أردوغان ربح الانتخابات وخسر تركيا

د. تركي صقر

أختلف مع البعض ممّن رأوا في فوز حزب العدالة والتنمية مفاجأة كبرى أو خارج الحسابات لسبب بسيط، وهو أنّ رفض أردوغان لنتائج انتخابات حزيران الماضي التي لم تأت على مزاجه ووفق أهوائه قادته إلى فرض الانتخابات المبكرة ليعطي لنفسه فرصة الالتفاف على النتائج السابقة التي أرعبته، فاستخدم الأساليب القذرة كلها لقلبها رأساً على عقب وقام بتهيئة المسرح من خلال العزف على الوتر القومي، وذلك بالتخويف من الخطر الكردي، فمضى في حرب لا هوادة فيها للقضاء على حزب العمال الكردستاني، وعزف على الوتر الأمني، وذلك بالتخويف من الأعمال الإرهابية كما جرى في تفجيري سوروتش 20/7/2015 وأنقرة 10/10/2015، اللذين أدّيا إلى مقتل المئات من الأكراد، الأمر الذي أوقف الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية نتيجة تدهور الوضع الأمني، وترافق ذلك مع تهديدات أطلقها أحمد داوود أوغلو بعودة ما سمّي سيارة طوروس البيضاء التي كانت تستخدم سابقاً في خطف المعارضين وقتلهم في ثمانينيات القرن الماضي، وتسرّب أنّ أصابع استخبارات أردوغان وبتدبير مباشر منها تمّت التفجيرات بمعنى أنّ هناك طريقاً واحداً أمام الشعب التركي… إما حزب العدالة والتنمية وإما الفوضى والإرهاب والدماء.

ما من شك أنّ ربح أردوغان للمعركة الانتخابية رغم الرهان على عكس ذلك يحمل دلالات وأبعاداً وتداعيات كثيرة وعلى جانب كبير من الحساسية والتأثير في مجرى الأحداث، وعلى الأقلّ من ناحية استمراره بأمور شرورها وأخطارها ماثلة للعيان، وخطورتها على تركيا وعلى دول الإقليم وجوارها الأوروبي لا تخطئها العين حيث يمكن الإشارة إليها بالأمور التالية:

– إنّ ربح أردوغان الرهان الانتخابي يعني استمرار الحرب في العراق وسورية واستمرار تركه حدود تركيا مشرّعة لتدفق المقاتلين الأجانب إلى هذين البلدين، ودعم كبير للمجموعات الإرهابية التي أقامت الأفراح وسارعت إلى إرسال برقيات التهنئة لـ جلالة السلطان المعظم . – إنّّ ربح حزب العدالة والتنمية للمعركة الانتخابية يعني الاستمرار في فكرة تتويج أردوغان سلطاناً جديداً عبر إحياء الدولة العثمانية الغابرة، ما يعني ظهوراً لهولاكو جديد في الشرق الأوسط وفي البلدان العربية. ألم يقل أردوغان عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية إنّ فوزه هو انتصار لباكو وبيروت ودمشق والقاهرة؟ – إنّ ربح الإخوان في تركيا يعني نجاحاً لـ«داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام» وجميع المنظمات الإرهابية في سورية التي ستنعم بمزيد من تدفق السلاح والمال وازدياد نجاح للفكر الإرهابي التكفيري في العالم من طنجة إلى جاكرتا، وأكثر من هذا فهو نجاح لكلّ إرهابي في أيّ بقعة من الكرة الأرضية. – إنّ ربح أردوغان يعني أنّ روسيا ستتعامل مع شخص أرعن يرى في الإرهاب جهاداً وفي تدريب الشيشان ونقلهم إلى سورية أو العودة إلى روسيا واجباً لقتال الدولة الصليبية الجديدة ، وأنّ الصين ستظلّ تنظر بحذر إلى من يرى في تركستان الصين أتراكاً يعيشون ظلم الدولة الصينية «الشيوعية الكافرة». – إنّ ربح أردوغان يعني استمرار النزاع مع مصر ومزيد من الدعم لجماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية، وبالتالي فإنّ مصر ستكون بلداً مفتوحاً لحرب مستمرة يذكي أوارها أردوغان، ويعني أنّ ليبيا ستكون في حكم المقسّمة كون الرجل يعتبر دعم الدواعش واجب المسلم على أخيه المسلم.

هذا بعض من أرباح أردوغان في الانتخابات البرلمانية وهي في ظاهرها ربح وفوز ونجاح وانتصار ولكن في مضمونها وحقيقتها تجويف لتركيا وخسارة لشعبها إلى حدّ القول إنه ربح الانتخابات وخسر تركيا للأسباب التالية:

خسارة تركيا لصبغتها العلمانية بتكريس أسلمة المجتمع التركي إخوانياً وسلفياً، ما يعني إلغاء العلمانية التي استقرّت عليها تركيا عقوداً منذ وصول أتاتورك إلى الحكم في الثلاثينات القرن الماضي.

خسارة تركيا لوحدتها الاجتماعية بتكريس حالة الانقسام الحادّة داخل المجتمع التركي التي نجمت عن الخطاب الديني- الغريزي الذي قاده حزب أردوغان طوال 12 سنة، فقسّم المجتمع التركي، وأراد تقسيم مجتمعات المنطقة تحت يافطة دينية كاذبة ومخادعة، وطافحة بالنفاق وتوظيفها لأهداف سياسية محضة.

خسارة تركيا للأمن والأمان والاستقرار باقترابها المتسارع من حافة الحرب الأهلية بالنظر لتوقع استمرار نار الحرب ضدّ الأكراد وحزب العمال الكردستاني طوال حكم أردوغان وبعد أن رفع أردوغان وداوود أوغلو شعار استئصال الحزب بالحديد والنار من جذوره.

خسارة حزب أردوغان لنصف الشعب التركي إذا ما سلّمنا بصحة الانتخابات الأخيرة، ولكن ما يجب أن يفهمه نظام العدالة والتنمية أنّ 50 في المئة من الأتراك لم يصوّتوا له، أو كما قال بولنت آرينتش أحد مؤسسي هذا الحزب أنّ: علينا أن ندرك أنّ 50 في المئة من الأتراك يكرهوننا – ولذلك علينا مقاربتهم بشكل صحيح . أيّ أنّ هناك 50 في المئة من الأتراك لا يتفقون مع أفكار حزب أردوغان الدينية – المنافقة والتي تتخذ من الدين ستاراً لها.

خسارة تركيا لأيّ نوع من أنواع الحرية والديمقراطية وتوجهها بشكل صريح نحو الاستبداد وحكم الفرد الواحد وكبت الحريات الإعلامية بعد قمع الصحافة والإعلام بشكل غير مسبوق قبل الانتخابات وأثناءها فكيف بعدها؟

إنّ نزعة الغرور ونشوة الانتصار الانتخابي ستدفعان بالرجل الأحمق أردوغان إلى أن يكون أكثر تمسّكاً باندفاعاته الهوجاء داخلياً وإقليمياً، خصوصاً في الملف السوري، ومن دون أن يدرك حجم التغييرات الدراماتيكية في المشهد الميداني المتغيّر لمصلحة الدولة الوطنية الشرعية السورية فهو الذي قاد عملية تدمير سورية وصولاً إلى تفكيكها وتفتيتها وضمّ أجزاء منها إلى تركيا، إنْ لم يكن كلها، ويظنّ أن فوزه في الانتخابات أثبت صحة عمله وأعطاه ورقة إضافية للمضيّ في هذه العملية المجنونة إلى النهاية، إلا أنّ الأوراق التي يملكها في الداخل السوري بدأت تتقلص وتتلاشى، بفضل العامل الروسي الناشئ وبفضل الصمود الأسطوري للشعب والجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة، وهو الذي قلب الطاولة على رأسه ورؤوس حكام واشنطن والرياض والدوحة وتل أبيب، وهذا المعطى ليس عاملاً موقتاً، ولا ترتبط مفاعيله بنتائج الانتخابات التركية، بل هو خيار استراتيجي ثابت حتى هزيمة الإرهاب ورعاته ومشغّليه.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى