لبنان الطائفي ليس مُلهِماً لسورية

ناصر قنديل

– عندما نتفحّص الاصطفافات اللبنانية الراهنة حول الجلسة التشريعية المقبلة ونقيسها بمعايير السياسة فسوف نجد مشهداً سوريالياً غير قابل للتفسير، فيصطفّ على ضفة واحدة كلّ من التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية، وعلى ضفة مقابلة حزب الله وتيار المستقبل. وبالنظر للقضايا الكبرى التي تميّز عناوين التموضع السياسي، الاستراتيجية والراهنة، سنجد أنه في القضية الأبعد مدى وذات الصلة بالهوية ومفهوم الأمن القومي، يقف التيار الوطني الحر في خندق التضامن مع حزب الله، كحزب مقاوم للاحتلال «الإسرائيلي» ومخاطر عدوانه، ويساند سلاحه ويقف معه في حربه ضدّ الإرهاب في سورية، بينما سنجد أنّ القضية الراهنة التي تحضر كعنوان يختصر الاستحقاقات هي رئاسة الجمهورية حيث يقف حزب الله مع العماد ميشال عون في ترشحه للرئاسة، ويشاركه تعطيل نصاب جلسات الانتخاب قبل التفاهم على الرئاسة. والمقصود بالتفاهم عند الحزب والتيار هو التفاهم على العماد عون رئيساً، وبمثل ما يتحمّل التيار الوطني الحر أعباء الاتهامات المختلفة محلياً وإقليمياً ودولياً بسبب موقفه المساند لحزب الله ومقاومته وسلاحه وصولاً لحدّ القول إنّ العماد ميشال عون كان ليصير رئيساً بشبه إجماع لبناني إقليمي دولي لولا هذا الموقف المساند لحزب الله، وإنه إذا وصلت الأمور إلى نهاياتها وخسر عون الرئاسة، فسيكون ذلك بسبب هذا الموقف إلى جانب حزب الله يتحمّل حزب الله تبعات وقوفه مع العماد عون واتهامه بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي تعطيل فرص تفاهمات كثيرة تلبّي الكثير من مصالح الحزب، بما فيها فرصة تفاوضية لوصول رئيس بغطاء إقليمي ودولي يتبنّى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وصولاً إلى تحميل حزب الله مسؤولية الشلل الناتج عن تعطيل هذا الاستحقاق تضامناً مع حليفه المرشح. ورغم كلّ ذلك يقف العماد عون في ضفة واحدة مع خصمه السياسي سمير جعجع ويقف حزب الله مع خصمه السياسي تيار المستقبل، في مقاربتهما للجلسة التشريعية التي صارت حدثاً يتابعه اللبنانيون وغير اللبنانيين.

– وفقاً للمعادلة الرياضية البسيطة، يقف عون وجعجع تحت راية معادلة رفض التشريع بغياب رئيس الجمهورية المسيحي، ما لم توضع على جدول أعمال الجلسة البنود التي يعتبرها السياسيون المسيحيون أولويات مسيحية. ومعنى الموقف أنّ عون وجعجع يحمّلان المشاركين في الجلسة، من دون تلبية مطالبهما المسيحية، مسؤولية تهميش المسيحيين، خصوصاً بربط المطالب الاشتراطية، بعدم وجود رئيس للجمهورية، ما يوحي ضمناً باتهام الآخرين وهم هنا، حزب الله بالنسبة لعون ضمناً، مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس، بينما الواقع أنّ نسبة مسؤولية حزب الله مشتقة من مسؤولية عون عن التعطيل. وفي الجوهر هي لحساب دعم ترشيحه، بينما جعجع الذي لم يبق مرشحاً رئاسياً، لا يزال يعتبر عون وحليفه حزب الله السبب في تعطيل الاستحقاق الرئاسي ولا يرفّ له جفن بالخروج مع عون في موقف واحد ومنسّق من شروط مقاطعة جلسة التشريع، كمن يقول نتضامن مع تعطيل عون للاستحقاق الذي ترتب عليه غياب رئيس للجمهورية، وبسببه تفاهمنا على مقاطعة جلسة تشريعية بغياب الرئيس.

– السؤال البسيط رياضياً أيضاً، لو تفاهم عون وجعجع «مسيحياً» على الاستحقاق الرئاسي، لسقط التعطيل وما بقي من مبرّر لشروطهما التشريعية، ولنجحا في قطع الطريق على التهميش الذي يوحي لقاؤهما الاعتراضي بأنّ حلفاء كلّ منهما من المسلمين يقفون وراءه، فوفقاً لقول كلّ منهما، يشكل غياب رئيس جمهورية أقوى إشكال تهميش المسيحيين تعبيراً وللرئيس المسيحي القوي، وفقاً لخطاب كلّ منهما مواصفات موجودة في الآخر، فلماذا لا يترجمان ما يعتبرانه أولوية وطنية يتهمان الغير، بمن فيهم الحلفاء بعدم مراعاتها، بالتفاهم على أحدهما مرشحاً مسيحياً قوياً وسيلقى تفاهمهما حكماً تأييداً فورياً من سائر المكونات السياسية والكنسية المسيحية، وسرعان ما سيتحوّل إلى مرشح إجماع، فيسقط التعطيل ومعه شروط التشريع «المسيحية».

– وفقاً لمعادلة الرئيس نبيه بري التبسيطية الأسهل، عندما يتفاهم عون وجعجع على مشروع مشترك لقانون الانتخاب سيتمّ إدراجه على جدول أعمال الجلسة التشريعية، وعندها سيسقط مبرّر المقاطعة، للاعتبارات «المسيحية»، وتفاهمها هنا هو الطريق الأقصر للتعبير عما يعتبرانه مصالح المسيحيين، وما يريانه منعاً للتهميش، باعتبار قانون الانتخابات النيابية مفتاح صحة التمثيل وإلغاء التهميش، وهذا مبرّر جعل عدم إدراجه على جدول أعمال الجلسة التشريعية سبباً لمقاطعتها.

– هذا هو النموذج اللبناني الملهِم الذي كان يريد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أن يمنح السوريين حظوظ الأخذ به، كي لا يكون لهم وطن ولا سياسة ولا منطق، فقط الغرائز تقود السياسة، والحسابات الصغيرة ترسم المواقف الكبيرة، والحسابات الطائفية الآنية أكبر من المصالح الوطنية الاستراتيجية، والتحالفات تحت عنوان وحدة موقف الطائفة أكبر من الوطن ولو هدّدت وحدته.

– حسناً فعل السوريون بالتمسّك بدولتهم العلمانية ورفضوا كذبة الطائف السوري، ولعلّ هذا التمسك الذي عبر عتبة مؤتمر فيينا يعبر المزيد من البوابات المقبلة، وصولاً إلى الأمل بانتقال العدوى إلى لبنان الذي يحتاج نموذجاً ملهماً يخرج السياسة فيه من زواريب تهميش القضايا الكبرى لحسابات صغيرة.

– هي الطائفية، وليست عون ولا جعجع ولا حزب الله ولا بري ولا المستقبل ولا الرئاسة ولا التشريع. يسقط لبنان في النفايات ويعيش اللبنانيون حمى التجاذب على المطامر بحسابات طائفية.

– وطن النفايات هو وطن الطائفية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى