«الجنس» و«داعش» وجهان لعملة واحدة…
فدى دبوس
ظاهرة جديدة تسيطر على صفحات المواقع الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي. تبحث لاهثاً عن خبر يمكن لك أن تضيف على رصيدك الفكريّ شيئاً منه لكن بلا جدوى. فما هي الأخبار المسيطرة على غالبية المواقع اليوم؟
ببساطة هي الأخبار الجنسية و«الدعشية»، وكأنّنا أصبنا بحالة من التخدير لا يمكن لأيّ شيء أن يغيّرها، الجنس والإرهاب، باتا في يومنا هذا وجهين لعملة واحدة لا يختلف أحدهما عن الآخر. فالاثنان محكومان بغرائز فطرية لم تعد ترتبط بالمجتمع ولا بعاداتنا ولا بتقاليدنا، حتى أن صفة الإنسانية باتت مغيّبة عن الاثنين.
على ما يبدو أن زمن الثقافة انتهى وتراجع لتحلّ محلّه ثقافة جديدة ألا وهي ثقافة الجنس وفنون الإرهاب. وكي لا نكون رجعيّين كما يصفنا البعض، لا نعترض على الأخبار العلمية الجنسية الضرورية لإكمال معرفتنا في الحياة على أسس سليمة، وإن كان الأمر يقف في حدود التعليم الجنسي المفيد ربّما لما أثرنا الموضوع، لكن نرى اليوم العديد من الأخبار المقززة التي ما عاد باستطاعتنا احتمالها. فالأخبار تخطّت حدود المعرفة الجنسية السليمة، لتشمل الحديث عن الظواهر الشاذّة والمقيتة والأخبار المبنية على الفبركات وكأنّنا يومياً أمام صفحة من الصحافة الصفراء لا تهتمّ لدقّة أو أهمية مواضيعها بل تهتمّ فقط لإثارة المواضيع الحسّاسة التي بإمكانها الحصول على أكبر قدر من المشاركة والتعليق لإعطاء الموقع شهرة لا تضاهيها شهرة أخرى. لكن هل يعدّ هذا الأمر طبيعياً؟!
تصادفنا يومياً آلاف الصور المبالغ بها والكثير الكثير من العبارات الجنسية المقزّزة وكأننا ونحن نتصفّح مواقع التواصل أمام مجلة «بلاي بوي» من النوع الرخيص. والغريب أن من يسوّق لهذه الأخبار التافهة وغير المجدية نفعاً هي بضعة مواقع إخبارية يفترض بها أن تمدّنا بأخبار حيّة تفيدنا وتساهم في بناء ثقافتنا في زمن قلّت فيه الثقافة وكثرت فيه الجعجعة.
وعندما يعجز هؤلاء عن إيجاد خبر جنسيّ مثير يهرعون إلى أخبار «داعش». والمضحك أن أخبار «داعش» لا تختلف في مضمونها عن الأخبار الجنسية، لكون الهدف من قتال هؤلاء هو هدف جنسيّ بحت. فهؤلاء يحكمون سيطرتهم على الدول ويقتلون ويذبحون ليحققوا النصر ويصلوا إلى الجنة للتمتّع بالـ72 حورية، أي وبكلّ بساطة من أجل ممارسة الجنس.
لذا إذا أردنا التعمّق في الأمر نجد أن الأخبار جميعها تصبّ في خانة الجنس، ورغم أن الجنس أمر ضروري لصحة المرء وأمر أساسيّ للتكاثر لكنّه لا يعتبر الحياة بكاملها، ففي الحياة ما هو أهمّ. لكن شاء القدر ألّا يهتمّ بعض العرب إلاّ ببطونهم وملذّاتهم متناسين المخاطر التي نعيشها يومياً. وفي وجود القتل المستمرّ لم يعد ينفع الجنس للتكاثر.
ربّما يرى البعض أنّ في هذه الأخبار شيئاً من السخرية فيهزأون ويضحكون، لكن إذا ما أردنا التعمّق أكثر في ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي لوجدنا أنّ في الأمر خطورة أكبر وأن هناك أبعاداً أخرى يقوم هؤلاء باللعب على أساسها، فاليوم يعتبر الجنس من أكثر الأمور التي تخدّ عقول الشبّان في مجتمعاتنا، خصوصاً أنها توضع في خانة «التابوات» التي لا يمكن لأحد التحدّث عنها. وفي بعض الإحصائيات فقد ثبت أن الشبّان يميلون إلى قراءة هذا النوع من الأخبار أكثر مما يميلون إلى قراءة الخبر الثقافي أو العلمي، وبالتالي نجد أن في نشر هذه الأخبار غاية تجارية بحتة، ولا نستغرب من هذا الأمر كون التجارة باتت تدخل تفاصيل حياتنا بكاملها.
لكن ما هو المطلوب؟ ربما المطلوب فعلاً هو ثورة على قيمنا الجديدة التي نكرت القيم القديمة وجعلتها بالية، ربما المطلوب هو ثورة على هذه المواقع علّنا نعيد الزمن إلى الوراء لنرجع أمة إقرأ. ربما المطلوب هو التغيير ولا شيء غير التغيير…