واشنطن تخطب ودّ العملاق الصيني تعويضاً عن إخفاقاتها المتتالية

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

حتّمت الخسارات المتتالية التي منيت بها الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً في أفغانستان والعراق واليوم في سورية، إلى جانب إخفاقاتها أمام صعود روسيا كقوة عالمية تفرض المعادلات وقواعد الحروب. كلّ ذلك، حتّم على واشنطن أن تبحث عن حلفاء جدد، غير الأوروبيين المنهكين بسبب الأزمات المالية التي تصيب القارة العجوز، فكانت الصين، العملاق الآخذ بالعودة القوية إلى الساحة العالمية، من خلال «طريق الحرير الجديد» وما يمثّله هذا الطريق من أهمية اقتصادية سياسية استراتيجية.

يظنّ كثيرون أنّ العملاق الصيني يقف على الحياد، خصوصاً بسبب تقرّب بكين من موسكو حيناً، ومن واشنطن حيناً آخر. لكن في هذا الظنّ خطأ. فبكين تحاول هي الأخرى فرض نفسها عالمياً كقوة يحسب لها ألف حساب. كقوّة يؤخذ برأيها، وتلعب أدواراً مهمة في صنع القرار العالمي.

في تقريرنا التالي، إضاءة على ثلاثة مقالات قاربت العلاقة بين واشنطن وبكين من ناحية، والفرص التي تستفيد منها الصين لتحقّق ما تصبو إليه.

المواجهة آتية لا محالة

كتب إسحق ستون فيش لـ«فورين بوليسي» الأميركية:

في مطلع حزيران الماضي، عقد رجلان مهتمان بالحروب الصينية أمسية ثقافية سوياً، وذلك في أحد المنازل الفخمة في منطقة جورج تاون الممتلئة بالأشجار، والتي تقع في العاصمة واشنطن. وعلى غير العادة، كان أحدهما ليو مينغ فيو ـ العقيد المتقاعد في جيش التحرير الشعبي الصيني ومؤلّف كتاب «الحلم الصيني» الذي يتناول محتواه إمكانية أن تحل الصينّ بدلاً من الولايات المتحدة، باعتبارها البلد الأقوى على مستوى العالم. ويرى ليو أنه ينبغي على حكومة بكين إنفاق المزيد من الموارد من أجل تقوية الجيش، ثمّ لن تجرؤ الولايات المتحدة على أن تتبارى مع الصين في المناطق المحيطة بمياهها الإقليمية.

وذكر العقيد المتقاعد رؤيته في كتابه قائلاً: «ينبغي إرسال المزيد من حقائب النقود إلى صانعي الرصاص والأسلحة». وقد نُشر كتابه في عام 2010، وهو الكتاب الذي يُعتقد أنه لعب دوراً في التأثير على الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي اتخذ عنوان الكتاب شعاراً مفضلاً له.

كان ليو في واشنطن منذ فترة، وذلك في جولة متعلقة بكتابه الذي نُشرت نسخته الإنكليزية في أيار الماضي. وتقاسم ليو الأمسية مع صاحب المنزل الفخم الدكتور مايكل بيلسبري الذي يُعرّف نفسه بأنه مؤيد سابق للشيوعية الماوية الصينية ، كما أنه عمل لفترة طويلة خبيراً استراتيجياً بالشؤون الصينية في البنتاغون. ويطرح كتاب بيلسبري، الذي يحمل عنوان «سباق السنوات المئة»، ونُشر في بداية السنة الحالية، فكرة أن لدى الصين استراتيجية سرية كي تحل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوى العظمى عالمياً بحلول 2049، أي بعد مرور مئة سنة على بداية سيطرة ماو تسي تونغ على زمام الحكم في البلاد. أخبرني بيلسبري أن الصين تفوقنا دهاءً في لعبة العروش بكل تأكيد، ونتيجة لذلك فإن الولايات المتحدة في حاجة إلى استراتيجية للتعامل مع هذا الصعود الصيني.

وخلال الأمسية، أخبر ليو الجمهور أنه بحق يحب الدكتور بيلسبري، أما الحضور فهم مجموعة من مراقبي الشؤون الصينية الذين يميلون باعتدال ناحية الفكر اليميني، وهم بعيدون بما فيه الكفاية عن الفكر اليساري. حتى أن أحد المعتدلين منهم أحس بحاجة إلى إخباري سراً قائلاً: «إنه لمن السخرية تواجدي في هذا المكان». وقال ليو إن أحد أصدقائه حذّره أن بيلسبري قد يكون جاسوساً رفيع المستوى يحاول عقد صفقة كبيرة، وأنه ـ ليو ـ على وجه التحديد لا ينبغي له أن يكون مع بيلسبري في مكان واحد، وأضاف قائلاً: «ولكنني أحب الدكتور بيلسبري للغاية، وهذا كل ما في الأمر». وعلى رغم تلك المشاعر العميقة التي يحملها العقيد ليو نحو الدكتور بيلسبري، فإنه من الغرابة أن نرى القطبين العالميين يتشاركان مساحة أمسية ثقافية بهذا الشكل. عقيد متقاعد في جيش التحرير الشعبي الصيني يقلب عصا راية القومية الصينية التي يحملها، ويتشارك القوى مع خبير استراتيجي سابق في البنتاغون كانت مهمته التحذير من قوة الصين.

في الثلاثاء الأول من حزيران، أتى ليو وبيلسبري إلى أحد مكاتب «فورين بوليسي» لإجراء مقابلة، وخلال المقابلة سألتهما عن التداخل بين رسالتيهما المختلفتين، فأجاب الدكتور بيلسبري قائلاً: «كل منّا يخبر الجمهور المحترم بألا يبخس من تطور الطرف الآخر وذكائه، فرسالتي هي: لا تستخفوا بالتطور والذكاء الاستراتيجي للصينيين». وأضاف بيلسبري إن كتاب ليو، الذي يضرب في جذور تاريخ الولايات المتحدة حد الوصول إلى التفكير الاستراتيجي لجورج واشنطن، يعد المردود على رؤيته. وأوضح بيلسبري قائلاً: «الكتاب يقول: نحن الصينيون لا ينبغي أن نستخف بالاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة».

ويرى بيلسبري، الزميل البارز في «مؤسسة هدسون الفكرية» ومدير قسم الاستراتيجية الصينية في المؤسسة، أن كتاب ليو يضرب في موضوعات ذات صلة بمصداقية الخبير الأميركي. وقد كتب بيلسبري أنه رصد الإحالة الأولى المكتوبة للرجوع إلى كتابه عن الصين «سباق السنوات المئة» في كتاب ليو، فوجود ليو نفسه ـ ورؤيته غير السائدة حول حاجة الصين إلى تهيئة العالم لحدوث سيادة صينية متسقة ـ يعد دليلاً يبرر ادّعاءات بيلسبري حول حاجة الولايات المتحدة إلى إعداد نفسها لمواجهة نموذج صيني عدواني.

لا يشتهر عسكريو جيش التحرير الشعبي الصيني، المتقاعد منهم ومن لا يزال في الخدمة، بالسخاء في تصريحاتهم، وليو نفسه لم يكن يعرض أي نوع من الانفتاح والمصارحة حول نواياه، لكنه كان هناك بسبب صداقته الشخصية مع بيلسبري، ومن أجل المبتغى الجليل في وجود تعاون وصداقة أميركية ـ صينية.

وبدلاً من الإجابة على أسئلتي، اقترح ليو أن يكون لكلّ منا 10 إلى 15 دقيقة يتحدث خلالها، كطريقة لتبادل الآراء. وعندما أوضحت له أن المقابلات لا تتم هكذا، أصرّ بشدة، ولكن بكل تؤدة، على أن أسأله ثمانية أسئلة دفعة واحدة، والتي بدأ بدوره في التهرّب منها الواحد تلو الآخر. فعندما سألته عن التقارير المتعلقة بتحقيقات الفساد التي أجرتها السلطات في بكين ضد قوه بوه شيونغ، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، وهي أعلى هيئة عسكرية بجيش التحرير الشعبي الصيني، قلل ليو من تلك الأنباء واصفاً إياها بمجرد إشاعات. ومع ذلك، حرص على التعبير عن رأيه في الصحافي الذي أجرى المقابلة معه، فقد قال لي بتسامح بعدما أصررت على أن يجيب على تساؤلاتي: «أنت شخص جدير بالمحبة». حتى أنه كتب إهداءً على نسختي من كتابه قائلاً: آيزيك، شاب جيد يساهم في العلاقات الودية بين الولايات المتحدة والصين» .

إذن، ماذا كان يفعل ليو هناك؟ من الصعب توقع ذلك، وبعد الانتهاء من تخمين الإجابة، وبكل بساطة، كلما اعتقدت الولايات المتحدة أن أشخاصاً مثل ليو يأتون في سلام، تكون حملة الصينيين أكثر نجاحاً. وكان لدى ليو فكرة أراد أن يخبرني بها واعتبرها مفاجأة. فقال: «إن جائزة نوبل للسلام تمثل إشكالية كبيرة». ولا تزال الجائزة محل جدل في الأوساط الصينية وذلك بعد منحها عام 2010 إلى المعارض الحقوقي الصيني السجين ليو شياوبو . وقد اقترح فكرة منح «جائزة أكثر تأثيراً» لأيّ شخص يعمل بشكل أوسع من أجل تطوير العلاقات الأميركية الصينية.

وختم ليو حديثه بابتسامة متملقة بدا متمرساً وخبيراً في التعبير بها: «ستكون هناك مراسم لتسليم الجائزة، وسيحضر الرئيس الأميركي وكذلك الرئيس الصيني».

تحدّي الخلافات التي لا تنتهي

كتبت «إيكونومست»:

في مقاله الذي نشر في مجلة «ناشيونال إنترست» في 26 آب الماضي، يشير السفير الصيني لدى أميركا، تسوي تيان كاي بشكل صحيح إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين تشمل التعاون واسع النطاق عبر مجموعة واسعة من الأنشطة، بما في ذلك التجارة والتعليم ومكافحة تغير المناخ، وإدارة السلام والاستقرار العالميين.

في الواقع، فإن العلاقة الثنائية هي في معظمها حول التعاون. ومع ذلك، وبشكل مأسوي، القطاع الضيق نسبياً من الخلافات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين يهدد بأن يطغى على العلاقة ككل. ومن المفارقات، أن رغبة تسوي في إدارة هذه الخلافات توضح كيف أن هذه الخلافات هي عن غير قصد مستعصية.

يشير السفير الصيني في وصفة لإيجاد حلول حول المسائل الخلافية التي تقسم بكين وواشنطن إلى ثلاث نقاط.

أولاً، على أميركا أن تخلق مناخاً داعماً للتسوية السلمية للمنازعات من خلال المفاوضات التي يشترك الطرفان فيها بشكل مباشر في نزاع بحر الصين الجنوبي. وبعبارة أخرى، ينبغي أن تتوقف واشنطن عن التدخل نيابة عن الأطراف الأخرى مثل الفيليبين وفييتنام، والتي لا يمكن أن تتنافس مع قدرة الصين على نشر السفن والطائرات أو بناء الجزر الاصطناعية.

ويقول عدد من المحللين الصينيين إن الرئيس الصيني شي جين بينغ لا يصر حقاً على أن تقوم أميركا بسحب تحالفاتها والانسحاب فوراً من قواعدها في غرب المحيط الهادئ. ولكن تسوي وغيره من كبار المسؤولين على ما يبدو يطالبون واشنطن بوقف ممارسة النفوذ في الدفاع عن الأصدقاء والحلفاء في المنطقة، حتى عندما يكون هؤلاء الأصدقاء والحلفاء في خطر التعرض للمضايقات من قبل الصين.

النقطة الثانية لتسوي، هي أن واشنطن ينبغي أن توقف الاتهامات التي لا أساس لها، أو دبلوماسية الصوت العالي. أشار تسوي إلى هذه النقطة في سياق الحرب الإلكترونية الصينية ضد الولايات المتحدة وبلدان أخرى، ولكنها تنطبق على قضايا أخرى مثل الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان.

وفي ما يتعلق بمسألة الحرب الإلكترونية، فربما يكون تسوي على حق بشكل ما. مارست كل من الصين وأميركا عمليات تجسس إلكترونية على رغم إنكارهما القيام بذلك.

وفي حين مارست واشنطن بعض التجسس الاقتصادي، فإن الصين مارست وبوضوح سرقة الأسرار التجارية لمصلحة صناعاتها المحلية. في أي حال، ربما يجب على الأميركيين القيام بعمل أفضل لحماية أنفسهم ضد التجسس الإلكتروني. فقط قدرة واضحة على الانتقام لديها فرصة لردع الهجمات الإلكترونية الصينية في المستقبل.

عندما يتعلق الأمر برغبة الصين في توقف الأميركيين عن كيل الاتهامات التي لا أساس لها حول قضايا حقوق الإنسان، فإننا جميعاً نعرف أن هذه نقطة دائمة من نقاط الاحتكاك. تماماً كما الحال مع الحزب الشيوعي الصيني الذي عهد قمع ومعاقبة الانتقاد غير المصرح به، فإن الأميركيين وغيرهم من الغربيين يطالبون بحق التعبير السياسي الحر.

الإشارة إلى أن أميركا لديها مشاكلها الخاصة في ما يتعلق بحقوق الإنسان لا يقنع الأميركيين بالكف عن الشكوى حول انتهاكات حقوق الإنسان في بلدان أخرى بدلاً من ذلك فإن الأميركيين يمضون قدماً في الشكوى من الانتهاكات سواء في الداخل أو في الصين.

وأخيراً، يؤكد تسوي أن على الصين والولايات المتحدة ألا يفقدوا التركيز، وأن يتمسكوا بالأهداف والمصالح المشتركة، واستيعاب المخاوف المشروعة من كلا الجانبين.

يبدو التركيز على الأهداف والمصالح المشتركة وكأنه أمر تقوله لجارك مباشرة بعد سرقة البقرة الخاصة به: دعونا لا نتخاصم في شأن البقرة المسروقة، دعونا نركز على القيام بأعمال تجارية معاً، على سبيل المثال، كم ستدفعون لي حتى أبيع هذه البقرة التي حصلت عليها فقط الآن؟

في بحر الصين الجنوبي، أكملت الصين للتوّ مشروعاً مذهلاً وضخماً لبناء الجزر الاصطناعية في منتصف الممر المائي الدولي، التي وفي ما يبدو ستغدو القواعد الجوية والبحرية الصغيرة للقوات المسلحة الصينية.

وعلاوة على ذلك، يشي سلوك القوات الصينية في المنطقة بالتوجه الصيني للادعاء بأن المناطق المحيطة بالجزر الاصطناعية هي المياه الإقليمية الصينية ومجالها الجوي. مثل هذا الموقف ينتهك القانون الدولي لمعاهدة البحار التي وقعت الصين عليها ، وسيحدّ من حرية الملاحة للسفن والطائرات غير الصينية، بما في ذلك القوات البحرية الأميركية التي تستخدم بحر الصين الجنوبي للعبور بين المحيطين الهندي والهادئ. ومع ذلك، يدعو تسوي بشكل غير واقعي أميركا أن تدع هذا يذهب من دون رد.

«استيعاب المخاوف المشروعة»، عبارة تُظهر للعيان مطالبَ الصين الإقليمية التوسعية غير المعقولة، بما في ذلك الطلب الصيني بأن تتخلى أميركا عن تايوان. الولايات المتحدة، بالطبع، لديها عدد من مشاعر القلق بأن الصينيين رفضوا باستمرار «استيعاب المخاوف المشروعة».

الرابح الخفيّ

كتب موقع «Sasapost.com»:

كانت الصين أشد الدول حرصاً على إنجاح مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، وظهر ذلك من خلال المقترحات التي تضمنت إطاراً تفاوضياً يقوم على التنازل المتبادل خطوة بخطوة لإنجاحه.

لكن هذه المساعي والمُقترحات لم تكن فقط للوزن السياسي للصين فحسب، بل لكون بكين ستكون الأكثر استفادة من إنجاز الاتفاق سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي ولن يترك أي تداعيات سلبية واضحة عليها.

خلال السطور التالية، نشرح لماذا تُعتبر الصين أبرز اللاعبين والمستفيدين من تسوية ملف إيران النووي سلمياً، وكيف ستساهم الاتفاقية في تحسين علاقتها بطهران وإنجاح مشروعها «طريق الحرير» لتعزيز التعاون الاقتصادي بين شرق آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط.

برزت العلاقات العسكرية بين إيران والصين، مع تدهور علاقات إيران مع الولايات المُتحدة الأميركية خلال سنوات الحرب الثمانية مع العراق، ورفض القوى الغربية تزويد طهران بالسلاح. إذ قدّمت الصين في كثير من الأحيان المبيعات العسكرية إليها بصورة غير مباشرة من خلال طرف ثالث عبر دول مثل كوريا الشمالية. ولم يتوقف الأمر عند حد تزويدها بالأسلحة الصغيرة فحسب بل زودتها كذلك بالصواريخ البالستية وصواريخ كروز، ما يجوز معه الادعاء أن الصين كان لها دور حاسم في انطلاق المؤسسة العسكرية لإيران.

كذلك امتدت جهود الصين في تأسيس القدرات النووية الإيرانية، إذ تمحورت هذه الجهود في الدعم المادي المباشر مع البدء في البرنامج النووي الإيراني، والدعم الدبلوماسي المتمثل في سعيها الدؤوب، بصحبة روسيا، إلى عرقلة قرارات مجلس الأمن، وإضعاف تأثير العقوبات.

كذلك، تعدّ إيران سوقاً كبيراً لتصريف المنتجات الصينية اللازمة لإدامة معدلات التنمية المرتفعة التي تشكل الأساس لنموذجها الاقتصادي الحالي، إلى جانب تولّي الصين التعاون لتنفيذ ما لا يقل عن مئة مشروع خاص بتطوير شبكات السكك الحديدية والأنفاق في جميع أنحاء إيران.

حرصت الصين طوال المفاوضات النووية على الحفاظ على روابط وثيقة مع إيران من داخل مجموعة «5+1»، وذلك بهدف تجنيب البلد آثار قرارات فرض العقوبات. إذ ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران من ثلاثة مليارات دولار عام 2001 إلى ما يزيد على 50 مليار دولار عام 2014، كما ارتفعت واردات النفط الصينية من إيران في عامَي 2014 و2015 إلى أعلى مستويات لها على الإطلاق، وذلك بعد تراجعها موقتاً في 2012 و2013.

كما عملت الصين على إعادة تزويد مقاتلات نفاثة صينية بالوقود في إيران عام 2010، وقيام السفن الحربية الصينية بزيارة إلى ميناء «بندر عباس» الإيراني عام 2014، وذلك في سابقتين تعدّ كل منهما الأولى من نوعها. إضافة إلى ذلك، فقد ساندت الصين، على الأقل بشكل غير مباشر، أجندة إيران الإقليمية باستخدامها حق النقض ضد عدد من قرارات مجلس الأمن الأممي في شأن سورية.

كما عملت الصين على ملء الفراغ الذي خلفه رحيل الشركات الكبرى بعد الضغوط التي مورست من قبل الولايات المتحدة على عدد من البلدان الآسيوية والأوروبية للتخلي عن استثماراتها في إيران، إذ كانت الصين أهم لاعب أجنبي في عملية التنقيب والاستخراج خلال السنوات الفائتة من خلال الموافقة على تطوير عدد من الحقول، وعلى رأسها حقلا النفط العملاقان «أزاديجان» و«يادوران»، إضافة إلى حقل غاز «بارس الجنوبي» العملاق.

ستساعد الاتفاقية النووية المبرمة حديثاً، في التوسيع بين البلدين بلا قيود عليهما، إذ من المتوقع أن تزداد نسبة واردات الصين النفطية التي تأتي من إيران، كما سيتضاعف حجم الاستثمارات الصينية في الأنشطة السابقة للإنتاج في قطاع النفط الإيراني لتعزيز أمن الطاقة الصيني، ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين لا سيما مع وجود طموح برفعه إلى حدود 200 مليار دولار بحلول عام 2024، أي بفارق 164 مليار عن حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين.

يؤكد هذه الحقائق تأكيد الرئيس الصيني على أن إيران هي البلد الوحيد الذي سيسمح موقعه لخطوط الأنابيب الصينية البرية بالوصول إلى الخليج العربي الغني بالنفط، وبالتالي تقليل المخاطر التي تتعرض لها بكين نتيجة لأخطار تعطيل نقاط الاختناق البحرية، مثل مضيقَي هرمز وملقة.

بالنسبة إلى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لم تكن الاتفاقية الإيرانية لتأتي في وقت أفضل من هذا إذ تتصور مبادرته التي تحمل عنوان «حزام واحد وطريق واحد» إنشاء سلسلة من حلقات الربط في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والملاحة البحرية تمتد من شرق آسيا إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وموقع إيران في ملتقى الطرق بين هذه المناطق يجعل مشاركتها في المبادرة مهمة لبكين.

وفقاً لنائب الرئيس الإيراني، ورئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي، من المتوقع أن تقوم الصين ببناء مفاعلين من أصل أربعة مفاعلات نووية جديدة ستُنشأ في إيران خلال السنتين إلى الثلاث سنوات المقبلة.

قبل الاتفاق، كانت الصين ـ مثل غيرها من الدول ـ تحاول أن تجاري العقوبات المفروضة على إيران، بشكل يشوبه بعض الحذر والقلق من ردّ عكسي من الجانب الأميركي، الذي كان يعترض على بعض التوازنات الحاصلة بين الجانبين، وساهم في زيادة عوامل التوتر بين البلدين في عدد من القضايا المُشتركة.

لكن مع توقيع الاتفاقية بتوافق الصين وأميركا على بنودها، فسيساهم ذلك بالتأكيد في إزالة عامل من عوامل التوتر بين واشنطن وبكين وربما يفتح باباً من أبواب التعاون كما هو الشأن في ملف مفاعل آراك.

يُعدّ موقع إيران الجغرافي على طريق الحرير القديم عاملاً حاسماً لاختيار إيران شريكاً في هذه المبادرة «طريق الحرير الجديد» الصينية والتي تختصر بمدلول «حزام واحد، طريق واحد» لتعزيز التعاون الاقتصادي بين منطقة شرق آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط من خلال إنشاء سلسلة من حلقات الربط في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والملاحة البحرية تمتد من شرق آسيا إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى