الإيقاعات الصاخبة… لن تُرقّص الحل السياسي في سورية إلا مذبوحاً من الألم
د. محمد بكر
في موازاة نشاطه السياسي لتجميع ما يمكن تجميعه من المعارضة السياسية السورية والتأسيس لعملية سياسية في سورية يجهد الروسي في رسم ملامحها وتحديد أبعادها وشكلها النهائي، ولا سيما بعد أن دخلت اجتماعات فيينا حيّز السعي كما قيل لإيجاد صيغ مشتركة للحلّ السياسي، تستمرّ واشنطن في محاولة كبح جماح «الحصان» الروسي الذي بات يتجاوز من وجهة نظرها حدود المضمار الأميركي السياسي منه واللوجستي الذي دأبت فيه الولايات المتحدة على تصدّر المشاهد وصياغة الأدوار وتوزيع المهام بالشكل الذي يبقى فيه تحت السيطرة الأميركية بما يحفظ أهدافها وغاياتها، فتبقى خلاله العيون الأميركية مسمّرة باتجاه كلّ جديد روسي، وآخره الحراك الذي وجدت فيه واشنطن خطوة مبكرة ، لكونه قد يحمل في طياته نهاياتٍ غير سارة فيما لو نجحت موسكو في استقطاب كيانات وشخصيات سورية معارضة وقولبة توجّهاتها السياسية في القالب الروسي، وتالياً ما يمكن أن يؤمّنه هذا الجهد السياسي المقترن بالجهد العسكري في الميدان السوري من مخرجات سياسية توافقية سورية ــــ سورية تصاغ تفاهماتها ونقاط تلاقيها بالأقلام الروسية.
ما سرّبه ديبلوماسيون غربيون شاركوا في اجتماع فيينا لجهة التلاسن الساخن والأجواء التناحرية التي دارت بين كلّ من وزيري الخارجية الإيرانية والسعودية، اتهم خلالها الوزير ظريف المملكة بدعمها للإرهاب، وكذلك ما عززه الرئيس روحاني من تصادمية للمشهد، عاداً أنّ أساليب الجبير التي وصفها بالوقحة لن توصل إلى أي نتيجة بينما استمرّ بدوره الموقف السعودي ودائماً على لسان الجبير في تعزيز مفردات الرحيل يُحدّد فيها طريقة وتاريخ رحيل الأسد وانسحاب جميع القوات الخارجية من سورية بما فيها الإيرانية في بداية أي عملية سياسية كشرطَيْن رئيسين لقبول المملكة أيّ اتفاق يتعلق بالملف السوري، كلّ ذلك يشي بأنّ الحلّ السياسي لن يطرق أبواب فيينا خلال المرحلة القريبة الآتية، وسيسافر بعيداً عن إرادة المشتبكين، فالحاصل اليوم على المسرح الدولي والإقليمي إنما هو مشاهد وفصول منطقها وجوهرها «شدّ الحبال» يحاول فيها فريقا النزاع تعزيز سواعده بجملة من الأثقال والرسائل الشديدة اللهجة الكفيلة بفتّ العضد أو في الحد الأدنى استيلاد حالة من «الارتخاء» في قوة الخصم، إذ لم يجد بوتين أي حرج في استباق وقطع الطريق على ما قد يجول في الذهن الأميركي مستقبلاً، لجهة الإعلان عن تزويد الدولة السورية بأنظمة دفاع جوي لاستخدامها في حال ما سمّاها القوة القاهرة، فيما على المقلب الآخر كشف دبلوماسي أوروبي لصحيفة المنار المقدسية بتاريخ 4/ 11/ 2015 عن قيام مبعوث لنتنياهو بزيارة إلى ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سلّمه خلالها رسالة وصفت بالهامة تتعلق بالأوضاع والتطورات السياسية في كل من سورية واليمن وفلسطين. ويضيف المصدر الديبلوماسي أن الأمير السعودي طلب دعماً «إسرائيلياً» إضافياً للمجاميع المسلحة في سورية، ووضع خطط جديدة لما سماها غزو العاصمة دمشق، إضافة للاتفاق بين الجانبين لجهة السماح للكيان الصهيوني باستخدام الأراضي السعودية براً وجواً.
إنّ كلّ ما يتبدّى من تعزيز للجهود الدولية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية ــــ داعش» والتي كان آخرها إعلان فرنسا إرسال حاملة الطائرات شارل ديغول للمشاركة في العمليات العسكرية ضدّ التنظيم في سورية والعراق، إضافة لما جاء على لسان وزير الخارجية التركي سنيرلي أوغلو، لجهة أن تركيا تدرس شنّ هجوم على معاقل «داعش» وتعزيز قدرات التحالف الأميركي، لن يصبّ في اعتقادنا في إطار التماهي مع الرؤية الروسية ــــ السورية التي ترى في مكافحة الإرهاب أولوية وطريقاً ممهداً للحل السياسي، إنما يأتي في سياق إشهار «سيف الزعامة» وتصدّر القيادة لمواجهة الإرهاب المحصور أميركياً في عناوين الاستثمار والاحتواء والمماطلة والتعويل على مفاعيل ذلك في الصراع الدولي مع الخصم الروسي، ومن هنا نقرأ ونفهم ما أعلنه سنيرلي أوغلو لجهة أنه حتى في حال «احتواء» تقدّم «داعش» بفضل الجهود الدولية التي تشارك فيها بلاده، فإن الخطر لن ينتهي على حدّ تعبيره، وهنا نقول: ما هو الخطر الذي يعنيه الوزير التركي، وقد حسمت الانتخابات البرلمانية الأغلبية لمصلحة حزب العدالة والتنمية؟ هل هو خطر ارتدادات هذا الفوز وتالياً ارتدادات المواجهة مع حزب العمال الكردستاني أم ربما «خطر» مآلات الحلّ السياسي في سورية التي لا تتحدّث، أو ربما تتجاهل فيه القيادة السورية وحلفاؤها الحديث عن أيّ مرحلة انتقالية. هذا الحل الذي سيفضي إلى بقاء الأسد في سدة الرئاسة، فيما لو تم إسقاط سياسة «الاحتواء» في التعاطي مع «داعش»، والنحو باتجاه مواجهة جدية دولية مشتركة لمحاربة الإرهاب. من هنا نفهم إصرار واشنطن وحلفائها على التمسك بخيار الاحتواء، كسبيل للوصول إلى حلّ سياسي وفق المقاسات الأميركية.
المؤكد أنّ دي ميستورا سيحمل في جعبته إلى مجلس الأمن الكثير من «المقامات» السياسية غير المتوافقة التي تتحدث بوضوح عن صور الكباش والتناطح بين «المايسترو» الأميركي والروسي على قيادة الأوركسترا الدولية. وحدها «الإيقاعات» السياسية الصاخبة تبقى سيدة المشهد يتراقص على ضرباتها الحلّ السياسي في سورية مذبوحاً بسكين ما تراه واشنطن في أيّ تقارب سياسي سوري سوري خطوة مبكرة .
كاتب فلسطيني مقيم في سورية
mbkr83 hotmail.com