أميركا ومآزق الحلفاء

وليد زيتوني

لا شكّ في أنّ ميزان الربح والخسارة يُقاس فقط بالنتائج. الولايات المتحدة بهذا المعنى قد خسرت مشروعها الأساسي، المتعلق بتطويق الصين قبل خروجها من القوقعة الداخلية. بل وأكثر من ذلك أنها لم تأخذ بعين الاعتبار أثناء وضعها مشروعها العالمي، أنّ روسيا ستكون جاهزة قبل إجهازها على الصين وبالتالي تعثر مسرحها الاستراتيجي الشمالي رغم إقامتها للجدار الصاروخي المولج بتحييد روسيا أثناء العمل على تأمين المسرح الاستراتيجي الوسيط الذي يضمّ أقاليم شمال أفريقيا والخليج، بما فيها إيران، كما يضمّ سورية الطبيعية وتركيا.

ربما لم تأخذ الولايات المتحدة بعين الاعتبار إرادة شعوب هذه الأقاليم وقدرتها على مصارعة المشروع الأميركي، بل تعاملت باستهتار بالغ إلى درجة تلزيم الحروب بالوكالة على قاعدة الشركات العملاقة العابرة للقارات. وأكثر من ذلك راح المتعهّد الأساسي بتحويل التزامات هذه الحروب إلى مقاولين باطنيين مصنّفين على لائحة عدّة الشغل الأميركية، فكانت «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» والتسميات المختلفة للجيوش المتأسلمة بعد أن فشلت الشركات الأمنية الأميركية مثل «بلاك ووتر» وغيرها في تنفيذ التعهّدات اللازمة.

كبر المتعهّد الباطني إلى درجة عجز المتعهّد الإقليمي عن ضبط إيقاع عمله، مما دفع أميركا إلى إعادة دوزنته موقتاً. وهذا ما أدّى بدوره إلى ارتباكات واضحة في أداء هذه الدول الإقليمية، خاصة بعد المؤازرة الروسية في سورية، والمؤهّلة للدخول على خط الأزمات في العراق ولبنان واليمن ومصر وليبيا وغيرها.

فمثلاً فكّ الارتباط بين «داعش» وتركيا واستطراداً إعلان تركيا الحرب على «داعش» فعلياً، وليس بالتصريحات والبيانات، سيؤدّي بالضرورة إلى تناقض بين الحكم الإخواني فيها مع القاعدة الإسلامية العريضة، التي هي مصدر قوّته ومبرّر وجوده، إضافة إلى البقاء على الصراع القائم مع الحالة الكردية المقلقة لتركيا بشكل عام، هذا ما يفضي إلى أزمات داخلية وربما إلى حروب تفقد تركيا الدور المرسوم لها إقليمياً.

إنّ نجاح أردوغان بالانتخابات التشريعية لم يكن بفعل تنامي القوة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية بقدر ما كان تمدّداً على حساب حزب الحركة القومية بعامل التحريض الاتني ضدّ الأكراد. إنّ أيّ خلل في هذه التوازنات الحالية الداخلية سيجعل تركيا في مهبّ حرب أهلية قد تودي بها إلى الهلاك.

كما في تركيا، كذلك في السعودية الراعية الأساس لـ«القاعدة». فإن تخلّي السعودية عن «القاعدة» في اليمن سيجعل القوى المضادة لـ«القاعدة» تنتصر في حربها على السعودية، وبالتأكيد ستجعل الأقاليم المتنازع عليها في اليمن تحت عهدة اليمنيين. وهذه ستشكل خسارة فادحة للمملكة الوهابية، وبالوقت نفسه سيبرّر ويشجّع قوى أخرى متضرّرة من الحكم السعودي على التحرك داخلياً، وعليه لن يكون بمقدور الجيش السعودي المبنيّ على المرتزقة الأجانب من الحفاظ على الوحدة والاستقلال.

إنّ خسارة الدور السعودي في اليمن، لن يقتصر على اليمن وحده، بل سينعكس مباشرة على دورها في لبنان والأردن. وبالتأكيد سيتنامى الخلاف بينها وبين مصر حول سورية والعراق. وباعتبار مصر قطباً إقليمياً جاذباً لا يمكن مصر أن تبقى تحت سقف الإملاءات السعودية الكيدية، بل ستبحث عن مصادر تمويل داخلية وخارجية، ومصادر تسليح تعوّضها عن النقص الذي سيحصل حال خروجها من معسكر القوى الناهبة عالمياً لتلعب دوراً إقليمياً أكثر فعالية وأكثر إيجابية في ما خصّ لمّ الشمل على مستوى العالم العربي.

حلفاء الولايات المتحدة في مأزق. والولايات المتحدة نفسها في مأزق. والأدوات الميدانية في مآزق على الساحات السورية والعراقية واللبنانية. فهل تكمل الولايات المتحدة مشروعها حتى انتهاء ولاية الإدارة الحالية، خاصة بعد خسارة مشروعها العالمي؟ أم أنها تهادن على ما تبقى من نفوذها وتذهب إلى مشروعها التقسيمي، مشروع برنارد لويس القاضي بتقسيم «الشرق الأوسط» بما فيه السعودية وتركيا؟

التجارب التاريخية تخبرنا أنّ الولايات المتحدة لا تنظر إلا إلى مصالحها، وأنّ التاريخ والقيم قد ماتا عندها منذ زمن بعيد.

نحن لن ننتظر التاريخ، ولن ننتظر الدول الأخرى لتنظر في أحوالنا. إنّ الميدان، ودماء شهدائنا، هما مَن سيكتبان التاريخ الجديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى