«إن لم تستحِ فافعل ما شئت»
عبد الحكيم مرزوق
ليست هي المرة الأولى التي يتعرض لها الإعلام ووسائله للحجب والتشويش من قبل بعض الجهات التي تعتبر نفسها قيمة على الإعلام ووسائله المرئية والمسموعة والمقروءة، فقد تعرضت منذ سنوات محطات «المنار» التي تبثُّ من بيروت للتشويش وللتهديد بقطع بثها، كما تعرضت قناة «العالم»، لمرات عديدة، لقطع بثها، كما قُطع بثّ المحطات السورية خلال الحرب الكونية عليها خلال السنوات الأربع الماضية من قبل جهات معلومة وربما جهات غير معلومة أيضاً. ولعلّ الوقاحة بلغت آنذاك ذروتها حين طلبت جامعة الدول العربية ذلك من إدارة قمر «نايل سات»، وكلنا يذكر كيف استطاعت معظم المحطات السورية تجاوز الأزمة وأوجدت البدائل كي تبقى صامدة في وجه أعتى حرب كونية تتعرض لها من قبل جهات عربية اللسان عبرية الهوى.
وها نحن اليوم نشهد فصلاً جديداً من تلك الحرب الإعلامية التي يتعرض لها الإعلام المقاوم، وخصوصاً وسائل الإعلام التي لعبت دوراً في إيصال الحقائق، بالصوت والصورة، والمُنحازة إلى القضايا العربية، ولقضية فلسطين أولاً وأخيراً.
هذا الفصل الناقص الذي نفذته إدارة قمر «عربسات» بإيقاف بثّ قناة «الميادين»، التي نحترمها ونجلّ تجربتها الإعلامية المتميزة خلال ما ينوف عن الثلاث سنوات والتي أثبتت، بالقول والفعل، أنها تناصر قضايا العرب العادلة وهي التي حدّدت منذ البداية أنّ بوصلتها القدس وفلسطين التي ما زالت تنزف دماً جراء الاعتداءات الصهيونية اليومية عليها والمجازر اليومية التي ترتكب يومياً في حقّ بشرها وحجرها من دون أن يحرك بعض العربان، الذين يرفعون عقيدتهم بالدفاع عن الحريات وهم الفاقدون لها ولألف باء تلك الحريات والديمقراطيات.
فهل يُعقل أنّ دولة كالسعودية التي لم تعرف يوماً انتخابات ديمقراطية مناداتها بالديمقراطية وإفشاء الحرية في بعض دول الجوار؟ أليست هذه المهزلة بعينها؟ أليست سخرية القدر التي تجعل هكذا دولة ترعى الإرهاب وتمده بالسلاح والعتاد منذ سنوات تنادي بالديمقراطية؟ أي عقل يمكن أن يتقبل هكذا دعوات؟ ألا يفترض بمن يدّعي نشر الحرية والديمقراطية أن يكون حراً وديمقراطياً على الأقلّ، حتى يكون هناك تقبل من الآخرين لتلك الدعوات؟ هذا أشبه بالعاهرة التي تتحدث عن الأخلاق الحميدة وعن الشرف. إنه تناقض صارخ لا يمكن تقبله بأي حال من الأحوال.
إنّ قطع بث قناة الميادين عبر قمر «عربسات» لا يمكن تقبله من إدارة تتبع لمملكة تقبع في عصور الظلام والانحطاط، وخصوصاً أنها لم تقدم البديل الأفضل. فهل نتذكر محطات إثارة النعرات الطائفية التي تبثّ عبر القمر المذكور من دون أن تتخذ إدارته أي إجراء؟ وهل نسينا محطات التحريض المذهبي التي تحتضنها المملكة؟ ألا نذكر دور قناة «العربية» التي لا تحمل من اسمها أي شيء سوى أنها جاءت في مرحلة عجزت محطات مثل «CNN» و«الحرة» و«BBC» وغيرها عن الوصول إلى المشاهد العربي وذلك كي توصل أهداف تلك الدول التي تتآمر على العرب وعلى قضيتهم الأساس قضية فلسطين؟
كما نجحت محطات «المنار» و«العالم» والمحطات السورية في تجاوز أزمتها مع قطع بثها في فترات سابقة، سوف تستطيع قناة «الميادين» المقاومة أن تتجاوز تلك الأزمة وسوف تنتصر على من يحاربها، سرّاً وعلانية، فهي تعرف أنّ أولئك العربان الذين يقفون في الصفّ المعادي لمحور المقاومة سوف يخسرون مع أنهم تعرّوا حتى من ورقة التوت التي كانت تستر عورتهم، فالحرب التي كانت تبدو من تحت الطاولة في فترات سابقة أصبحت علنية ولم تعد بعض الدول العربية تستحي من إعلان حربها على المحور المقاوم، ولا من مناصرتها للعدو «الإسرائيلي» وللإدارة الأميركية، سبب الخراب في المنطقة العربية. لذلك فهي تفعل كلّ ما هو مخز ومعيب، غير عابئة بشيء، لذلك يصحّ فيها المثل القائل: «إن لم تستح فافعل ما شئت».
كاتب وصحافي سوري – marzok.ab gmail.com