حركة «سوبر ستروك» الفنيّة المعاصرة… استعمال عنيف للون وإفراط في التعبير

كتب عدنان حسين أحمد: لا تقتصر التيارات والمذاهب الفنية على أوروبا وأميركا على وجه التحديد، رغم أنهما منجم الحركات والمدارس الفنية. فللقارة السمراء حصتها أيضاً: «السوبر ستروك» مصطلح يُستعمل لتوصيف حركة الفن المعاصر التي تعود بجذورها إلى جنوب أفريقيا، وهي إحدى الحركات الفنية المؤثرة في ما يتعلق بالتجريد والحداثة الأفريقية.

ينطوي اسم هذه الحركة الفنية على معنى شديد الدلالة، مفاده أن ضربات الفرشاة لفناني هذه المجموعة لا بدّ من أن تكون عنيفة وفائقة في أدائها وتعبيريتها. لم تنطلق هذه الحركة الفنية من فراغ، إذ تأسست كرد فعل على تأثير حركة «سوبر فلات» التي بناها الفنان الياباني المعروف تاكاشي موراكامي على الفن المعاصر. غير أن أعضاء هذه الحركة الفنية وأساطينها أمثال غريك سيمونز، كونراد بو، مستر سبوتنِك، ديزيل وجاكو أيروَي وغيرهم من الفنانين الذين اتحدوا تحت لافتة هذه الحركة، والتزموا شروطها الفنية التي تمثلت في البيان الذي أصدره الفنان الجنوب أفريقي كونراد بو عام 2008، وتضمن ثماني نقاط ينبغي ذكرها كلها لأهميتها في كشف التقنية التي يعتمدها فنانو الـ»سوبر ستروك»، وأول تلك الشروط أن تنفَّذ اللوحات بضربات فرشاة عنيفة وتعبيرية على السطح التصويري كلّه أو أجزاء محددة منه. ويشدّد المانيفستو على ضرورة استعمال الصورة في الرسم التشخيصي، والاعتراض الوحيد هو ألا تنتمي هذه الصورة إلى الواقعية التصويرية بل إلى المذهب التعبيري الذي يستنطق الانفعالات العميقة ويرصد مشاعر الإنسان الداخلية.

رغم ضرورة استعمال الفرشاة العنيفة، إلاّ أن ذلك لا يمنع من استعمال قلم الرصاص أو الحبر أو الفحم وما إلى ذلك، شرط أن تكون الضربات مفرطة في التعبير والعنف. ويمكن فنان «سوبر ستروك» أن ينفذ لوحاته بالأسلوبين التجريدي والتشخيصي اللذين يعبِّران عن دواخل الفنان المنفعلة والمتفاعلة بما يدور حولها من وقائع وحوادث قد يكون جزءا منها أو مراقباً لها.

يشجع القائم على المانيفستو أن تكون الثيمات عن الضياء والظلام والحياة والموت وعن أفريقيا نفسها. وللتأثير في المتلقي، يحضّ البيان على استعمال الكولاج والستينسل والخط. لا يُحصر استعمال الفرشاة على الورق والكانفاس والخشب وغيرها من السطوح التصويرية، بل يمتدّ إلى الأعمال النحتية المنفذة بمختلف المواد.

أخيراً، لا ينطبق مفهوم الفن لأجل الفن على حركة «سوبر ستروك»، فالفن في «السوبر ستروك» هو أجل «سوبر ستروك» نفسها، إذ يقاتل الفنان لتأكيد التعبيرية في ضربات الفرشاة، أو ضربات قلم الرصاص، أو أي قلم آخر يستطيع أن يجسّد انفعالات الفنان على سطح اللوحة.

الجدير ذكره أن المانيفستو عُدِّل قليلا بالاشتراك مع الفنان غريغ سيمونز، إذ لم تتحدث نقاطه كثيرا عن فن النحت. وينبغي للفنان المنتسب إلى حركة «سوبر ستروك» أن يتبّع تقنيات معينة في إنجاز عمله الفني، فالعنف لا يقتصر على ضربات الفرشاة فحسب، إنما يتعداه إلى رسم الخطوط المتعرجة من جهة، ورسم الخطوط المتصالبة بطريقة تعبيرية. فضلاً عن استعمال العلامات الرياضية مثل + و – و = على سطوح اللوحات، وربما كان استعمال هذه الإشارات الرياضية لتمييز لوحات هذه الحركة عن حركة الكوبرا، والمدرسة التعبيرية التجريدية، والمذهب التجريدي الجديد.

اشتُقّ اسم «سوبر ستروك» من الـ»سوبر فلات»، وهذه الأخيرة حركة فنية تقدّم أعمالاً دقيقة جداً ذات سطوح ملساء ومستوية، أي عكس «سوبر ستروك» تماما التي ينصبّ فيها التركيز على الجانب التعبيري الذي نلمسه من عنف الفرشاة وقوتها وجنونها، إذ يسعى الفنان إلى استعمال موادّ متنوعة، مثل غبار الرخام أو الألوان المعصورة من عبواتها مباشرة على سطح اللوحة، فتغيب اللمسات الناعمة التي يمكن أن نجدها في لوحات الـ»سوبر فلات».

لا بدّ من التذكير بأن موراكامي، مؤسس «سوبر فلات» تأثر بدوره بالمانغا والميني اليابانيين، أي «القصص المصورة والرسوم المتحركة» اليابانية التي خرقت الآفاق وغزت الأسواق الأوروبية والأميركية. بينما تأثر أقطاب «سوبر ستروك» بثلاثة فنانين كبار هم ألبيرتو جياكوميتي وبابلو بيكاسو وفنسنت فان غوغ.

رغم المؤثرات كلّها المشار إليها أعلاه إلاّ أن رسوم»سوبر ستروك» تبقى متنوعة وغنية تمتدّ من الواقعية إلى التجريدية، من دون أن تتفادى المرور بالمناخ التعبيري الذي لا تلتزم باشتراطاته كليا.

يحتاج المتلقي غير المحترف إلى ضرورة التفريق بين الـ»سوبر ستروك» والمدرسة التعبيرية بكامل تجلياتها التجريدية من ناحية، وحركة «كوبرا» التي تعوّل كثيراً على الألوان الساطعة، وضربات الفرشاة العنيفة أيضا من ناحية أخرى، لكن تظل شخصياتها البشرية عامة مشوهة المعالم وتتكئ كثيراً على الجانب التجريدي.

لتركيز هذه المدرسة المعاصرة جداً في أذهان الناس، لا بدّ من تأمل لوحات بعض رموزها وفي مقدمهم كونراد بو، غريغ سيمونز وجون زافاردينو وسواهم من الفنانين المبدعين الذين يراهنون على مواهبهم وتقنياتهم ورؤاهم الفنية التي تُحيل عليهم بوصفهم علامات فارقة في المشهد التشكيلي العالمي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى