الرهان الدائم على خذلان برّي لحزب الله

روزانا رمّال

رسمت مرحلة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري مشهد البلاد لسنوات طويلة شابها الانقسام وإعادة التموضع السياسي والتحديات وتغيير موازين القوى بانتقال منافذ القوة فيه الى الحلف الاميركي الغربي في لبنان بعدما خرجت سورية منه في العام 2005. هذه المرحلة كشفت زيف بعض الثوابت التي كانت تتحلّى فيها بعض القوى السياسية وتتمسّك وتقاتل لأجلها، لكنها من جهة أخرى كشف ايضاً أن هناك من هو غير مستعدّ للضرب بعرض الحائط كل ما بناه من رصيد وطني وسياسي من اجل اللحاق بالمتغيّرات الداخلية التي لم تكن الا ترجمة لسياسات اقليمية كبرى.

انعزال الأحزاب اللبنانية عموماً، وفي تلك المرحلة خصوصاً، عن التأثر بمجريات المنطقة شبه مستحيل، وعلى هذا الأساس كان على الانقسامات الخارجية أن تنعكس داخلية ايضاً وعلى لبنان البقاء دائماً لاعباً ينتظر ما ترتئيه الدول الكبرى لتحديد مستقبله.

انشغلت الأحزاب ولا تزال مع بعض القوى داخلياً بالرهانات على تفكك تحالفات استراتيجية نتيجة تفاقم الاستحقاقات وتعقيدها، لكن أكثر الأطراف اللبنانية استهدافاً كانت حركة أمل التي ولسوء حظها، كانت دوماً تصور الطرف الذي يفضل مصلحته الخاصة على تلك الوطنية العليا، والأخطر من ذلك هو الرهان الذي استفاض بالتفاؤل فيه وهو نكث حركة امل للتفاهم مع حزب الله، وهو تفاهم تاريخي واستراتيجي على مستوى الطائفة الشيعية التي ينتميان اليها وذلك عند استحقاقات عدة.

أكثر ما يلفت في هذا الإطار هو تظهير حركة امل وتحديداً بشخص الرئيس نبيه بري دائماً بصورة «الممتعض» و»المنزعج» من مواقف حزب الله السياسية وسلوكه وكأنه يتحيّن الفرصة للانقضاض على التفاهم، او انه يسكت على مضض، وهذا ما لا يمكن فهمه بعد قراءة نتائج هذه المساعي، او وضعه الا بإطار واحد وهو بث الفرقة بين الصف الواحد الممثل لتيار المقاومة في لبنان، وهذا على اي حال ليس جهدا داخليا او حسابا حزبيا ضيقا، انما مسعى خارجي اكثر من يستفيد منه اسرائيل، وهو الاخطر على الإطلاق من الفتنة السنية ـــــ الشيعية التي قد تندلع في اي لحظة لان هذا الشقاق هو عودة الى الوراء شيئا فشيئا الى ذلك الزمن الصعب في الطائفة الشيعية عندما تقاتل الطرفان لأعوام، ولأن الطرفين يمثلان المقاومة فإنّ أيّ ضرب لهذه العلاقة المميّزة هو نجاح في انقسام القاعدة الشعبية الداعمة لها في اي استحقاق مقبل ويمكن حينها الرهان حقا على نجاح إسرائيلي في إضعاف حزب الله كمقاومة استطاعت جمع قاعدتَي الحزب والحركة الشعبية على «فرد قلب» لتنصرف المقاومة إلى عملها بطمأنينة.

المراهنون على اتهام برّي ومعه حركة امل بأنه يضمر دائما لطعن حزب الله مسؤولون عن إيجاد اجوبة مقنعة لهذه الحوادث التي كان ممكناً استغلالها بشكل جيد واستثنائي ولم يحصل.

اولاً: تمثل الرهان الأخطر على الخذلان «الحركي»، اذا صحّ التعبير، عند اشاعة اجواء عزم الرئيس نبيه بري على التفاوض والتخلي عن سلاح المقاومة نتيجة استقباله وفوداً أميركية في حرب تموز 2006 حتى شنت حملة مبرمجة عليه وهو الذي سماه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله «المقاومة السياسية»، حيث كانت نصف الحرب امام العالم والتي استحصلت على حقوق لبنان باتفاق حمى سيادته وانتصاره وتبيّن لاحقاً أنّ شيئاً من هذه المفاوضات لم يحصل ولم يتقدّم بري بأيّ مشروع او نية تتعدّى التفاوض والحديث والاستدراج المحنك مع تلك الوفود من اجل ترويض البعض وجس نبض البعض الآخر، وفي المحصلة خرج بري من الحرب أحد أعمدة انتصاراتها عند اللبنانيين عموماً والجنوبيين خصوصاً.

ثانياً: الرهان على عدم مشاركة حركة امل مع حزب الله في الاعتصام عام 2007 الذي اجتمعت فيه المعارضة فريقاً واحداً ضد الحكومة حينها، لكن الحركة شاركت فيه بل كانت بالطليعة وكان مناصروها الأكثر حضورا وصمودا، على الرغم من ان ذلك الاعتصام لم يثبت فعاليته. وهذا حديث آخر.

ثالثاً: وهو رهان الساعة الذي يتمثل بترويج فكرة تخلي الرئيس بري عن مَن يختاره حزب الله لرئاسة الجمهورية، والمقصود هنا العماد ميشال عون، وهو مرشح الحزب الوحيد، وذلك بالاستناد الى اخبار تحدثت عن نيات تعاون بين تيار المستقبل وحركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي من اجل الاتفاق على مرشح توافقي للرئاسة، يطيح بعون من المشهد الرئاسي باعتباره «طرفاً» لا يناسب المرحلة المتشنجة في البلاد، وعلى هذا الأساس يكون الرئيس بري قد خذل حزب الله بمنع مرشحه من الوصول إلى الرئاسة وتخلى عن اعتبار ترشيحه استراتيجية تحمي ظهر المقاومة حكماً وهذا ما لم يحصل.

العلاقة المميّزة بين حزب الله وحركة أمل أثبتت استحالة الرهان مجدداً على صنع «أمل» يجعل من حركة أمل والرئيس بري احدى أوراق استهداف المقاومة، عسى ان تكون الاطراف اللبنانية المستفيدة من هذا الشقاق، قد تيقّنت اخيراً انّ بري القادر على إيهام الجميع بالليونة تجاه المبادرات وانفتاحه على الكلّ غير مستعدّ على الإطلاق أن يلعب أي دور لا تكون فيه مصلحة المقاومة فوق أيّ اعتبار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى