قانون استعادة الجنسيّة… الأولوية للمغتربين!
يوسف الصايغ
في وقت كان من المفترض أن تلقى خطوة إخراج مشروع قانون استعادة الجنسية للمتحدّرين من أصل لبناني من اللجان المشتركة، تمهيداً لطرحه في الجلسة التشريعية، كمشروع قانون معجل مكرّر، الترحيب، لا سيما من قبل الهيئات المطالبة باستعادة الجنسية. إلا أنّ هذه الخطوة قوبلت بالشجب والاستنكار.
وتعبيراً عن هذا الرفض، نفّذت حملة «جنسيتي حقٌّ لي ولأسرتي»، اعتصاماً في وسط بيروت كردّ على إدراج مشروع قانون استعادة الجنسية اللبنانية للمتحدّرين من أب أو جدّ لبناني، على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقبلة، والتي حدّد الرئيس نبيه بري موعدها في 12 تشرين الثاني الحالي.
جاء الاعتصام استنكاراً لهذه الخطوة التي تعطي الأولوية للمغتربين في الحصول على الجنسية، قبل حصول النساء اللبنانيات على حقهنّ في المواطَنة الكاملة، وهو ما يمكن وصفه بـ«الدعسة الناقصة» في سياق إقرار مشروع قانون استعادة الجنسية.
شبّو: المرأة اللبنانية على رأس القائمة
في هذا السياق، لفتت مسؤولة الوحدة القانونية في حملة «جنسيتي حقّ لي ولأسرتي» كريمة شبّو، في تصريح إلى «البناء»، إلى أنّ مشروع القانون المطروح أمام البرلمان مرفوض من قبل الحملة، انطلاقاً من كونه استنسابياً وتمييزياً، خصوصاً أنه من المفترض، بحسب سلّم الأولويات، أن تكون المرأة اللبنانية على رأس القائمة وألا تأتي في الدرجة الثانية، بينما تُعطى الأولوية للمغتربين على حساب الأمّ المقيمة في لبنان.
ودعت شبّو الى إدراج مطلب حملة «جنسيتي حقّ لي ولأسرتي» والنساء اللبنانيات على رأس جدول أعمال جلسات الحوار والجلسة التشريعية، عبر تعديل قانون الجنسية اللبنانية، بما يضمن المساواة الكاملة والتامّة بين النساء والرجال.
كما أعلنت رفض أيّ قانون لا يحقّق المساواة القانونية الكاملة بين اللبنانيين واللبنانيات في منح الجنسية أو استردادها، مؤكدةً على أولوية حصول النساء اللبنانيات على حقوقهن من دون أيّ تمييز أو استثناء وأن تكون هذه الحقوق أولوية.
وأشارت شبّو إلى الفزّاعة الطائفية التي يستخدمها المسؤولون، في سياق تبريرهم مشروع قانون الجنسية المطروح حالياً، والذي سيُناقَش خلال الجلسة التشريعية المزمع عقدها. وإذ لفتت إلى أنّ السياسيين الذين التقاهم القيمون على الحملة من نواب ووزراء أبدوا دعمهم الحملة في مطلبها المحقّ، قالت: لم نتلمّس أيّ دليل ملموس على أرض الواقع من الكتل والقوى السياسية.
وعليه، ترى المسؤولة القانونية في الحملة أنّ التعاطي مع مطلبهم يتمّ بطريقة استنسابية لا تؤدّي الغرض المطلوب منها، لجهة منح المرأة اللبنانية حقها في إعطاء جنسيتها لعائلتها وأولادها. وتشير إلى أنّ الحجّة الطائفية التي يتمّ التلطّي خلفها هي نفسها التي يتمّ العمل وفق قوانينها لتمرير المشاريع المتعلقة بمنح الجنسية للمغتربين، وهذا ما يؤكد على ازدواجية المعايير المتّبعة من قبل المعنيين في هذا الملف.
في سياق متصل، مثّل لبنان الرسمي مطلع تشرين الثاني الجاري أمام لجنة المراجعة الدورية الشاملة التي يقوم بها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، والتي تعنى بمناقشة التزام الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الإنسان والخطوات المتخذة من أجل صون هذه الحقوق وتطبيقها بشكل كامل، للخروج بتوصيات من قبل اللجنة وتعهّدات من قبل الدولة المعنية، يُعاد تقييمها ومناقشتها بعد أربع سنوات في المجلس الذي يضمّ 48 دولة تأخذ كلّ منها صفة «العضو المراقب» كما هي حال لبنان.
وضع المرأة الحقوقي لم يتبدّل في لبنان
وهذه هي المرة الثانية التي يحضر فيها لبنان هذه المراجعة، بعدما كان قد حضر للمرّة الأولى عام 2010، وجرى حينها الخروج بـ69 توصية التزم لبنان بالعمل بها والسعي إلى تنفيذها.
وبعد مرور أربع سنوات، فإنّ معظم النقاط التي اندرجت ضمنها التوصيات، لم تتبدّل في لبنان، لا سيما حال السجون والتعذيب، ووضع المرأة الحقوقي، وظهر ذلك من خلال التقرير الذي أرسلته الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة، ونشره موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والذي أظهر استعراض نوايا وحديث عن سعي لتطبيق التوصيات، من دون عرض نتائج واضحة أو خطوات عملية لذلك. فيما أحيل التقصير على أزمة اللجوء السوري إلى لبنان، وواقع البلاد أمنياً وسياسياً.
ونشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريراً قالت فيه «إنّ على لبنان الاستفادة من مراجعة سجله في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للتعهّد بتدابير ملموسة لمعالجة القضايا الحقوقية التي طال أمدها، والتي أخفقت السلطات اللبنانية في إحراز تقدّم فيها».
وبحسب نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في المنظمة، نديم حوري، فقد «أهدر لبنان عدداً من الفرص خلال السنوات الخمس الماضية للتقدّم في مجال حقوق الإنسان». مؤكداً أنّ لبنان لا يستطيع المماطلة أو تأخير الإصلاحات الضرورية لوضع حدّ للإفلات من العقاب وضمان الحقوق الأساسية لعدد من السكان المهمّشين، من المواطنين والأجانب على حدّ سواء.
انتهاك حقوق الإنسان أشارت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير صادر في آذار 2015، إلى نقاط عدّة خاصة بانتهاك لحقوق الإنسان في لبنان من بينها:
ـ المخاوف في شأن إساءة معاملة المعتقلين وتعذيبهم من قبل فروع عدّة من قوات الأمن.
ـ الأحكام التمييزية ضدّ حقوق المرأة في قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الجنسية والقانون الجنائي.
ـ استبعاد العاملات المنزليّات الوافدات من قانون العمل وقوانين الهجرة التقييدية على أساس نظام الكفالة الذي ينطبق عليهن.
ـ خطر احتجاز اللاجئين السوريين الذين لا وضع قانونياً لديهم.
ـ عدم التقدّم في مجال حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
ـ عدم التقدّم في مشروع قانون لإنشاء لجنة وطنية للتحقيق في مصير المفقودين.
الفشل في معاقبة المسؤولين عن التعذيب
وفي حين أكّدت الحكومة اللبنانية في تقريرها المرسل إلى مجلس حقوق الإنسان في أيلول الفائت أنه يتمّ اتخاذ خطوات فعالة لمنع التعذيب عن طريق مقاضاة مرتكبيه بالحكم عليهم بعقوبة الحبس أو تعريضهم لإجراءات تأديبية قاسية، مثل الإقالة، فقد اعتبرت «هيومن رايتس»، أنّ لبنان قد فشل عملياً في التحقيق بشكل مناسب، ومحاكمة المسؤولين عن التعذيب ومعاقبتهم، على رغم أنه التزم بها من خلال التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب عام 2008. مشيرة إلى أنّ الاعتقالات والمعاقبات لا تتمّ إلا بحقّ المسؤولين الأمنيين ذوي الرتب المتدنية، بعد فضائح الاعتداءات، في حين تندر الملاحقات القضائية والتقارير المناسبة في شأن تدابير المتابعة.
أما التقدّم الوحيد بالنسبة إلى تقرير المنظمة في لبنان، من ضمن كافة توصيات عام 2010، كان تشريع قانون ضدّ العنف المنزلي عام 2014. لكن البلاد لا تزال بحاجة إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي أو الجنس ، واتخاذ خطوات لتحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء على التمييز ضدّ المرأة، بما في ذلك في قوانين الأحوال الشخصية.