جديدة ومميّزة، وتثبت أن الإبداع لا قيود ولا حدود له. مضيفة أن شخصاً بهذا الوضع ينتج أعمالاً بهذه الروعة، يعدّ مفخرة لكلّ الفلسطينيين.
وتؤكد جربوع ضرورة رعاية المبدعين من أصحاب الإعاقة، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم ومواهبهم. مشيرة إلى أن زيارتها المعرض تأتي من إيمانها بأهمية الفنّ في إيصال الرسائل إلى العالم.
أما الطالبة الجامعية شروق قلجة فتقول: ما أن تجوّلت في أرجاء المعرض لدقائق معدودة، حتى شعرت بمعايشة أجواء الرسومات من شدّة إتقانها.
وتضيف: أُحب الاطّلاع على كلّ جديد، وقد وجدت هنا فنّاً مميّزاً من شخص يعاني من إعاقة. مؤكدة أن حضورها هدفه تشجيع المواهب، لا سيما من أصحاب الاحتياجات الإضافية.
من جهته، يؤكد رئيس بلدية غزّة أن القطاع المحاصَر لا يقاوم الاحتلال الصهيوني بالبندقية فقط، إنما بِالرسم أيضاً، وذلك في سبيل تحرير فلسطين، والتعريف بقضيتها.
ويشير نزار حجازي إلى أن بلدية غزّة تولي اهتماماً بالمواهب الشابة قدر المستطاع، مشيداً بالإبداع الذي جسّده الفنان محمد الدلو من خلال رسوماته، والتي عُرضت في معرض هو الأوّل من نوعه في فلسطين.
كما دفعت الطريقة المتقنة التي رُسمت فيها اللوحات، الشاب عبد الله مطر ـ أحد الزوّار ـ ليعبّر عن انبهاره بما شاهد قائلاً: الجميع ممتنّون للفنان محمد الدلو لإدخاله فنّاً جديداً إلى غزّة.
ويقول: الفنان أثبت مقولة «لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة»، فلا شيء مستحيلاً، ونحن جئنا لدعمه وتأييده.