مسك ختام «ملتقى أغافي للنحت» في اللاذقية… المرأة والأزمة وحيوانات أسطورية
أفكار تجريدية مرتبطة بالحرب والطبيعة سيطرت على أجواء المعرض الختامي لملتقى أغافي للنحت على الحجر، الذي استضافته مدينة اللاذقية لأكثر من عشرة أيام في ساحة معهد الفنون التطبيقية، إذ توزّع عشرة نحاتين سوريين تعاملوا مع قطع الحجارة الضخمة التي تجسّدت أشكالاً فريدة بحسب إبداع كلّ نحّات وحرفيته.
المرأة السورية حضرت بقوّة في أعمال الفنانين، وإن جاءت بصور مختلفة. فتارة نراها على هيئة أسطورة، وطوراً كانت بطلة في حكاية الهجرة التي يعيشها السوريون حالياً. وهذا ما حاول الفنان محمد بعجانو تصويره في منحوتته اللافتة التي سمّاها «ما ودّعوني»، محاولاً تضخيم مجسّم المرأة التي ظهرت على قارب حمل العمل بكامله مع طيور نورس تخبرها عن وفاة زوجها غرقاً.
«أقدّم معاناة السوريين كقصة واقعية برموز تعبيرية بحتة»، يقول بعجانو شارحاً مفردات منحوتته التي يظهر فيها الرجل بحجم أصغر من المرأة على اعتبار أنها هي التي تتحمّل العذابات كاملة في هذه المأساة. مضيفاً: لم تخطر في بالي فكرة معينة في بداية الملتقى، لكنني عندما استلمت الحجر، ارتأيت أن أجسّد قصة واقعية تهمّ جميع السوريين، وحاولت أن انقل إحساسي الحقيقي إلى الحجر لتلامس رسالتي الآخرين.
كذلك، عمل النحات علي الخضر على تقديم عمل تجريدي يجسّد النهوض والطموح في الخروج من هذه الأزمة، مصوّراً الواقع الذي نمرّ به من خلال التركيز على الأسطح التي جاءت خشنة في بعض المواقع، وملساء في مواقع أخرى، لافتاً إلى أن نوعية الحجر ساعدته في تنفيذ فكرته بالتفاصيل التي أرادها على رغم تحكّم الحجر في بعض المواقع بشكل الكتلة التي سيلاحظ من يراها نهوضها وتصاعدها بحيث يفهم الفكرة المرجوّة منها.
أما ربى كنج، الشابة الوحيدة المشاركة في هذا الملتقى، فقد لفتت إلى أن هذه التجربة تعتبر الأولى لها في النحت على الحجر. فوجودها ضمن مجموعة من المخضرمين في ذا المجال جعلها تجد أن العمل مع الحجر لا يحتاج إلى قوة عضلية كما كانت تظن، إنما إلى مهارة فكرية لمعرفة النقطة التي يجب القصّ منها.
وقالت: استوحيت فكرة عملي من أسطورة «أغافي»، المرأة السورية التي ضحّت بحياتها ليعيش الآخرون. وبرأيي، هي أيقونة لكلّ امرأة سورية في وقتنا الحالي. لذلك، اخترت نحت وجه امرأة استوحيت ملامحها من هذه الأرض. وركّزت على وجود لوح للأبجدية الأوغاريتية على شكل حَلَق معلّق بأذن امرأتي، نقشت عليه كلمة «أغافي» التي تعبّر عن حضارة نحاول أن نكون استمراراً لها.
الحيوانات أيضاً كان لها نصيب من منحوتات الفنانين بما تصوّره من قوّة وجسارة. فالثور الذي يعدّ رمزاً أسطورياً في حضارات كثيرة، جاء في الملتقى محارباً ومتأهباً للقتال، دلّت عليه الدرع المثبتة على ظهره بمسامير منقوشة من الحجر نفسه، إذ حاول النحات أبي حاطوم اعتماد تقنية ترخيم الحجر من خلال التلميع لإعطائه القوة مع الحفاظ على طبيعة الحجر عند الدرع. منوّهاً بأن النحاتين عموماً يعملون على ثلاثة حيوانات هي: الثور والجدي والحصان، لكن الثور ينال الاهتمام الأكبر نظراً إلى تفاصيل جسده وشكله اللافت.
وأضاف حاطوم: من خلال تجاربي السابقة، جسّدت الثور بشكل مبسّط. لكنني هذه المرة اهتممت بالتعبير الحركي، لإضافة لمسة حداثوية على المنحوتة التي حملت أيضاً شيئاً من الغرافيك لتكون مزيجاً ما بين الواقعية التعبيرية والحداثوية. كما أنّ إدخال القرنين الأبيضين على الكتلة الكاملة جاء كتأكيد على سلاح الثور الأزلي المتمثل بقرنيه.
كما عمل النحات منتجب يوسف على تجسيد الكبش في منحوتته على اعتبار أن دلالات الحيوانات ورمزيتها تجذبه بشكل كبير. مشيراً إلى قيامه بدراسة فكرة المنحوتة وكيفية تنفيذها بشكل جيد على الحجر، ونجاحه في تحقيق غايته على رغم ضيق الوقت. فظهرت في الكبش ملامح القوة والعنفوان والحركة الهجومية. فالحجر بخصوصيته وقساوته قادر على تجسيد تفاصيل الحيوانات وقوّتها، لكنه حرص على إظهار الكبش كضحية على رغم كلّ العنجهية التي يتمتع بها.
عدد من الحضور عبّروا عن إعجابهم الشديد بطريقة تعامل الفنانين مع الحجارة التي كانت في بداية الملتقى مجرد كتل صماء دبّ فيها النحاتون الروح بلمساتهم الفنية. فوجود شباب كثيرين في ختام الملتقى، دليل على الاهتمام الواسع من قبلهم بالتعرف إلى تفاصيل هذا الفنّ الراقي وتقنياته.
أما المتخصّصون في مجال النحت، فقد لفتوا إلى أن مجرّد إقامة الملتقى الذي ضمّ أسماء سورية عريقة في النحت، إصرار على استمرار الحياة ونشر الثقافة والفنّ. وهذا ما أكد عليه النحات جابر أسعد الذي نوّه بجمالية الأعمال المقدّمة واللمسات الواضحة للفنانين المخضرمين، إلى جانب جودة أعمال الفنانين الشباب التي أظهرت جهدهم الواضح في التعامل مع الكتل.
وقال أسعد: هناك بعض الأعمال المكرّرة التي ظهرت في الوجوه، مع ملاحظة غياب فكرة «أغافي» بشكل عام عن المنحوتات. لكن الخبرة المكتسبة من هذا الملتقى ستضيف الكثير إلى المشاركين الشباب الذين اكتسبوا الكثير ممّن سبقوهم في هذا المجال الفنّي العريق.
يذكر أنّ «ملقتى أغافي للنحت على الحجر» أقيم بالتعاون بين وزارتَي الثقافة والسياحة، واستمر من 22 تشرين الأول الماضي حتى 7 تشرين الثاني الحالي، بمشاركة كل من الفنانين: عماد كسحوت، أكثم عبد الحميد، محمد بعجانو، أبي حاطوم، أنور الرشيد، ياسر صبيح، أحمد قاشة، ربى كنج، منتجب يوسف، وعلي الخضر.