لماذا أعطى الناخب التركي صوته لأردوغان؟
د.هدى رزق
حمّل المحللون الرئيس رجب أردوغان مسؤولية هزيمة المعارضة وشنّ الهجوم على معظم وسائلها الإعلامية، والاستفراد بمقدرات الدولة إعلامياً ولوجستياً. اتهموه بإثارة المشاعر القومية ضدّ الأكراد، بعد دخوله الحرب مع حزب العمال الكردستاني، وإعلان محاربة «داعش» من أجل الظهور بمظهر المنقذ من الإرهاب.
خيضت الحملة الانتخابية في ظلّ التفجيرات والاستقطاب السياسي الحادّ. لم يكن الوضع طبيعياً. بل إنّ الأوضاع الاقتصادية والأمنية كانت في غاية السوء، بسبب تفجيري سروش وانقرة.
عاد حزب العدالة والتنمية بقوة الى الحكم، في وقت لم تكن شركات الاستطلاع بمعظمها تؤشر الى احتمال هذا الفوز، الشبيه بفوز عام 2011. تمكن من الحصول على 317 مقعداً شكلت 49,4 في المئة من أصوات الناخبين الأتراك. هل خضع الناخب للابتزاز وما هي أوراق قوة العدالة والتنمية؟
1 ـ الرهان الأول كان على مرشحين أقوياء، إذ سمح الحزب في الثاني عشر من أيلول، بعودة عدد كبير من الوجوه التي جرى سحبها في انتخابات 7 حزيران عملاً بسياسة الحزب الذي يمنع النواب من الترشح لثلاث مرات متتالية. جرى ترشيح شخصيات لامعة كعلي باباجان وبينالي يلدريم وغيرهما، نظراً إلى شعبيتهم.
2 ـ الوعود الاقتصادية: تبنى حزب العدالة والتنمية البرنامج الذي كان حزب الشعب الجمهوري قد أعلنه، تمكن الحزب من تطويره مع مجموعة خبراء كعلي باباجان ومحمد شيمشيك، ولقد أثر هذا البرنامج على الناخب التركي لما فيه من مساعدات للشباب والمتقاعدين والعاطلين عن العمل.
3 ـ تصريح حزب العمال الكردستاني بعد تفجير سروش مباشرة بقتل جنديين تركيين، ما أثار الرأي العام التركي الذي يعتبر حزب العمال الكردستاني «إرهابياً». اعتبر أردوغان التصريح بمثابة ذريعة لشنّ الحرب على العمال الكردستاني واستثمارها قومياً، والانتقام من حزب الشعوب الديمقراطي واتهامه بأنه الجناح السياسي لحزب العمال ما انعكس سلباً على حزب الشعوب الديمقراطي أمنياً وانتخابياً وسياسياً.
4 ـ صبّت أصوات القوميين عند «العدالة والتنمية» بعد تجميد عملية السلام مع الأكراد، ما أفقد حزب الحركة القومية ربع أصواته.
5 ـ عجز المعارضة عن الائتلاف في ما بينها أثر في نتائج انتخابات 7 حزيران بعد ما نالت 60 في المئة من أصوات الاتراك. وكان الأمر واضحاً عندما جرى انتخاب رئيس البرلمان التركي وتصويت حزب الحركة القومية لمرشح «العدالة والتنمية» ورفضه الاجتماع مع حزب الشعوب الديمقراطي. توجّس المواطن التركي الذي عاش استقراراً مع حزب العدالة والتنمية لمدة 13 سنة خوفاً من الفوضى، وساهم أردوغان في تعزيز هذا الخوف عندما رفض ضمناً الائتلاف وروّج بأنّ أيّ ائتلاف سيؤثر في الأمن والاقتصاد كما حصل في التسعينات.
6 ـ اقتناع مؤيدين سابقين للحزب كانوا يشعرون بالاستياء منه، لم يصوتوا له في7 حزيران لكن ساءهم ألا يستطيع تأليف حكومة فأقبلوا على التصويت له.
7 ـ استفاد الحزب من خدمات الدولة وإعلامها وشدّد على تنظيم احتفالات انتخابية في حين لم تقم المعارضة بحملات انتخابية واسعة نظراً لخوفها من التفجيرات.
8 ـ اعتمد أردوغان سياسة الترغيب وتمكن من ضمان سكوت الإعلام الأميركي عن سياسته في الداخل، هذا الإعلام لم يوجه له انتقادات حادّة، سبب هذا الاعراض عن النقد هو حصول الأميركيين على قرار من البرلمان التركي بالسماح للقوات الأميركية استعمال قاعدة انجرليك ودياربكر بعد تفجير سوروش مباشرة. استطاع أردوغان كذلك تصدير أزمة اللاجئين الى أوروبا وتحوّل اهتمام الغرب عن كتابة تقارير الديمقراطية في تركيا الى الداخل الأوروبي فجاءته ميركل طالبة المساعدة بعدما كانت تهاجمه، ما أعطاه حظوة لدى مؤيديه المحافظين والقوميين بعدما أثبت لهم أن الغرب يأتي إليه صاغراً كلّما احتاج الى تركيا.
لا يريد أردوغان بعد الانتصار تضييع وقته فهو ذهب ورئيس وزرائه، الى طرح مسألة التعديل الدستوري لتحويل تركيا من نظام برلماني الى نظام رئاسي، مذكراً بأنّ النظام الرئاسي هو أحد الوعود التي برزت في البيان الانتخابي. وقال إن الاستفتاء يمكنه أن يقود الى هذا الأمر. لكن الأحزاب التركية تعاني اليوم من صدمة الانتخابات وتعتريها مشاكل داخلية لا سيما حزب الحركة القومية الذي يرى أكثر من 80 في المئة من أعضائه أن على رئيس الحزب دولت باهشلي الاستقالة، ولكنهم في الوقت عينه يقفون ضد النظام الرئاسي. كما أن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشيدار أوغلو يواجه حملة تدعوه الى الاستقالة رغم أن الحزب لم يخسر من أصواته بل زادها 2 في المئة وهو يقف مع تعديل الدستور ولكنه ضد النظام الرئاسي. أما حزب الشعوب الديمقراطي فهو استطاع البقاء ونال 10,8 بالرغم من الحرب بين الدولة وحزب العمال الكردستاني وذلك بفضل الليبراليين واليساريين، لكنه خسر مليون كردي ذهبوا باتجاه العدالة والتنمية في شرق وجنوب شرقي الأناضول بسبب مطالبة العمال الكرستاني بالحكم الذاتي. هو يقف مع تعديل الدستور وضد النظام الرئاسي.
ونظراً إلى الفوضى التي تسود المعارضة. يمكن لـ«العدالة والتنمية» أن يسدّ فجوة الأصوات لديه مع فريق الحركة القومية في البرلمان الذي يميل الى العدالة والتنمية ويذهب الى استفتاء. لكنه يريد أن تكون قاعدة التصويت للنظام الرئاسي أوسع. لذلك سينتظر انتخابات حزب الشعب الجمهوري في مؤتمره في شباط 2016 ليرى إن كانت القيادة الجديدة ستغير رأيها.
في دراسة قامت بها «ايبسوس» مع «سي أن أن تورك» تبيّن لها أن 63 في المئة من الناس يعتقدون أن على الأحزاب تغيير الدستور، لكن 57 في المئة منهم يقفون ضد النظام الرئاسي. بيد أن أردوغان لن يكفَّ عن الضغط وسيذهب الناخب التركي الى صناديق الاقتراع من أجل الاستفتاء. إلا إذا انغمست تركيا في حرب طويلة مع حزب العمال الكردستاني واستمر تهديد الاستقرار أمنياً واقتصادياً.